عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
قالها :”نحن لها” ومازال يقود شعبه في هذه اللحظات الصعبة، عصياً على الكسر.. يقولها بملئ فيــه “لا” للمحاولة الامريكية التي يقوم بها الرئيس ترامب لتصفية القضية الفلسطينية عبر صفقة القرن.. ويصمد وهو في جوف الحوت حيث الاحتلال الاسرائيلي، وما زال يتمثل “بلال بن رباح” يقول : “احد .. احد”، فقد تعلم الامساك على قضية امساك اليد على الجمر.
لم يكن أبو مازن كما عرفته شعاريا ولا شعبويا ولا استعراضيا .. بل كان يفكر ويمحص ويخطط ويقرأ ويستنتج ، كان يضع مصلحة شعبه فوق كل اعتبار، ولم تكن تأخذ عزة الموقع بالاثم، فلقد ظل يعكس زهده في الموقع، ولم يكن يجامل خصومه او يخشاهم، حين كانت البوصلة تشير الى سلامة دربه، واختيار هدفه ، فقد ظل ينقدهم ويشير الى خطأ اجتهاداتهم كلما أخطأوا او ابتعدوا عن الصواب.
اليوم يمسك أبو مازن على جمر مواقفه، وهو مدرك أن “الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها”، أو تمد يدها مقابل مبادئها، ويرى ان القدس ليست للبيع، حتى وإن جاع شعبه وحوصر وطورد، فقد جرب ابو مازن اشكال من الحصار والسجن والمطاردة والترهيب والابتزاز والقطيعة، وكلها لم تثنيه عن هدفه.
فالرجل الجالس تحت الاحتلال وفي قبضته، لا يخشى ولا يخاف وهو يعلن موقفه في الرد على طاغية العصر، صاحب صفعة العصر ترامب، وأداته لاخضاع المنطقة العربية وابتزازها نتنياهو، في حين يهرول من يملكون المقدرات والدول ممن ابتزهم ترامب، وقايضهم على كراسيهم وبقائهم، فظلوا يهربون إليه خوفا من شعوبهم، او خوفا من تسليط غيرهم عليهم، ولنا في كثير من انظمة المنطقة امثلة..
كلمة الرئيس أبو مازن أمس في الرد على الجاهل المتغطرس ترامب جاءت شافية، فقد قبل التحدي منذ اللحظة الاولى ومضى الى ما كان اتخذه من مواقف وقرارات في مقاطعة الادارة الامريكية ،وعدم قبول تدخلها في الشأن الفلسطيني، مؤكدا سلامة رؤيته وصلابة موقفه..
لم يلتفت الى الوراء ، ولم يوهنه أن بعض أمته قد “عقره” وخذله وشمت أعداءه ، بل ركن إلى شعبه واعتصم به واستنهض همته، وطالب باطلاق طاقته حين خاطب الملايين ألـ (13) فلسطينيا في الداخل والخارج، مشيرا بصورة مباشرة وغير مباشرة بما عليهم أن يفعلوه ليقولوا لترامب وعالم ترامب أن هذا الشعب ما زال قائما وما زال قادرا وما زال باستطاعته أن يمارس كفاحه بأساليب مختلفة، كما كان دائما حتى وهو يجترح المقاومة بالحجر في انتفاضته الأولى ، وهو يدرك أنه إن توفرت الإرادة فلن تعدم الوسيلة..
أبو مازن.. هذا الثمانيني الصلب لا ينخدع بسراب التصريحات، ولا يعجم عوده ولا يقعقع له بالتهديد ، والقدس عنده دونها خرط القتاد وهي ما لا يبلغ لغيره أن يحوزها أو يصادرها وفي شعبه حياة وإرادة وكرامة.
قالها أمس ” نحن لها ” مجسدا شجاعة الفلسطيني، وقبوله للتحدي ورده للعدوان..
لن يدرك ترامب وكل المعتدين منذ بداية المأساة التي جسدها “وعد بلفور” و “وعد واشنطن” عام 1917 الذي ساند وعد بلفور حين انخرطت الولايات المتحدة الى جانب الصهاينة الانجليز في تجسيد الوعد وإسناده، وتوفير أسباب انفاذه.
لم ينطل على الفلسطينيين مبادئ ويلسون في الحريات التي أطلقها عشية الحرب العالمية الأولى والتي لم تأخذ بالاعتبار حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره،أسوة الشعوب الأخرى..
رأيته أمس كالأسد الهصور، يغلي ويراقب كلماته المحسوبة ويدافع عن برج الحمام الذي اكل الثعلب فيه الكثير ويتمثل قول محمود درويش “أكل الثعلب في برجي حمامة سوف أرثيها وسأحمي البرج ، ولست استعجل ميلاد القيامة.
صحيح أنك لم تستعجل ميلاد القيامة ، لأنك ما زلت تسترجع فلسطين للخارطة وفي وجدان العالم وإقراره بها كحق شرعي وانساني للفلسطينيين ، وأشهد أنك قد فعلت الكثير وقد انتصرت في مواقع هزم فيها عدوك الذي لم يعرف طعم الهزيمة بعد ، رغم كل الشعارات التي رفعت باسم التحرير والصراع والقضية المركزية..
يا ابا مازن . هاهي فلسطين أمام العالم حاضرة ، وقد أقر لها بالحضور أكثر من 139 دولة وها هي تحظى بالسمعة الطيبة والدور الفاعل الذي مكنتها في أن تكونه رغم انها وراء القضبان بفعل السجان الإسرائيلي والمتواطئ الأميركي…
وأنت تدرك انه لن يطول زمن اسرها واحتلالها فما دام هناك شعب يطالب فلن.يضيع حق أبنائها.
اليوم يصدق ابو مازن ما كان عاهد عليه شعبه، من خلال مؤسساته التي اعاد بنائها، وها هو يستكملها بانتظار أن ينخرط المقدسيون وقد شاركوا شعبهم الإدلاء بأصواتهم في صناديق الاقتراع من داخل القدس، ومن كل شبر يقفون عليه وإلا فلا حتى لا يسجل عليه انه فرط بها أو قفز عنها أو اقر للعدو بحق فيها …
ما زال أبو مازن ينادي شعبه بكل فصائله وفئاته ومواقعه ومواقفه واتجاهاته، وقد اجرى أمس تمرينا حيا بدعوة كل الفصائل التي قفزت عن حواجز وأسلاك القطيعة، فحضرت وعليها أن تبقى حيث أرادها أبو مازن في وحدتها الوطنية و في قرارها المشترك للرد على الطاغية ترامب وأعوانه، مما تجاهلوا شعبنا العظيم وحقوقه المشروعة التي قفز ترامب عنها محاولا إبطال مرجعياتها وإحلال مرجعيته المنحازة..
صمود الرئيس أبو مازن سيقطر الشارع العربي خلفه، ولن يجد المترددون والمشككون مكاناً لترددهم وشكهم، وسيجدوا أن شعوبهم سوف تدينهم حين ترى شعباً أعزل تحت الاحتلال وفي قبضته يصمد ويقول: (أحد ..أحد) للمقاومة والصمود والكفاح، في حين تنصرف أنظمة ودول وقد أصابها الخوف وضبعتها تحذيرات ترامب وأغواها انه سيحميها من شعوبها أو ممن خلق لها من اعداء…
أيها الشامتون والمتربصون والمتوقعون استسلام شعبنا ورفعه راية بيضاء.. لن تتحقق أمانيكم، ولن تجدوا من يعزز إحساسكم بالهزيمة والخذلان..
فقط أرفعوا أيديكم عن شعبنا وتوقفوا عن المساومة عليه، أو محاولة النيل من صموده وصمود قيادته.
أبو مازن لا يخاف وقوته تكمن في سلامة رؤيته والتفاف شعبه، فقد حاول البعض ان يثنيه عن كثير من مواقفه العديدة السابقه، وأن يزين له خططاً ظلت تستهدف شعبه، وكانت ضغوط عليه أن لا يذهب بداية إلى الأمم المتحدة حتى لا يولد الدولة الفلسطينية، وأن لا يذهب إلى محكمة الجنايات الدولية والمنظمات التي يمكنها أن تحاكم إرهاب الدولة الإسرائيلية،أو تحاسب القتلة الذين ظلوا بعيدين عن القصاص بفعل الحماية الأمريكية والتواطؤ الدولي والجبن العربي….
شعبنا ليس إرهابيا ولم يمارس الإرهاب، وكان أبو مازن قد تحدى أن كان من شعبنا من داخل فلسطين من انخرط في داعش أو القاعدة أو غيرها من منظمات الإرهاب التي انخرط فيها عرب كثيرون جارت عليهم أنظمتهم ولم يجري توجيههم حيث تشير البوصلة فخلطوا ما بين القدس وكابول وسموا القتل باسم القدس التي ظلت بريئة من تسمياتهم حين لم يطلقوا رصاصة من أجلها، في حين سموا كتائبهم ومنظماتهم باسمها..
شعبنا يعرف الحقائق، والذين ظلوا يحرضونه على قيادته لم يفلحوا، فكان الربيع على رؤوسهم وظل الشعب الفلسطيني يدرك أن قيادته إنما تعمل من أجل حقوقه وتسهر عليها و تضحي من أجلها، وها هو قائد هذا الشعب ينجح في امتحان الصمود بامتياز ليقر بذلك له خصومه قبل أنصاره….
هذه فرصة تاريخية للشد على يد الرئيس أبو مازن وإسناده وتجسيد التمرين الحواري الذي قام أمس بحضور كل الفصائل لمواصلة تلك اللحظة التاريخية التي جاءت للرد على التحدي المصيري الذي يستهدف تصفية القضية…
فلتبقى هذه الفصائل مرابطة في القرار وراء الرئيس أبو مازن وإلى جانبه، ولتستدعي مواقفها وطاقاتها وقراراتها في صيغة تعددية تكون واحدة حين يكون الرد بحجم تحدي الأمس, حين أطلق المجرم ترامب صفعته دون أن يحفل بالفلسطينيين على مختلف اتجاهاتهم دون أن يجد فيهم واحداً يقبل المذلة والهوان…
شعبنا صامد وقوي وينتظر إشارتك يا أبا مازن، وهو مدرك أنك حريص عليه وعلى دماء ابنائه، وانك لا تفرط ولا تأخذك الشعارات حيث يريدون ،وإنما يأخذك التحدي حيث تريد ويريد شعبك…
فليمتعك الله بالصحة والبصيرة وطول العمر، والقدرة على إيقاظ النيام في أمتك، واستنهاض طاقات شعبك المتحضر الذي يعرف كيف يقاوم ليعيش ويصل إلى أهدافه…
شعبك الآن يثق بك ويزودك بطاقة نضاله, فامضى به حيث يبقى رافع الراية مجسداً للدولة، وما ذلك بعزيز عليه وانت قائده…