من الواضح أن الرئيس ترامب لم يستسلم بشكل نهائي أمام فشل فريقه بفرض صفعة القرن على القيادة الفلسطينية خدمة للمشروع الصهيوني العنصري التوسعي أولا ودعما لنتنياهو عراب الإرهاب ثانياً.
هذا الفشل الذريع للرئيس ترامب وإدارته بتحقيق إنجازات تاريخية على صعيد السياسة الخارجية مما ستعد عاملا سلبيا إضافيا ومهما تواجه حملته الانتخابية بعد إدانته من الكونغرس مما دفعه ويدفعه إلى ممارسة مزيد من ادوات الضغط على القيادة الفلسطينية خاصة والدول الرافضة لمشروعه التصفوي للقضية الفلسطينية بهدف إحداث إختراق أو تقدم لتحقيق هدفين رئيسيين لتعزيز قوة حملته الانتخابية فيما تبقى من دورته الأولى :
أولا : دعم حملته الانتخابية لدورة رئاسية ثانية.
ثانياً : دعم حليفه الإستراتيجي نتنياهو في معركته الإنتخابية المزمع إجراؤها بعد أسابيع من الآن وآلتي قد تطيح بمستقبله بل بوجوده السياسي نهائيا في حال فشله الوصول إلى مقعد رئاسة الوزراء .
صفقة القرن مؤامرة أم فرصة :
ترامب وإدارته ترى بصفقة القرن فرصة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الممتد منذ عقود طويلة مما يستدعي “حسب زعمه” تقديم تنازلات من طرفي الصراع بعيدا عن القانون الدولي وعن القرارات الدولية.
وحتى يتبين لنا فيما كون ما تسمى صفقة القرن تمثل مؤامرة لتصفية القضية الفلسطينية أم فرصة للسلام لا بد أن نستعرض ما يتم تسريبه من مضامين واهداف نهائية للحكم لها أو عليها :
أولا : الإعتراف بسيادة دولة الإحتلال الإسرائيلي على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 باستثناء المدن والقرى المكتظة سكانيا وما قرارات ترامب وإدارته بدءاً بقرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس” كعاصمة للكيان الصهيوني” وصولاً إلى التلميح و التمهيد للاعتراف بضم أراض الغور وشمال البحر الميت وما بينهما إلا تعبير عن مضمون ما يسمى صفقة القرن .
ثانياً: إعتبار الضفة الغربية من نهر الأردن أراض إسرائيلية تم تحريرها من الإحتلال الأردني في حزيران من عام 1967 وفقا لتصريحات فريدمان السفير الأمريكي لدى دولة الإحتلال قبل أيام ” مما تعني رسالة تهديد للأردن ” .
ثالثاً : تصريحات عدد من مسؤولي إدارة ترامب وعلى لسان وزير الخارجية بومبيو بأن المستوطنات شرعية ولا تشكل مخالفة للقانون الدولي بل تعد عاملاً مساعداً لتحقيق” السلام” إلا نموذج ومضمون آخر لصفقة القرن .
ثالثاً : عدم الإعتراف بل عدم الإشارة من قريب أو بعيد بحق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير وحقه بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة .
رابعاً: إسقاط حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة المكفول بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 وما قطع المساعدات الأمريكية عن الأونروا ومحاولة إسقاط صفة لاجئ عن الملايين من الشعب الفلسطيني إلا دليل وتعبير آخر عن مضمون صفقة القرن .
بناءا على ما تقدم يبرز سؤال مفاده هل تم احترام ومراعاة المبادئ الأساسية التي يتضمنها ميثاق الأمم المتحدة والعهود والمواثيق الدولية في صفقة القرن ؟ التي تكفل :
أولا: عدم جواز إحتلال أراض دولة أخرى أو منها بقوة السلاح .
ثانياً : الإلتزام السريع بتنفيذ القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ( الجمعية العامة او مجلس الأمن ) دون استثناء .
ثالثاً : ضمان حق تقرير المصير لجميع الشعوب .
رابعاً : تصفية الاستعمار تنفيذا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة .
الجواب على السؤال بالتأكيد … لا ….
إذن طالما أن الحديث يدور عن صفقة فهذا يعني معادلة من طرفين متساويان أمام القانون الدولي وإلا فقدت معناها وهذا يقودنا إلى تساؤل هل عملت الإدارة الأمريكية على إحترام هذه القاعدة آلتي حال إعتمادها تضمن إمكانية نجاح خطة” صفقة القرن ” وتحويلها من صفعة إلى فرصة .
الفرصة تعني بالنسبة للشعب الفلسطيني :
أولا: إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وفق جدول زمني محدد المدة الزمنية .
ثانياً : الإعتراف الفوري بالدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس مع تعديل وصف عضويتها من المراقب الى العضوية العاملة بكامل الحقوق والواجبات .
ثالثاً : تنفيذ قرار الجمعية العامة رقم 181 الذي يكفل حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى مدنهم وقراهم .
رابعاً : فرض العقوبات السياسية والاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية على دولة الإحتلال الإسرائيلي في حال رفضها إنهاء احتلالها لاراضي الدولة الفلسطينية أو رفضها وتلكؤها بتنفيذ القرارات الدولية وخاصة قرار رقم 273 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة مهما كانت الذرائع .
إذن طالما أن ما يجري على الأرض من قبل قوات الإحتلال الإسرائيلي ( إرتكاب كافة اشكال الجرائم ومصادرة الأراضي والتوسع في بناء المستوطنات التي هي في الواقع ميليشيات لعصابات وتدمير المنازل واقتلاع الأشجار والاعتداء على المقدسات والاعتقالات وغيرها ) إضافة إلى تحديها وعدم اعترافها بقرارات المجتمع الدولي يحظى بدعم ومباركة وتأييد الرئيس ترامب وفريقه إنما يعكس رؤيته لما تتضمنه صفقة القرن المنحازة للإحتلال الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية لحساب الاستراتيجية الصهيونية.
أما الرسالة التي ينبغي لمستشاري ترامب وللقائمين على حملته الانتخابية “المخلصين منهم ” إيصالها بهدف تحقيق إنجاز تاريخي على صعيد السياسة الخارجية عجزت عنه إدارات لرؤساء سابقين نتيجة لتعنت القيادة الاسرائيلية المتطرفة بعدوانيتها وعنصريتها يكمن في الانتصار لميثاق الأمم المتحدة وللشرعة الدولية وللقرارات الدولية دون ازدواجية يتمثل بالضغط على إسرائيل وارغامها على إنهاء احتلالها لجميع الأراضي الفلسطينية المحتلة إثر عدوان حزيران 1967.
سيبقى الرئيس الأمريكي ترامب واهما وحالما اذا راهن على إمكانية إنتزاع موافقة الشعب الفلسطيني وقيادته برمزها السيد محمود عباس رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني على صفقة القرن التي حقا هي صفعة القرن ولا يمكن لأي منصف أن يطلق عليها مصطلح فرصة ولو من باب المجاملة.
نعم ثبت بالدليل أن مشروع نتنياهو ترامب لا يمكن أن يشكل او يصلح لان يكون فرصة لتحقيق السلام العادل بل ما هو إلا مشروع تآمري يسعى لتحقيقه بوسائل تتناقض كليا مع المعايير الدولية القانونية منها والحقوقية ويتنكر لحق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال وتقرير المصير.
المطلوب من جميع القادة من الدول العربية والإسلامية الصديقة ومن الامم المتحدة أن تتصدى عبر إجراءات عملية للمخطط النتنياهي الذي تتبناه إدارة ترامب بعنوان صفقة القرن الذي يهدد في حال فرضه بقوة الأمر الواقع الأمن والاستقرار الإقليمي وإن بدا للبعض غير ذلك.
الشعب الفلسطيني طليعة الشعب العربي لن يستسلم للمؤامرة ولن يتنازل عن أي حق من حقوقه الأساسية معربا بالوقت ذاته عن إستمراره بالنضال السلمي وبكافة الوسائل المكفولة بميثاق الأمم المتحدة حتى تحرير وطنه من رجس الإحتلال الصهيوني الإرهابي وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس إن شاء الله.
كما يتطلع الشعب الفلسطيني إلى القيادات العربية أن تدعم قرار القيادة الفلسطينية برفضها مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية التزاما بقرارات القمم العربية بشكل عام وقرارات مؤتمر القمة الثلاث البحر الميت والظهران وتونس بشكل خاص تلك المؤامرة التي تخلو من احترام او التزام اتجاه أي من حقوق الشعب الفلسطيني كما تهدف إلى بسط النفوذ الإستعماري على اقطار الوطن العربي الكبير خطوة خطوة. … والحاضر برهان على ذلك.
التاريخ لن يغفر لأي متواطئ أو متآمر على فلسطين شعبا وأرضا وقيادة وهوية ….
حرية فلسطين واستقلالها وقوتها …قوة لحرية واستقلال الوطن العربي الكبير ……!