السياسة الخارجية العُمانية.. ثوابت ومرتكزات أرسى دعائمها السلطان قابوس لإحلال السلام والوئام

عروبة الإخباري – منذ أن انطلقت مسيرة النهضة العمانية الحديثة بقيادة المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه- دخلت عمان مرحلة جديدة ومجيدة في تاريخها، تقوم على رؤية استراتيجية، شاملة ومتكاملة، لبناء حاضر زاهر ومستقبل واعد لعمان، شعبا ومجتمعا ودولة، في كل المجالات وعلى مختلف المستويات، سواء على الصعيد الداخلي، او على مستوى علاقاتها مع الدول والشعوب الشقيقة والصديقة في المنطقة وعلى امتداد العالم من حولها.

ولأن سلطنة عمان دولة ضاربة بجذورها في التاريخ، وطالما لعبت دورا حيويا، وحضاريا مؤثرا في حقب التاريخ المتتابعة، فإنّ الرؤية الثاقبة لجلالة القائد الراحل – رحمة الله عليه- تفاعلت فيها الخبرة الثرية للتاريخ العماني، وطبيعة الموقع الاستراتيجي للسلطنة، وآمال الحاضر المتمثلة في بناء دولة عصرية تنعم بالسلام والأمن والاستقرار وتحقيق حياة أفضل للشعب العماني والتطلع إلى أن يعم السلام والأمن والاستقرار منطقة الخليج، وعلى الصعيدين الاقليمي والدولي، لتنعم كل شعوب المنطقة ودولها بالاستقرار والسلام والرخاء.

ومن هذا المنطلق الرائد لجلالة الراحل قابوس بن سعيد أكد- رحمه الله- في احدى خطبه قائلا “قد أثبت النهج الذي اتبعناه في سياستنا الخارجية خلال العقود الماضية جدواه وسلامته بتوفيق من الله، ونحن ملتزمون بهذا النهج الذي يقوم على مناصرة الحق والعدل والسلام والأمن والتسامح والمحبة والدعوة إلى تعاون الدول من أجل توطيد الاستقرار وزيادة النماء والازدهار ومعالجة أسباب التوتر في العلاقات الدولية بحل المشكلات المتفاقمة حلا دائما وعادلا يعزز التعايش السلمي بين الأمم ويعود على البشرية جمعاء بالخير العميم”.

وبحكمة وبعد نظر وقدرة على قراءة الأحداث والتطورات الإقليمية والدولية وتقاطعات المصالح في هذه المنطقة الحيوية من العالم، وضع العاهل الراحل عليه رحمة الله منطلقات وأسس السياسة العمانية، داخليا وخارجيا وفي علاقات السلطنة مع الأشقاء والأصدقاء، على قاعدة صلبة هي العمل من أجل تحقيق السلام والأمن والاستقرار، ليس فقط على الصعيد الداخلي، ولكن أيضا على الصعيدين الإقليمي والدولي، انطلاقا من أنّ السلام والأمن والاستقرار هي ضرورات لا غنى عنها للبناء والتنمية وصنع حياة أفضل، وتكريس كل الجهود لتحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة مع الأشقاء والأصدقاء على كل المستويات.

وقد أكّد جلالته- طيب الله ثراه- منذ سنوات عديدة أنّ السلطنة “دولة سلام، تسعى إليه وتعمل من أجل تحقيقه ولا تتردد في بذل كل ما يمكنها من أجل هذه الغاية النبيلة، التي تتطلع اليها كافة شعوب المنطقة والعالم من حولها، وفي مقدمتها الشعب العماني، الذي مدّ جسور التجارة والمودة والصداقة مع كثير من شعوب المنطقة والعالم من حوله، شرقا وغربا منذ آلاف السنين”.

وفي الوقت الذي تمّ فيه بناء ركائز دولة عمانية فتية، تقوم على حشد كل طاقات الشعب العماني، وعلى المشاركة الواسعة لأبناء الوطن في صياغة وبناء التنمية الوطنية، والسير قدما لتحقيق الأهداف والأولويات الوطنية، وفق خطط وبرامج التنمية في مختلف المجالات من ناحية، والعمل على بناء القدرات العمانية للحفاظ على مكتسبات النهضة المباركة من ناحية ثانية، وهو الذى كان يتواصل فيه العمل برعاية مباشرة ومتواصلة من جانب جلالته عليه رحمة الله، فإنّ العمل الجاد والمخلص من أجل تحقيق السلام والأمن والاستقرار في الخليج والمنطقة العربية، بل وعلى مستوى العالم شكّل جوهر السياسة الخارجية العمانية والركيزة التي انطلقت منها مواقف السلطنة ورؤيتها وتعاملها مع مختلف التطورات الخليجية والعربية والإقليمية والدولية، ليس فقط لأن السلطنة ليس لها أعداء، وليست لديها خلافات ولا صراعات مع أي طرف آخر، ولكن أيضا لأنها تسعى إلى بناء صداقات وعلاقات طيبة تقوم على التعاون المثمر والمصالح المتبادلة مع مختلف الدول الشقيقة والصديقة وعلى امتداد العالم أجمع.

ومن أهم الكلمات التي أكّد عليها جلالته رحمه الله في هذا الجانب كلماته المشهورة “أريد أن انظر إلى خارطة العالم ولا أجد بلدا لا تربطه صداقة بعمان”. وفي هذا الإطار اتسمت سياسات السلطنة ومواقفها بالوضوح والصراحة والشفافية، في التعامل مع مختلف المواقف والتطورات، خليجية وعربية ودولية، سواء على المستوى الثنائي، أو المتعدد الأطراف، أو الجماعي.

وبينما انطلقت السياسة والمواقف العمانية من مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى واحترام سيادتها، ورفض التدخل على أي نحو في الشؤون الداخلية العمانية، والالتزام بمبادئ الحق والعدل والإنصاف في إطار الانتماء العربي والإسلامي، وحل المنازعات بالطرق السلمية، والعمل على الأخذ بسبل الحوار الإيجابي، والعمل على تعزيز المصالح المشتركة والمتبادلة مع الدول الشقيقة والصديقة، ودعم الجهود الطيبة التي تقوم بها المنظمات الإقليمية والدولية وخاصة مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الأخرى، العاملة من أجل السلام والتعاون بين الدول والشعوب، فإنّ السلطنة رفضت دوما مختلف صور الاستقطاب في المنطقة، إقليميا ودوليا، إدراكا منها لحقيقة أنّ ذلك لا يسهم في حل المشكلات والخلافات، وسعت بدلا من ذلك من أجل إتاحة الفرص، لتحقيق قدر أكبر من التفاهم والفهم والإدراك الصحيح للمواقف بين الأطراف المختلفة بشأن قضية أو أخرى، يقينا منها من أنّ الفهم الصحيح للمواقف من شأنه أن يسهم في تقصير المسافات، وفي بناء الجسور بين الأطراف المختلفة.

ولم تكن مواقف وممارسات السلطنة وتعاملها مع مختلف التطورات، خليجية وعربية وإقليمية ودولية على امتداد السنوات الماضية وحتى الآن سوى انعكاس للمنطلقات والأسس الثابتة للسياسة العمانية، وعلى قاعدة أنّ السلطنة دولة مستقلة ذات سيادة وتدير علاقاتها ومواقفها بما يحقق مصالحها الوطنية ودون الإضرار بمصالح الدول الأخرى، بعيداً عن أية ضغوط أو تأثيرات، خاصة وأنّ أحداث الماضي القريب والبعيد قد أكّدت سلامة مواقف السلطنة وبعد نظرها بل وأهميتها لدول المنطقة من حولها، وذلك في كثير من المواقف ولو بعد سنوات.

والمؤكد أن ما تتعرض له المنطقة، وما تمر به خليجيا وعربيا وإقليميا من اضطراب وتحديات يزيد من أهمية وضرورة العمل وبذل الجهد الجاد والمخلص من جانب السلطنة، لحل الخلافات والتقريب بين المواقف وتحقيق الفهم والإدراك الصحيح للمواقف بين الأطراف المعنية، وصولا إلى السير على طريق الحل السلمي للأوضاع التي تعانيها أكثر من دولة عربية شقيقة، والحمد لله تسجل السياسة العمانية الواضحة والصريحة الكثير من النجاحات في هذا المجال. بفضل حكمة وبعد نظر الراحل جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- وجعل الجنة مثواه.

وأكّد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم- حفظه الله ورعاه- السير على خطى القائد الراحل- رحمه الله- حيث قال جلالته إنّه وعلى الصعيد الخارجي “فإننا سوف نترسّم خطى السلطان الراحل مؤكدين على الثوابت التي اخطتها لسياسة بلادنا الخارجية القائمة على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير واحترام سيادة الدول وعلى التعاون الدولي في مختلف المجالات، كما سنبقى كما عهدنا العالم في عهد المغفور له بإذن الله تعالى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور داعين ومساهمين في حل الخلافات بالطرق السلمية وباذلين الجهد لإيجاد حلول مرضية لها بروح من الوفاق والتفاهم “. وأضاف جلالة عاهل البلاد المفدى هيثم بن طارق بن تيمور رعاه الله “سنواصل مع أشقائنا قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الإسهام في دفع مسيرة التعاون بين دولنا لتحقيق أماني شعوبنا ولدفع منجزات مجلس التعاون قدما إلى الأمام”.

وفي الشأن العربي أكد جلالته بالقول: “سوف نستمر في دعم جامعة الدول العربية وسنتعاون مع أشقائنا زعماء الدول العربية لتحقيق أهداف جامعة الدول العربية والرقي بحياة مواطنينا والنأي بهذه المنطقة عن الصراعات والخلافات والعمل على تحقيق تكامل اقتصادي يخدم تطلعات الشعوب العربية”.

كما أكد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم بأن عُمان ستواصل دورها كعضو فاعل في منظمة الأمم المتحدة تحترم ميثاقها وتعمل مع الدول الأعضاء على تحقيق السلم والأمن الدوليين ونشر الرخاء الاقتصادي في جميع دول العالم وسنبني علاقاتنا مع جميع دول العالم على تراث عظيم خلفه لنا السلطان الراحل عليه رحمة الله ومغفرته، أساسه الالتزام بعلاقات الصداقة والتعاون مع الجميع واحترام المواثيق والقوانين والاتفاقيات التي أمضيناها مع مختلف الدول والمنظمات.

Related posts

قمة الرياض: الأوقاف الأردنية صاحبة الاختصاص بإدارة المسجد الأقصى

قمة الرياض: لا سلام مع إسرائيل قبل انسحابها حتى خط الرابع من حزيران 1967

عباس يدعو إسرائيل للانسحاب من غزة لتتولى فلسطين مسؤولياتها السيادية