عامين بعد المئة والشعب الفلسطيني العظيم مستمر بالنضال ضد الاستعمار دفاعا عن وطنه التاريخي وحقه العيش بحرية والتحرر والاستقلال وإقامة الدولة العربية الفلسطينية .
يمكن لنا تقسيم النضال الفلسطيني إلى مرحلتين :
الأولى : بعد وعد بلفور ومرحلة الإستعمار البريطاني الممتدة ما بين عام 1917 و عام 1948 .
الثانية : الممتدة منذ إغتصاب فلسطين وإعلان دولة الكيان الصهيوني عام 1948 وحتى الآن.
ساقصر الحديث في هذا المقال عن المرحلة الثانية التي تحول فيها الصراع من ثورة ضد القوات الاستعمارية الغازية البريطانية والعصابات الاجرامية الصهيونية إلى ثورة ضد إستعمار إحلالي عنصري موظفا البعد الديني اليهودي لتحقيق أطماع وأهداف القوى الاستعمارية التي صنعت هذا الكيان العدواني على اساس ديني ليكون قاعدة واداة عسكرية متقدمة للهيمنة والسيطرة على الوطن العربي الكبير .
ولكن الشعب الفلسطيني طليعة الشعب العربي لم يستسلم كما أن يستسلم أمام المؤامرة الدولية ” الدول الكبرى ” المستمرة التي تستهدف وطنه ووجوده وهويته فانبرت كوكبة طلائعية من شباب فلسطين أخذت على عاتقها مسؤولية التصدي للمؤامرات مهما عظمت فبادرت إلى :
● التخطيط والعمل على تنظيم الشعب الفلسطيني ضمن إطار تنظيمي وفق رؤية استراتيجية كفاحية بعيدة المدى لتحرير فلسطين من نير الإستعمار الإحلالي الصهيوني .
● التصدي للإحتلال الصهيوني العنصري عبر النضال لتحرير فلسطين بكافة الوسائل المتاحة والمكفولة دوليا بالرغم من المعوقات والتحديات الإقليمية والدولية .
هذه الكوكبة الثورية بعمق إنتماءها وعشقها لوطنها وإيمانها بعدالة قضيتها مسلحة بإرادة وعزيمة وثقة راسخة بقدرتها على تجاوز كافة العقبات والمعوقات تمكنت بحمد الله بعد سبع سنوات من التأسيس والاعداد والبناء التنظيمي تم الإعلان عن إنطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني ” فتح ” في 1/1/1965 إيذانا بانطلاق الثورة الفلسطينية ثورة الشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة وخارجها .
فتح ثورة الشعب الفلسطيني :
سؤال قد يتبادر إلى الأذهان مفاده هل حركة فتح هي فعلا تمثل ثورة الشعب الفلسطيني ؟
الجواب بالتأكيد نعم للأسباب والعوامل التالية :
■ إيمانها الراسخ بعدالة قضيتها دفعها إلى الإبتعاد من مربع التنظير إلى مربع الفعل التي جسدته بتنفيذ العملية الأولى ” عملية عيلبون ” ليلة الأول من كانون الثاني عام 1965 تلك العملية التي فاجئت العدو الصهيوني كما فاجئت حلفاءه وداعميه.
■ تبنيها للكفاح المسلح في خضم مرحلة عربية رسمية اتسمت بالضعف والخلافات البينية وغياب العمل العربي الجمعي وخاصة الإعداد السياسي والعسكري لمواجهة الكيان الصهيوني الغاصب والدخيل على الجسد العربي.
■ الرفض لنتائج عدوان حزيران عام 1967 الذي أسفر عن إحتلال باقي الأرض الفلسطينية “الضفة الغربية من نهر الأردن وقطاع غزة ” عبر تكثيف عملياتها العسكرية ضد قوات الإحتلال الإسرائيلي ترجمة لاستراتيجتها بتحرير فلسطين.
■ إلحاق الهزيمة بقوات الإحتلال الإسرائيلي في معركة الكرامة البطولية التي سطرتها جنبا إلى جنب مع قوات الجيش الأردني بعد أشهر من هزيمة حزيران .
تلك المعركة التي أسفرت عن التحاق الآلاف من الشعب الفلسطيني في مختلف اماكن تواجده بحركة فتح كنتيجة طبيعية للانتصار العظيم في معركة الكرامة مما اكسبها ثقة وقوة جماهيرية نذرت نفسها من أجل فلسطين عبر تطوعها للمشاركة في معركة تحرير الوطن الفلسطيني المغتصب وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام 1948.
■ إيلاء الشعب الفلسطيني على إختلاف توجهاته ثقته بقيادة حركة فتح وزعيمها الشهيد ابو عمار مما أهلها لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ذلك التمثيل الذي عمدته أرواح الشهداء فداءا لفلسطين.
■ عدم التفريط بالثوابت الوطنية الفلسطينية المقرة بقرارات المجلس الوطني الفلسطيني بدوراته المختلفة بالرغم من إختلال موازين القوى لصالح الكيان الصهيوني .
■ الإيمان بالتعددية الفصائلية والسياسية ونبذ سياسة الاقصاء واعتماد لغة الحوار سبيلاً لحل الخلافات تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني .
■ الحرص على تشكيل جبهة وطنية عريضة لحشد الدعم العربي والإسلامي والدولي للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة عبر التنسيق مع كافة القيادات العربية والاسلامية والدولية على الاصعدة الرسمية والبرلمانية و الجماهيرية من أحزاب ومؤسسات مجتمع مدني وقوى اجتماعية وفكرية مع الحفاظ والتمسك باستقلالية القرار الفلسطيني.
■ قدرتها على توظيف التكتيك لصالح الاستراتيجية بإنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 كخطوة على طريق تنفيذ باقي القرارات الدولية ذات الصلة وخاصة قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة 181 و194.
فتح بعد 55 عاما على الإنطلاقة :
لقد واجهت فتح قيادة وكوادر العديد العديد من المؤامرات والتحديات الاقليمية والدولية الهادفة إلى :
• تقويض حلم الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال.
• مصادرة القرار الفلسطيني المستقل .
• فض الإلتحام بين مكونات الشعب الفلسطيني وقيادته.
• القضاء على شعلة الثورة خوفا من إمتدادها إلى مناطق أخرى ترضخ تحت نفوذ وهيمنة خارجية.
إلا أن جميع هذه المؤامرات لم يكتب لها النجاح بحكم الدعم
والإلتفاف الجماهيري للشعب الفلسطيني المؤمن بعدالة قضيته الذي منح ثقته المطلقة بحركة الشعب الفلسطيني حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح ” .
تحديات على أبواب العام السادس والخمسين للانطلاقة :
تمر القضية الفلسطينية وبحكم طبيعة الصراع مع الإستعمار الصهيوني العنصري الإحلالي المدعوم من الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس الحالي ترامب بمرحلة من أخطر المراحل التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية عبر محاولة فرض صفعة القرن وادماج الكيان الصهيوني بالجسد العربي بهدف ترسيخ وادامة الاحتلال الإسرائيلي الإرهابي للأراضي الفلسطينية ومصادرة وإنكار حقه الأساس بتقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس .
حركة فتح العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية التي حظيت ولم تزل تحظى بثقة الغالبية العظمى للشعب الفلسطيني لا زالت بالرغم من ممارسة كافة اشكال الضغوط السياسية والاقتصادية والمالية والمرشحة لمزيد من التصعيد تشكل الرقم الصعب بل السد المنيع أمام إمكانية إحداث إختراق ” من الكيان الصهيوني ومن داعميه المناوئين للقانون الدولي” مؤد إلى :
— تسهيل تنفيذ صفقة القرن بغطاء فلسطيني سواء عبر محاولة تسويق شخصيات تقبل بالانقلاب على ثوابت الشعب الفلسطيني
— عبر ترسيخ الإنقسام الذي لم يخدم سوى الكيان الصهيوني العدواني .
— تحويل الصراع من بعده الوطني التحرري إلى بعد إنساني ذلك الخيار الذي اسقطته المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة فتح.
— التنازل عن تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الخاص بتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام 1948.
إصرار قيادة فتح و ورموزها الشهيد ابو عمار و القائد السيد ابو مازن رئيس دولة فلسطين رئيس حركة فتح على رفض تقديم أي تنازل من الحقوق الاساس للشعب الفلسطيني وثوابته الوطنية المكفولة دوليا ساهم مساهمة كبرى في إجهاض المخطط الصهيوني بانتزاع شرعية فلسطينية تمهيدا لانتزاع اعتراف عربي بنتائج سياسة الأمر الواقع الناجمة عن إستخدام القوة الغاشمة وارتكاب الجرائم التي تصنف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية كما ادت الى عزل سياسة الثنائي نتنياهو ترامب على الصعيد الدولي وقد تجلى ذلك بالدعم الكبير للشعب الفلسطيني وحقوقه الذي جسدته قرارات الجمعية العمومية للأمم المتحدة بمواصلة الدعم لحقوق الشعب الفلسطيني و الرفض لقرارات ترامب المنحازة لدولة العدوان ولسياسة مجرم الحرب نتنياهو وعصابته.
فتح في ذكرى انطلاقتها وعلى لسان قادتها تجدد العهد على المضي قدما نحو تطوير أدوات نضالها السلمي ضد الإحتلال الإسرائيلي مسلحة بالحق التاريخي والأساس وبالقانون الدولي حتى إنهاء الإحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .
فتح أثبتت أنها حركة عظيمة تستمد عظمتها من عظمة الشعب الفلسطيني الذي لم تهن عزيمته ولم تضعف إرادته ولن يستسلم مؤكدا على الإستمرار حتى النصر والتحرير بإذن الله. …؟ !