عروبة الاخباري- كتب سلطان الحطاب
منذ أطلق ترامب اجراءات ضم اسرائيل لمدينة القدس عاصمة، والخطوات الأمريكية المعادية لحقوق الشعب الفلسطيني تتوالى وسط جمود في الموقف العربي ورتابة في الموقف الدولي.
لقد شجعت سياسات البيت الأبيض الذي يمثله ترامب اسرائيل في اتخاذ المزيد من خطواتها العدوانية، وهي تتحدث عن ضم “غور الاردن وشمال البحر الميت” والكتل الاستيطانية ومنطقة (ج) الأوسع في الضفة الغربية والتي تشكل معظم مساحتها.
ما الذي تبقى؟! لا شيء سوى تسمية العدوان الجديد، وهو “صفقة القرن” بعد أن جرى توليدها في مكونات مختلفة تتعلق بمعظم قضايا المرحلة النهائية، فالمستوطنات عند الإدارة الامريكية التي عبّر عن موقفها سفيرها في القدس، وهو مستوطن أصبحت عنده شرعية رغم كل قرارات الشرعية الدولية بنفي ذلك واستنكاره، كما أنه جرى محاولات طي صفحة عودة اللاجئين من خلال تجفيف منابع دعم وكالة الغوث، وإدماجها بمفهوم اللاجئين في المستويات الدولية للكلمة، وليس ما تعنيه وكالة الغوث المتعلقة بالفلسطينيين وقضيتهم وحقوقهم.
العدوانية الاسرائيلية المخدومة والمدعومة من ترامب وطاقمه وسياساته، تبلغ الآن مداها، مستخفة بكل قرارات الشرعية الدولية، حيث يصمت العالم بشكل مريب إلّا من تصريحات استعدت اسرائيل لاحتوائها، كما تنقلب السياسات العربية الرسمية الى سياسات منتظرة او متفرجة، او رافضة لإعلان أي موقف صريح وعملي، وحتى لو صدرت تصريحات، فإن واقع الحال حيث تبرز نباتات التطبيع في العالم العربي فإنها تكذبها.
ما زالت الضغوط منصرفة إلى الأردن، والضغط على اقتصاده و اجتماعه و نظامه السياسي، و مازال الملك عبد الله الثاني يتعرض للمزيد من الضغوط التي يستهدف بعضها إبعاد الطبقة السياسية الأردنية او بطانة الحكم عن الملك، وتحويلها الى طبقة تأخذ بالخطاب الشعبوي، وتعيد تصديره للشارع، حيث تحول كثير من المواقع الى صيغ من صيغ المعارضة التي تعتقد أنها باسلوبها الشعبوي تنقذ البلاد، في حين أن هذا الأسلوب يصب في طاحونة التشكيك والنيل من مواقف النظام المتبقية وتحويلها الى مواقف ضعيفة بدل تصليبها.
هناك محاولات للحفر حول الشجرة الأردنية لإسقاطها بدل قطعها، وهذا الحفر تستعمل فيه أيدي وأدوات عديدة، بعضها محسوب على النظام نفسه، وبعضه عربي او اقليمي.. فهل ننتبه ونحن ننساق خلف الخطاب الشعبوي المجاني البعيد عن التصور العملي، الذي يجري الترويج له باشكال مختلفة تخدم الخطاب التوسعي الاسرائيلي؟.
صحيح أن اسرائيل تدعو وتقول وتمارس وتخطط وتضغط، فماذا نحن فاعلون؟..
ليس مهمة الطبقة السياسية اذا جاز هذا التعبير المبالغ فيه، ان تضخم حجم وصوت المخططات المعادية، وتنقلها إلى داخل الساحة، بل المطلوب الرّد بأساليب تحصين هذه الجبهة وحمايتها، ولذلك أساليب عديدة لا بد من إدراكها والتوقف عندها.
لا يجوز ان نحتطب بحسن نية او بغيرها في الحبال التي تحاول تقويض أمننا او سحبنا الى مغارة التسليم، وبدل من النفخ على الشمعة، علينا حمايتها مهما كانت معاناة عمل ذلك.
صحيح ان هناك انحرافات داخلية وفساد واحباط ومواقع متنفذة لا تحس الخطر، ولا تدفعه او قد لا تكون معنية، او وهي لا ترى ما يراه الشارع او المصلحة الوطنية، ولكن هذا لا يجوز ان يدفعنا الى رفع شعار “علي وعلى اعدائي”، او الدعوة لهدم المعبد، في محاولة للخلاص من الواقع او الدعوة الى تغييره.
قد لا يكون الملك راغبا في شرح كل التفاصيل او مفصحا عنها، لاعتبارات قد نعرفها او لا نعرفها، او قد تتوفر فيها معلومات او لا تتوفر.. وقد لا يكون الملك بصدد اثارة الموضوعات الخطيرة دون ضمان اسلوب علمي وعملي من التعبئة ذات المردود الايجابي، وقد تجد بعض الاطراف أمام الاطلاع على الحقائق فرصة لتعكير المياه او الصيد فيها او ادعاء الحكمة باثر رجعي.. لقد تأخرنا في مكاشفة شعبنا بالحقائق التي كان سردها حتى تكون نافعة بحاجة الى اصلاح سياسي، فضل البعض انكاره او نفيه، وهو ما زال على استعداد ان يحارب او يصادم او يعمد الى تصدير كل ازمة ان استطاع، على ان يذهب الى اصلاح سياسي حقيقي، و قد عاد احيانا الى رفع شعارات كالتي كانت تقول: “لا صوت فوق صوت المعركة”، وضرورة مواجهة التحديات لكن لم يقل لنا هؤلاء كيف نواجه هذه التحديات وما هي وسائلنا لذلك، وهل ما جربناه كان صحيحا ام انه كان شكل من اشكال ادارة الازمة او حتى ذر الرماد في العيون.
نقف الان امام حقائق مفجعة.. فها هي الخطط الاسرائيلية تعلم او وهي بصدد الكشف النهائي عنها، وهاهي اسرائيل اليمينية التي استأنس بها البعض او اعتقدت ان التطبع يغلب الطبع تكشف اوراقها، وتتعامل معنا كما التعامل مع الخروف الذي يُسمن ليذبح في العيد، دون ان ندرك و نحن ما زلنا نحاول معرفة جنس الملائكة في موضوع الربط بالغاز والماء والسكك وكأننا بذلك نذهب الى مغارة الضبع بأقدامنا، وان خصمنا لا يعرف مثل هذه اللغة التي في حين مازلنا “نرنطن” بها منذ توقيع اتفاقية السلام الاردنية -الاسرائيلية.
الى اين نحن ذاهبون و ماذا اعددنا لمواجهة الانقلاب اليميني الاسرائيلي على عمليه السلام، وهل نحن معنيين بذلك أم علينا أن نستمر في سماع تعويذات الفئة المستفيدة من الارتهان, والتي ما زالت ترى أنها يمكن أن تنجو من الطوفان وأن تعتصم بمصالحها دون أدراك كاف للمخاطر الوطنية….
إلى أي مدى يمكن للموقف الملكي أن يصمد ولا يرد الى المورد الصعب الذي يصعب تجاوزه.. وما هي مستلزمات ذلك , ومتى نبلغ ذلك؟ و ما هو ثمن ذلك؟ وهل هناك الإمكانية ليكون عندنا خيار بديل للموقف الأمريكي التصفوي للقضية الفلسطينية..
وهل في إعراب الجملة الأردنية إمكانية أن تكون ممنوعة من الصرف, او قابلة للاستثناء .
وللأسف ما زال هناك افتاء سياسي يتعاطاه البعض لا يرى في إسرائيل ونهجها اليميني خطورة ,وفي أحسن مستويات هذا الإفتاء يرى البعض انه يمكن تحييد العدوانية الإسرائيلية بالأساليب الماثلة والقائمة، دون اشراك شعبنا او تعبئة طاقاته أو وضعه في الصورة وتحذيره مما يجري…
ورغم كل الطحن القريب والإجراءات الامريكية المعلنة والتصريحات الواضحة التي تستهدفنا وطناً وشعباً وقيادة على وجه التحديد… هناك ايضا من يعتقد أن كل ذلك يمكن الرد عليه بتصريح يستنكر او يتهم…
وبعيدا عن الشعبوية لا بد ان نكشف الحقائق كاملة من خلال اشراك شعبنا, وليس مجرد اشهاده ,ونحن نعلم أنه بدون بهذا الأسلوب سيبقى طاقة مبددة لا تخدم أي نهج يمكن أن يقبل التحديات….
لا بد من الشد على يد الملك حتى لا ترتخي ولا بد من التأكيد على أن المواقف السياسية المعلنة بحاجة الى إسناد عملي وخطوات مترجمة على الأرض, ولا بد من ابلاغ إسرائيل بمواقف شعبنا من خلال خطوات عمليه لا نراها ماثلة لتعكس حجم التحدي الذي نواجهه.
لا يجوز أن نترك قيادتنا وحدها في المواجهة ,ولا يجوز ان تتركنا قيادتنا خارج المعادلة الفاعلة, حتى لا يجري الانفراد بها ويستمر الحفر حول الشجرة دون أن نقوى على إيقاف الأيدي التي تحفر ,والتي لا نستبين وجوهها ودورها وطبيعتها حين يكون بعضها محسوباً علينا, أو حتى يتحدث بإسمنا…
الحكومات لا تنقذنا إن لم ننهض نحن بدورنا ,ودورنا ما زلنا نأمل أن يصب في إطار موضوعي يخطط له, حتى لا نذهب إلى الفوضى و حتى لا نزيد الاحتقان الذي يمكن أن يفجره خصومنا…
إسرائيل بصراحة تراهن على احتقان جبهتنا الداخلية ,وعلى احترابنا وعلى تفجير طاقاتنا بأسلوب سلبي, لتجد مياه معكرة تصطاد فيها.
ومن هنا .. فإن على من يمتلكون الرؤية والوعي والبصيرة ويقدرون المصلحة الوطنية ,أن يديروا حواراً جادا بعيدا عن النفاق والتدليس والتسويغ, ليتقدموا خلف القيادة التي لا بد أن تواجه بضغط كاف دعا له الملك أكثر من مرة دون أن يحصل, ليكون هذا الضغط كافيا لإسنادها أولا للبقاء ولتصويب المسار العام، وعكس ارادة الأردنيين في حالة يقرأها الأخرون الذين يعتقدون أننا نستسلم، أو نوافق على القز عن حقوقنا و عن دورنا الحقيقي .
دورنا هو حماية الحقوق الفلسطينية لنحمي بذلك حقنا في البقاء ،لأن التفريط بتلك الحقوق سوف يجري تسديده من سلامتنا الوطنية وامننا واستقرارنا…
لا أوافق من يروجون هذه الأيام عن حسن نية أو سوء نية أن جبهتنا الداخلية ووحدتنا الوطنية مهتزة، فهؤلاء إنما يريدون إسقاط هذه الرغبة على واقعنا واظهارنا على غير ما نحن عليه، فوحدتنا الوطنية قوية ومصانة وشعبنا على مختلف أصوله ومنابته يدرك الخطر ومكانته ،ويدرك كيف يمكن الرد عليه وافشاله، وهو ليس بحاجة الى تحذيره من مخاطر انزلاق وحدته الوطنية لإبعاد الأنظار عن مخاطر العدوانية الإسرائيلية الكامنة ,فهذه اللعبة في تغيير الأهداف وإن كانت نجحت في الماضي، فإنها لن تنجح اليوم أمام وعي كل الأردنيين واعتقادهم بقضيتهم الوطنية, “القضية الفلسطينية” التي ضحى الأردنيون من أجلها وما زالوا….
الذين يخوفوننا من وضع وحدتنا الوطنية وأنها مترنحة إنما يريدون استهدافها باسم الحرص عليها… فهذه الوحدة تزداد متانتها بمواجهة مخططات الإحتلال والتصدي المخلص لتحدياته، لأن هذا التصدي والجمع على أساسه هو إسمنت الوحدة الوطنية وعليه يلتقي كل الأردنيين وخلاف ذلك تشتت وانقسام فهل ندرك ذلك؟..