في رؤية مقدمات المشهد الانتخابي الذي أفضى للنتائج التي أسفرت عنها انتخابات الكنيست في الدورتين السابقتين، وعلى أبواب دورة الإعادة الثالثة، والمتوقع إجراؤها في آذار/مارس 2020، اقتضى الأمر أن نُركّز على برنامج الحزبين الكبيرين بالنسبة لموضوع القدس وباقي عناصر القضية الوطنية الفلسطينية، ونعني بهذا مواقف حزب الليكود بقيادة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، وحزب (أزرق ـ أبيض) أو (كاحول ـ لافان) بقيادة الجنرال بيني جانتس الرئيس الأسبق لهيئة أركان جيش الاحتلال.
فرئيس حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، وبتفاهماته السرية منها، والعلنية، وعد بتقديم التسهيلات لجماعات الهيكل من عتاة اليهود المتعصبين، على أن يشمل زيادة أعداد المقتحمين للمسجد الأقصى في أيام الأسبوع، خصوصا خلال الأعياد التوراتية، وزيادة أعداد الأفراد في كل مجموعة مُقتحمة، وتقليص فترات الانتظار عند باب المغاربة في المدينة، وتقديم تسهيلات متطورة قد تصل إلى فتح مسرب آخر موازٍ للمسرب الحالي عند مدخل جسر باب المغاربة، وبالتالي بتغيير الوضع القائم بالمسجد الأقصى تدريجيا وبشكل متسارع وصولا للتقسيم المكاني والزماني للمسجد وفق ما تم في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل منذ المجزرة التي ارتكبها المتطرف باروخ جولدشتاين عام 1994، وقيام شرطة الاحتلال بغض النظر عن صلوات المتطرفين داخل الأقصى، وقد يصل الأمر للسماح ضمنيا لهم بالصلاة والسجود داخل الساحات الشرقية دون الإفصاح عن ذلك علانية، وهذا ما يعني تغيير الوضع القائم.
لقد رفض البرنامج الانتخابي لحزب الليكود، البرنامج المُعلن، ومنذ الدورة الأولى للانتخابات، وبكل فجاجة، إقامة دولة للفلسطينيين، وهو موقف يتماشى مع البنية السياسية والأيديولوجية لحزب الليكود القائمة على: “اعتبار الضفة الغربية والقدس جزءا لا يتجزأ من أرض إسرائيل” الكبرى. وبالتالي تطرح هذه الأيديولوجية شعارها في الكلمات التالية: “بين النهر والبحر لا مكان إلا لدولة واحدة هي دولة إسرائيل”. إن هذا الشعار قديم في برنامج حزب الليكود منذ وقوع الضفة الغربية بما فيها القدس تحت الاحتلال عام 1967، حيث رفع مناحيم بيجين من مؤسسي حزب الليكود وقياداته التاريخية، شعارات التمسك بــ”أرض إسرائيل الكاملة”، وعدم الاستعداد للانسحاب من شبر واحد من الأراضي التي يصفها بـ”المحررة من الغزاة العرب”، وهو موقف يتطابق تماما مع مواقف قوى وأحزاب اليمين التوراتي في “إسرائيل” كحزب (يهوديت هتوراه)، وحزب شاس، وحزب أتباع مائير كهانا..إلخ. إن هذا الموقف الأيديولوجي يُنتج برنامجا سياسيا طبقه مناحيم بيجين بالموافقة على إقامة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية في اتفاقيات كامب ديفيد الأولى عام 1978، وتحت إشراف الأميركي جيمي كارتر في حينها. فكانت وما زالت العقيدة الراسخة سياسيا وأيديولوجيا لحزب الليكود هي قبول إعطاء حكم ذاتي إداري لـ”السكان الفلسطينيين” وليس للأرض في الضفة الغربية والقدس، مع التمسك المطلق بمدينة القدس الكاملة كعاصمة لدولة الاحتلال، وإخراجها من أي حالة تفاوضية مستقبلية.
أما حزب (أزرق ـ أبيض) أو (كاحول ـ لافان) بقيادة الجنرال بيني جانتس ومعه زبدة الجنرالات المتقاعدين من جيش الاحتلال وأجهزة الأمن “الإسرائيلية”، فقد تبنى موقفا حاسما حيال المسائل السياسية، فتعهد الحفاظ على السيطرة “الإسرائيلية” على الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية ومناطق القدس ومحيطها مع ضم الجزء الشرقي منها، وقدّم سلسلة اقتراحات تتحدى الجميع في المنطقة حتى لو تحطمت عملية التسوية مع الفلسطينيين، بالسيطرة اليهودية المتشددة في مسائل دينية وحكومية. كما وبرز في البرنامج السياسي الكامل للحزب خلوّه من عبارتي “حل الدولتين” و”الدولة الفلسطينية” والقدس. ودون أي ذكر لباقي عناصر القضية الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها قضية اللاجئين وحقهم بالعودة إلى أرض وطنهم التاريخي طبقا لقرارات الشرعية الدولية، وخصوصا القرار 194 الصادر عام 194 والذي ما زال حبيس الأدراج في الأمم المتحدة.
وبالاستنتاج، يُمكن القول إن هناك توافقا عاما في الطرح بين الحزبين الكبيرين في “إسرائيل”، بين حزبي (الليكود + كاحول ـ لافان) في الخطوط السياسية العريضة، بما يشمل عدم دعم قيام دولة فلسطينية ذات سيادة بحدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والإصرار على الاستمرار بعملية تهويد المدينة المقدسة ومحيطها. ولكن نقاط الخلاف بينهما تدور حول قضايا تتعلق بشخص نتنياهو وتسلطه بقيادة الدولة وحزب الليكود أولا، وبرنامجه الداخلي على المستوى “الإسرائيلي” ثانيا، وسوء معالجته لبعض الملفات وأهمها ملف قطاع غزة وفق رأي قادة حزب (كاحول ـ لافان).