عروبة الإخباري – نشرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية استعراضا لكتاب “موجة سوداء” للكاتبة اللبنانية الأصل كيم غطاس، والذي تجيب فيه على سؤال: “ماذا حدث للعالم الإسلامي من 1979، وهي سنة الثورة الإسلامية الإيرانية.
فبعد شهر واحد، من بدء العام الجديد، بدا جليا أنّ التوترات في الشرق الأوسط لا تظهر سوى القليل من علامات التهدئة، فمن اغتيال الجنرال قاسم سليماني، القائد بالحرس الثوري الإيراني في الأيام الأولى لشهر يناير، إثر غارة جوية أمريكية بطائرة بدون طيار، وأيضا كشف النقاب عن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام في فلسطين، كل هذه الأحداث تساعدنا على فهم ديناميكية المنطقة.
ويعد كتاب كيم غطاس عن العالم الإسلامي الأشمل منذ عام 1979، عام الثورة الإيرانية، وهو العام الذي مثل بداية الخصومة الإقليمية بين المملكة العربية السعودية وإيران من جهة، والتدخل الأجنبي من جهة أخرى.
ويركّز الكتاب على حياة عدد من الشخصيات الرئيسية، من مقاتلي حرب العصابات ورجال الدين الثوريين والجواسيس وحتى القادة والصحفيين الصوفيين، الذين خاضوا أدوارًا بارزة أو كانوا شهود عيان على أحداث 1979 والسنوات اللاحقة.
ويرى معظم النقاد أنّ الكتاب قوي بشكل خاص وحيوي في البداية، حيث تستهله المؤلفة بوصف لبنان في سبعينيات القرن الماضي، حيث كان يمثل ملاذا للثوريين من جميع أنحاء العالم، مرورا بتوقيت ومكان ظهور بعض المقاتلين الإيرانيين الذين لعبوا دورًا رئيسيًا في إسقاط نظام الشاه. والكتاب سرد ملوّن لحياة هذه الشخصيات المؤثرة، يتخللها خطوط شعرية وأغاني المطربات اللائي حددن صوت تلك الحقبة من المطربة اللبنانية فيروز إلى المصرية أم كلثوم والباكستانية إقبال بانو.
ويتتبع الكتاب تلك الروابط الشخصية بين الناشطين من حركة أمل (الحركة التي حشدت الشيعة اللبنانيين قبل تأسيس حزب الله في عام 1982) ومنظمة التحرير الفلسطينية والمعارضين الإيرانيين، ويشرح لماذا تم الترحيب بالثورة الإيرانية عام 1979، من اليساريين، بما في ذلك المثقفين الفرنسيين، وكذلك من قبل الإسلاميين السنة مثل الإخوان المسلمين وأبو العلا المودودي الباكستاني كنموذج يحتذى به.
وما يميز الكتاب أنه يربط بين مختلف البلدان والمناطق التي عادة ما يُنظر إليها بشكل منفصل، مثل مصر ولبنان والمملكة العربية السعودية وإيران وأيضًا باكستان، ويوضح كيف كان عام 1979 عاما مفصليا.
فقد حفلت فترة نهاية السبعينيات من القرن الماضي بتغيير جذري في بقاع مختلفة من أنحاء العالم، مثل أحوال “المتمردين الغرباء”، والتأييد للاقتصاد النيوليبرالي وحتى الزوال البطيء للحكم الشيوعي في أوروبا الشرقية، تزامنا مع ظهور الإسلام السياسي كقوة عالمية.
ويرصد الكتاب كذلك صعود الرئيس محمد ضياء الحق إلى سدة السلطة في باكستان عام 1977، الذي سرعان ما أخذ يطبق الشريعة الإسلامية في الدولة، ومن ثم اغتيال الرئيس المصري أنور السادات عام 1981 على أيدي مسلحين سنة استلهموا فكر الثورة الإيرانية. ويصل الكتاب هنا إلى نتيجة أنّ العام 1979 كان عام تحول إقليمي.
وفي حين أنّ معظم الكتاب يدور حول كيفية بدء الأحزاب والنظم السياسية السنية والشيعية في استخدام الدين لتعزيز مشاريعها السياسية، ومن ثمّ مهاجمة بعضها البعض، وتصف غطاس أيضًا عبر صفحات الكتاب كيف حاولت جميع الحركات الإسلامية فرض فكرة محددة عن الأخلاق العامة.
و”موجة سوداء” شهادة واقعية لجميع أولئك الذين يحلمون بشرق أوسط مختلف، وفي بعض الأحيان يدفعون حياتهم ثمنا لذلك. لكن ثمة أمل، تعثر عليه غطاس في الطرق التي يمكن للشعوب من خلالها التعامل مع الصدمة التاريخية والمعاناة التي ألحقتها الصراعات بالمنطقة، على خلفية التنافس السعودي الإيراني والتدخل الأجنبي في المنطقة. غير أنها ترى أن التحدي الأبرز أمام شعوب المنطقة يتمثل في إيجاد مصدر للأمل، والثبات على الموقف، وعدم الاستسلام.
يشار إلى أن غطاس، وهي صحفية عملت في هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” وصحيفة “فاينانشال تايمز”، ولدت في لبنان. وترى غطاس أن الشرق الأوسط العالمي أفسح المجال لهيمنة الإسلام السياسي، وعزز التناحر السعودي الإيراني.