عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب-
سألته عن الموقف الفلسطيني من نظام عربي بعينه فقال.. وقد حشر نفساً عميقاً: تعلم الفلسطينيون درسا لا ينسوه.. يكفي.. أنّ رأينا يحمّل أحيانا فوق ما نقصد.. لقد دفعنا وما زلنا ثمن القرار الفلسطيني المستقل، وقبلنا اشياء لم نكن نقبلها، ليبقى قرارنا فلسطينياً، في حين زايد البعض علينا باسم القضية المركزية وبُعدها القومي الذي فهمه البعض خطأ، حين ترجموا ان القضية الفلسطينية وكأنها تعني اشياء أخرى غير الشعب الفلسطيني..
فالحديث عن القضية عند هؤلاء، لا يعني الحديث عن الشعب الفلسطيني و كأنها شيء مجرد، وهذا ما ظلت الصهيونية تقصده وتعنيه.
نعم تعلمنا ان نكون على نفس المسافة من جميع الاشقاء ما استطعنا، وتعلمنا الحياد الايجابي حين يتشابك الاخوة، لقد كان الدرس العراقي في الماضي والتدخل في الكويت وغير ذلك ماثلا،كما تعلمنا اشياء كثيرة من وجودنا المسلح على الارض العربية قبل الانتقال الى الوطن، ومن تجربتنا في الأردن..
ولذا حين أسال الرئيس عن زيارته قبل أيام الى قطر، يبتسم وهو يشرح الموقف ويقول: ساعدنا القطريون ولم نخلط بين موقفهم من حماس ودعمها وبين التزامهم المقدر تجاهنا، ونحن ايضا نرى غيرهم كيف يتدخل في شؤوننا وتكون وسيلتنا معه الحوار والسعي ليفهم صواب موقفنا..
الان نحن نقبل القسمة على الجميع العربي.. ونرغب ان يكون كل النظام العربي بلا استثناء الى جانبنا، وان تكون علاقاتنا جيدة مع كل الاطراف، ومقياسنا في ذلك مناصرة قضيتنا وتأييدها، والوقوف الى جانبها أمام الهجمة الاسرائيلية اليمينية الامريكية المتمثلة في هذه الادارة، و ما تبشر به و تسعى إليه من تهديد لآمالنا الوطنية من خلال صفقة القرن.
الرئيس عباس دائما يتكلم عن كل الاطراف العربية بتقدير ومسؤولية، وهو يقدر الكثير منها حتى وهي تقع في سوء الفهم او التقصير، ويرى أنها في امتحان أحيانا لما أصابها من موجات التغيير وتأثيرات الربيع العربي، الذي يشكك الرئيس عباس في دوافعه ويخشى من نتائجه على الأمن والاستقرار، والدور العربي في القضايا العالمية.
ويركز الرئيس عباس على استمرار الامساك الحميم بعلاقات مع النظامين الاردني، حيث يشكل الاردن رئة لفلسطين، و حيث يسجل للملك عبد الله الثاني موقفه الباسل من التحديات الجديدة الناتجة عن الضغوط الاسرائيلية الامريكية، والمعبّر عنها في صفقة القرن، وخاصة الخشية الاردنية من ان تمضي حكومة نتنياهو اليمينية في خططها التوسعية المتعلقة بغور الاردن وشمال البحر الميت، وبالنزعة التوسعية والهيمنة التي تستهدف نزع الدور الاردني في المقدسات الاسلامية في القدس..
أما النظام العربي الآخر فهو مصر، التي يرى ان العلاقة معها ايضا خط أحمر، ولا بد من المحافظة على علاقات حميمية مع مصر مهما تبدلت ظروفها، فقد بقيت مصر دائما تعني الكثير لفلسطين وقضيتها وشعبها، عبر كل رؤساء مصر من عبد الناصر الى السادات ومبارك وحتى الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي التقاه الرئيس عباس اخيرا في شرم الشيخ، ليرى في مصر دورا متجددا يمسك بالثوابت الفلسطينية التي ابرزها حلّ الدولتين والقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة.
في شرم الشيخ كان الرئيس عباس مطمئنا إلى تفهم مصر لما يقوم به من جهد في سبيل اجراء الانتخابات الفلسطينية، وبالتالي ردم الانقسام الفلسطيني وإعادة بناء الصف الفلسطيني، و تحويل التحدي القائم الى فرصة لتمكين الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه الوطنية المشروعة، بدعم دولي حرص الرئيس عباس علي توسعته وتعميقه،حين ظل يسعى منذ سنوات على إشراك واسع للمجتمع الدولي، حتى يعبر عن اسناده للقضية الفلسطينية، باعتبارها قضية عادلة لشعب احتلت ارضه، وباعتبارها قضية انسانية لا يجوز لأحد ان يتجاوزها حين تحاول الولايات المتحدة الغاء الدور الانساني لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.
الرئيس عباس كان مرتاحاً لتجديد مواقف مصر وتأكيدها واستعدادها ان تلعب دورها في مجال تأكيد مواقفها، والدفع بها للأمام وظل دائما يُقيّم الدور المصري ايجابيا وظل يرى ضرورة انجاحه، رغم ما اصاب هذا الدور من تعثر في غزة بسبب سياسات حماس، وظل يدعو اصحاب القرار في مصر ان يعلنوا دائما عن نتائج زياراتهم ووساطاتهم، وما توصلوا إليه من نتائج لزيارات الوفود المصرية ومهماتها للكشف عن معطلي المصالحة..
لقد أعطى الرئيس عباس في الفترة الاخيرة ومن خلال زياراته المتواصلة، او زيارة وفود أرسلها الى أكثر من بلد عربي زخما إضافيا في تحصين الموقف العربي بالقضية الفلسطينية، لمحاصرة بعض الأصوات المتوهمة بتطبيع مسبق وأضافي مع إسرائيل، اذ لم تلبث هذه اللوثة أن تراجعت بعد ما أدركت بعض الأطراف العربية مماطلة الموقف الإسرائيلي، واستمرار تدميره لكل فرص السلام، واغتنامه لتأييد الإدارة الأمريكية الأعمى والمتماهي في الموقف الإسرائيلي، حين أدار الظهر لكل قرارات الشرعية الدولية و انقلب على محصلة هذه القرارات والجهد الدولي المبذول فيها منذ سبعين سنة…
الخطوط الفلسطينية التي يمدها الرئيس عباس باتجاه النظام العربي سالكة، فقد كان الرئيس في قطر ليعيد بناء الموقف الفلسطيني لدى الاشقاء القطريين، الذين لم يبخلوا مساعدته وامداده بالمال، وتأكيد موقفهم القومي منه، وقد استثمر الرئيس في علاقاته التاريخية مع قطر والتي يحترم المسؤولون القطريون فيها شخصه بشدة .
كما الحال مع الكويت وحتى مع سوريا التي رأت في موقفه دائما موقفا جامعا لا مفرقا، وحريصا على وحدة الأرض والموقف السوري، وقدرة الرئيس على طي الصفحات وفتح الجديد النافع منها …
أما موقف المملكة العربية السعودية فما زال ثابتا ومؤيدا كما يقول الرئيس عباس وهو يقدر هذا الموقف ويدعو لاستمراره.
كنت متأكدا والرئيس يشرح رفضه المطلق الخوض في اي وحل عربي داخلي، او الانحياز لطرف من الأطراف المتصارعة، فهذا شأن داخلي في بلدانها، ولكن الرئيس عباس لم يبخل بأي جهد فلسطيني يساعد على تخفيف الازمات، وتقريب وجهات النظر ما استطاع ذلك، فقد كانت بعض الوساطات الفلسطينية قد نجحت، وبعضها برسم ان تقوم اذا ما طلبت، لقد سعت قيادة السلطة الفلسطينية وبشكل ملموس في تحسين العلاقات القطرية الأردنية لما للأردن من مواقف هامة وقومية وثابتة لا يمكن تجاوزها والتقليل منها …
ومع تبدلات المواقف والمواقع في كثير من البلدان العربية، ونتاج تبدلات الوضع العربي في هذه البلدان إلا أن الموقف الفلسطيني ظل ينتمي بشكل أوسع إلى شعوب الأمة ويتعامل مع قياداتها، ولذا ما زال التونسيين يقدرون الموقف الفلسطيني ويدافعون عنه و يرون فيه الموقف الجدير بالدعم والاسناد ،والمعبر عن أماني وآمال الشعب الفلسطيني وان ما دونه خروج عن إرادة الفلسطينيين وامانيهم…
الرئيس عباس الذي استلهم المصلحة الفلسطينية بنى وما زال يبني علاقات فلسطينية عربية متوازنة، ويعمد إلى تفعيلها، وما زال يحث كل الأطراف العربية على إختلاف مواقفها لدعم قضية الشعب الفلسطيني الذي يريدها قضيته الأولى أمام التعنت الإسرائيلي الذي صادر عملية السلام .
يعمل الرئيس عباس بقوة لصد هذه الموجة العدوانية الجديدة عبر المحافل الدولية، ويترجم رغبته وإرادته واعتقاده بضرورة أن ينهض المجتمع الدولي وفيه العرب للدفاع عن عملية السلام المصادرة، واطلاق سراحها وكسر الحصار عنها و إعادة تفعيلها، وهو من أجل ذلك سافر الى مسقط والتقى السلطان، وسمع منه وقدر عاليا دور المبادرة العُمانية التي ما زال يضعها الوزير يوسف بن علوي برسم التنفيذ ومواصلة الانطلاق.. كما ان الحراك الدبلوماسي والسياسي الفلسطيني الذي يقوم به الرئيس عباس عبر الدول الأوروبية… وخاصة اسبانيا وفرنسا ، يسجل له انه مازال يتمسك بحل الدولتين كخيار عالمي، ومازال الموقف الأوروبي يقف معه في هذه القضية حتى البريطاني الذي ظل متعنتا ويقف موقفا متعصبا لصالح إسرائيل.
الموقف الفلسطيني الصامد والصلب الذي رد على الإدارة الأمريكية المنحازة التي اغلقت مكتب منظمة التحرير وفوضت دون ان تملك إسرائيل بالقدس وشرعت لها ما حرمه المجتمع الدولي في موضوع الاستيطان و قامت بضرب تمويل وكالة الغوث و تخلت عنها…
هذا الموقف الارعن للادارة الأمريكية والذي ردت عليه أطراف أمريكية في الحزب الديمقراطي، ومن نوابه بمواقف واضحة أيدت الموقف الفلسطيني من حل الدولتين وهو موقف ما كان يمكن أخذه لدى النواب الأمريكيين لو لم يساعدهم الرئيس محمود عباس في وضوح مواقفه وحرصه على عدم هزيمة السلام أو التخلي عن الدعوة إليه..
بعد لقاء شرم الشيخ مع الرئيس السيسي، وبعد إستمرار التنسيق الفاعل مع الجانب الأردني وجلالة الملك عبد الله الثاني تحديدا والرسائل التي حملها سمو الأمير علي بن الحسين إلى القيادة الفلسطينية، فإنني أعتقد ان اندفاعه جديدة لموقف عربي متجدد ستبدأ الآن في الرد على المواقف الإسرائيلية المتعنتة، ولعل الانفتاح الفلسطيني على العراق وزيارة رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور محمد اشتية الى بغداد، وكذلك اللقاء العراقي الأردني المصري كلها يمكن أن تصب في إطار صناعة موقع عربي طال انتظاره، يمكن أن يصطف مع الموقف المصري لإعادة بناء موقف يدعم التوجه الفلسطيني أمام عقم فرص الانفراج.
ما زال الرئيس عباس متفائلا نتاج سقوط موقف إدارة ترامب أمام صمود القيادة الفلسطينية وأيضا أمام استغلاق طريق نتنياهو المليئة بالفساد، إذ يؤمن الرئيس عباس ان النصر صبر ايضا، مع اصرار واستمرار البناء..