الدكتور إبراهيم بدران *
ما أن طلع المتحدثان نتنياهو وترامب ليعلنا صفقة القرن التي طال الحديث عنها، حتى تبين أنهما يقفان على خشبة مسرح، وفي حفلة دعاية انتخابية، ليعلن كل منهما تأييده للآخر في كل ما يفعل “من أجل البراءة والانتخابات القادمة”. وكأنهما في مزاد علني. فالواحد منهما صدى للآخر وظل له. واختصاراً، جمع تلميذ في مدرسة مقدسية اسمي ترامب ونتنياهو في اسم واحد هو “ترامباهو” Trumpaho.
وقبل أن تنطلق الخطة الأميركية والتي عرفت ب”صفقة القرن” ارتبك الكثيرون ورفع البعض راية الاستسلام وكأن كلمات دونالد ترامب ستكون عاصفة من الأقدار لا يوقفها أحد. أين الدول الأخرى؟ أين العالم؟ أين القانون الدولي؟ أين الواقع على الأرض؟ أين الشعب الفلسطيني؟ أين الشعوب العربية؟ كل ذلك كاد يختفي تحت وقع الضجة الإعلامية التي أطلقتها إسرائيل وضخمها الإعلام العربي بوعي أو بدون وعي، حتى وكأن النضال الفلسطيني الذي امتد على أكثر من مائة عام قد انتهى، أو سوف ينتهي بمجرد أن يتحدث الأخوان ترامباهو. الآن وقد أُعلنت الصفقة بكامل تفاصيلها، لا بد من الإشارة إلى عدد من النقاط:
أولاً: منذ العام 1948 صدر عن الأمم المتحدة وأميركا وغيرها من الوسطاء حوالي (15) خطة ابتداء من خطة الكونت برنادوت العام 1948 مروراً بخطط يارنغ و روجرز وكيسينغر وريغان وانتهاء بخطة ترامب. ولأن اتفاقاً بين الطرفين المتنازعين لم يقع، فلم يتم تنفيذ أي خطة.
ثانياً: إن تصريح أي مسؤول سياسي حتى لو كان الرئيس الأميركي لا يلغي الواقع ولا يغير القوانين والمواثيق الدولية، ولا يجمد إرادة الشعوب ولا يمنعها من العمل، والأهم من ذلك لا يلغي الشعب الفلسطيني ولا يوقف نضاله حتى يصل إلى حقوقه المشروعة.
ثالثاً: إن الاحتلال الإسرائيلي هو قائم بخطة ترامباهو أو بدونها، لأن العدوان والتوسع جزء لا يتجزأ من المخطط والهوية الصهيونية التي تحكم إسرائيل، وعبر عنها زعماؤهم، كما فعل جابوتنسكي وبن غوريون ودايان وشارون ونتنياهو بخططهم العدوانية التي شابهت خطط النازي.
رابعاً: لم يقدم الأخوان ترامباهو شيئاً جديداً يوم الثلاثاء 28. فالخطة التي قرأ من أجلها كوشنر 25 كتابا هي نفس خطة نتنياهو المقدمة العام 2012 إلى القيادة الفلسطينية، بكل ما فيها من تغوّل على الحق الفلسطيني وإنكار للقانون الإنساني، وقتل لعملية السلام..
خامسا: دأبت الصهيونية، بخبث و لؤم و دهاء و مراهنة على الزمن، منذ عهد الانتداب البريطاني وبعد ذلك إسرائيل على إحراج الفلسطينيين، بتقديم مشاريع حلول للنزاع و خطط للسلام لا تحقق الحدود الدنيا التي يمكن قبولها، وذلك مقصود حتى يرفضها الفلسطينيون، وتظهر اسرائيل بريئة ويقع اللوم على الفلسطينيين لأنهم “يقولون دائما كلمة لا”.
واليوم بعد أن قوبلت تلك المسرحية بالرفض القاطع من الشعب الفلسطيني ومن الأردن قيادة وشعباً وحكومة، و بالرفض من الشعوب العربية، ومن الجامعة العربية و الكثير من دول العالم باعتبارها خروجاً على اتفاقيات جنيف الرابعة وعلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي تنص على أن الضفة الغربية بكاملها بما فيها القدس أراض محتلة، وليست بدون سيادة ولا متنازع عليها وبالتالي لا يحق لدولة الاحتلال إحداث أي تغير في الأراضي التي تحتلها. هذا بغض النظر عن الموقف الرسمي الغائم لعدد ضئيل من الدول العربية.
اليوم يعمل الأخوان “ترامباهو” على ثلاثة مسارب لتمرير الخطة الاحتلالية هي: القرار من جانب واحد، والتلويح بالدولة الفلسطينية الوهمية، والمسرب الاقتصادي الذي نادى به نتنياهو قبل (8) سنوات. ولذا اجتهد كوشنر على مدى أكثر من (50) صفحة ليعيد صياغة مشاريع اقتصادية بقيمة 50 مليار دولار على مدى 10 سنوات موزعة على فلسطين و الأردن و لبنان و مصر تحقق الهدف الكلي للحركة الصهيونية. وقد عرض جزء من هذه المشاريع في لقاء (المنامة) قبل عام. وقد هدد ترامب ووزير خارجيته بومبيو الفلسطينيين بأن هذه فرصتهم الأخيرة.
وعلى ضوء التراجع العربي المتواصل، والتمكن من تهشيم الدولتين العربيتين العراق وسورية بمساهمة إسرائيلية صهيونية غير معلنة، والتحييد الكامل لمصر، توسعت الرؤية الصهيونية للمشروع بأن “تكون إسرائيل المدخل الرئيسي إلى الولايات المتحدة من جهة، وأن تصبح مركزاً تكنولوجياً ولوجستياً واقتصادياً ومالياً للمنطقة من جهة ثانية”. و انطلقت الخطوات على النحو التالي:
أولا: إرهاب دول الخليج بالتهديد الإيراني بصورة مستمرة مما سيدفعها إلى طلب المعونة والمساندة من الولايات المتحدة الأميركية و التي تتحقق وفق شرطين اثنين: دفع التكاليف والتعاون مع إسرائيل. وقد سارت إيران للأسف في هذا الاتجاه ربما عن غفلة، أو وعي، أو تآمر، أو دهاء، أو اقتسام المنافع، أو اقتناص الفرص.
ثانيا: إقناع الولايات المتحدة وأوروبا بفكرة تغيير مسارات النفط من هرمز وباب المندب وقناة السويس إلى المتوسط وأوروبا ليكون من شرق الجزيرة العربية إلى المتوسط مباشرة ،عبر منظومة من الأنابيب الضخمة تبدأ بمحاذاة الخليج العربي وتنتهي في حيفا أو أشدود و بأطوال لا تتجاوز 2200كم على غرار التابلاين. وبذلك تصبح التهديدات لسوق النفط في حكم المنتهية ًثالثا: تصبح الموانئ الإسرائيلية موانئ استيراد وتصدير لدول الخليج و الأردن من خلال شبكة سكة حديد تبدأ في حيفا مروراً بالأردن ثم السعودية ثم شرقاً إلى دول الخليج.
رابعا: ربط الأردن ومصر بمشاريع الغاز الاسرائيلية حتى يصبح البلدان معتمدين على الغاز القادم من إسرائيل كمصدر رئيسي للطاقة وقد تحقق ذلك قبل إعلان خطة ترامباهو.
خامسا: إنشاء مركز مالي في الخليج يمكن أن يبدأ به يهود من أوروبا أو الولايات المتحدة ثم ينتهي ليسيطر عليه الإسرائيليون وعلى غرار وول ستريت في نيويورك.
سادساً: إن المشاريع التي تضمنتها الصفقة وأشار إليها كوشنر وترامباهو هي أساساً للبنية التحتية التي ستنطلق من الأراضي المحتلة إلى الدول العربية ويكون تمويلها من العرب والبنوك على شكل قروض وتمويلات وبعض المنح.
سابعا: العمل بكل الوسائل على إنهاء الأونروا والإسراع في طمس المعالم الثقافية والحضارية الفلسطينية في الأراضي المحتلة.
لقد آن لعقلية الاستسلام أن تتغير. ذلك أن الهزيمة التي لحقت بالعرب عام 1967 شملت الجانب العسكري والجانب النفسي والذهني. فقد أصبح الذهن العربي الرسمي بالدرجة الأولى، والشعبي بدرجة أقل، مهزوماً لا يستطيع أن يتخيل مواجهة مع إسرائيل مهما فعلت. وهذا كله وهم وانكسار نفسي، ساهمت الأنظمة العربية على ترسيخه لدى المواطن العربي بإخفاقاتها الاقتصادية والإدارية و الديمقراطية و اعتماديتها على الأجنبي في كل مكان.
إن العمل من أجل المستقبل يتطلب فورا و لمرة واحدة أولا: إنهاء الانقسام الفلسطيني. ثانيا: دعم موقف الأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية. ثالثا: مباشرة القوى السياسية العربية بوضع آليات فاعلة لدعم صمود الشعب الفلسطيني المادي على الأرض و المعنوي و الحضاري. رابعا: العمل المكثف من قبل المؤسسات الرسمية والأهلية في المجال الدولي وفق خطط موزونة في الأبعاد القانونية و الإنسانية للمسألة الفلسطينية. خامسا: أن تؤكد السلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية قيام دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران1967 وعاصمتها القدس الشرقية. سادسا: وضع الخطط السياسية والمالية للمحافظة على الأونروا وقيامها بمسؤولياتها. سابعا: وضع خطة سلام فلسطينية عربية ونشرها على أوسع نطاق دولي.
*وزير التربية والتعليم الأسبق