عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
لم يكن يدرك من حاصروا قطر “أخوة يوسف” إنما يعجمون عود “قطري بن الفجاءة” الذي فضل الكرامة والعزة والموت على الحياة الذليلة، فقد كان ذلك الرجل من تميم وكان معتدلاً عقائدياً، قدم حياته لإهله وعقيدته على ثري قطر المعروفة اليوم..
يستلهم الشيخ “تميم” وهو يصمد الآن في حصار طال، ظنّه خصومه أنه غير قادر على البقاء فيه سوى بضعة أيام، وأنه سيخرج منه وشعبه أقوى، وكما يقال بالعامية عندنا “الطلقة التي لا تُميتك تُحييك” عندما يسجل على خصمك الشروع في القتل.
قدمت قطر بقيادة أميرها الشاب تميم نموذجاً عالمياً على القدرة على استثمار الثروة وعدم تبديدها، وعلى حمايتها من الفساد ومعالجتها بالشفافية، فكانت قطر على صغر مساحتها التي ضاقت بروحها الوثابة تتمثل قول الشاعر:
وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الاجساد
كانت قادرة ان تترجم ارادتها وان تحول الحصار من تحد إلى فرصة، ومن شر وعدوان الي درس يستلهم فيه القطريون شخصيتهم وهويتهم ودورهم..
غيرة “اخوان يوسف” أدت الى أن يزجوا فيه في البئر، ولكنه أصبح ملكا في مصر،وأمين خزائنها ومنقذ أولئك الذين اخطأوا في حقه!!
قطر لم تتراجع عن التزاماتها العربية والاسلامية والانسانية رغم الحصار، وبقيت على وفاء بذلك، وحتى وهي تدعم من خرجوا على القيادة الفلسطينية فإنها واصلت دعم الرئيس عباس واستقبلته، و رحبت به وقدمت للسلطة الفلسطينية أخيرا أكثر من ثلاثمائة مليون دولار.. كما ان الموقف القطري من الأردن جاء موضوعيا وواضحا وعميقا.. فقدت ترفعت قطر عن ردود الفعل وابتعدت عن نزعة البداوة في الانتقام، وفصلت ما بين المواقف، وأبقت على دعمها للمملكة الأردنية الهاشمية، حين أعلنت عن دعم مالي بأكثر من نصف مليار دولار، ودعم للمشاريع ودعم بتوظيف الاردنيين وإعطائهم فرصاً مميزة بالألاف، فكانت سنداً وكان موقفها أخويا رغم انفضاض الكثيرين من حولها، والمتاثرين بلوثة الحصار وضغوط من فرضوه.
حتى مع مصر ابقت قطر استثمارات نفطية كبيرة في شركات مصرية مشتركة، ومع الامارات بقيت تجارة ملموسة، ولم تقطع قطر خطوطها الاقتصادية وعزلت ذلك عن المواقف السياسية، وراحت تتكيف مع الوضع الجديد، واستطاعت رغم قسوة الحصار الذي اصاب حتى قطعان الجمال على حدودها بقسوة الحصار فكان قول الشاعر:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند
لقد تعلمت قطر دروسا واحتاطت وها هي تخرج الآن في عيدها الوطني اليوم أشد صلابة واقوى عودا و أكثر اتزانا، فلا تهرول باتجاه المصالحة وإنما تسير بخطوات مدروسة ، فلا تقدم فواتير باهظة، لأنها ادركت خلال الساعات الاولى والقاسية من الحصار حين خلت ارفف الاسواق من البضائع قبل ان تستأنف حياة جديدة طبيعية ان “الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها” وان الحصار الذي عجم عودها وجده قاسياً لا يكسر.. وأنها كما قال الحجاج: “لا يُقَعْقَعُ لها بالشِّنان”، و”لا يُغمَزُ جانبها كَتَغْمَازِ التِّين”، وان ايمانها بنفسها والتفاف القطريين حول قيادتهم الشابة المجددة والحريصة انجاهم، ولم تستطع روح الحصار ومؤامرات الانقسام ان تشق صفوفهم، او ان تدخل “حصان طروادة” الى قلعتهم.
الاقتصاد القطري الآن معافى ودورته الاقتصادية سالكة، والموازنة مستقرة، في حين نزفت دول الحصار وتشقق جلدها في معارك جانبية أكلت الاخضر واليابس..
الروح القطرية ميالة الى التسامح .. فقد عشقت البحر وتعلمت منه ولذا فهي لا تمعن في العداوة ولا تسلك طرائقها..
نحن هنا في الأردن.. رغم كل ما أصاب زجاجنا من غبار وتعتيم ، أسقطته عليه أطراف عديدة حتى لا نرى المشهد القطري الناجح ما لبثنا أن أدركنا أن البذرة القطرية صلبة وباقية ومثمرة، وأن قطر مدت يدها لنا ولغيرنا من العرب ولم تنكر علينا شيئا من مواقفها، كما حافظت قطر على تحالفاتها الدولية مع الولايات المتحدة وأوروبا وأطراف عديدة دون أن تدفع مئات المليارات لشراء ذلك….
كما أنها عززت علاقاتها مع دول فاعلة إسلامية في آسيا ومع تركيا تحديدا وإيران، وقد أكسبها ذلك مزيداً من الصمود، وقبول التحديات ومضت إلى الفوز باحتواء بطولات العالم القادمة في مجال الرياضة، كما بقيت على دورها فى جودة البحث والتعليم والجامعات والطبابة والمؤتمرات، وأعطت فائض قدرتها للمصالحات والتوسط، وزرع فتيل الخلافات وتقريب وجهات النظر بين الأصدقاء والأشقاء بإزالة خلافاتهم حتى لو كان ذلك على حساب كلف مالية، كما قرأت قطر من خلال وعي قيادتها الخارطة الدولية.. خارطة المصالح والتشابكات واختزنت رؤية جامعة، ظلت تضعها بعيدة عن محاولات الصاق التهم الخبيثة بسياساتها و هي التهم التي تورط فيها خصومها بتدخلاتهم في شؤون الغير….
قطر تذهب باتجاه اليوبيل الذهبي لاستقلالها بعد عامين.. وهي أشد عزيمة وأقوى وأقدر على مواصلة الركض باتجاه أهدافها في ماراثون التنمية البشرية والإقتصادية ، الذي تواصله قوية بكامل طاقتها وثرواتها في حين تراجع الأخرون ووهنوا حين اخذتهم العزة بالإثم… وتعاملوا مع القضايا الدولية والإقليمية بغطرسة ومراهقة…
قطر اليوم وقد بدأ الحصار يتهتك لارتخاء قبضة الظلم عنها، سيكشف العالم لاحقا كم استفادت في إعداد نفسها حتى في أشد اللحظات قسوة…
في اليوم الوطني لقطر الرقم الصعب في الخليج.. نهنئ الشعب القطري وقيادته وعلى رأسها الشيخ تميم أمير البلاد، ونأمل لسعادة السفير الشيخ سعود بن ناصر بن جاسم آل ثاني الذي أحسن الأمير اختياره ليكون في البلاط الملكي هنا التوفيق في مهمته الجليلة…