ذكرت المصادر الإعلامية أن النية تتجه إلى إنشاء “صندوق استثماري” كبير بين الضمان الاجتماعي وعدد من البنوك، وقد تشارك فيه الحكومة، للاستثمار في مشاريع البنية التحتية بالدرجة الأولى وربما في غيرها من المشاريع.
ولا شك أن مثل هذه التجمعات الاستثمارية الوطنية مهمة وضرورية وتشكل ركناً أساسياً في سياسة الاعتماد على الذات، خاصة وأن عصر المنح والمساعدات قد شارف على الانتهاء. ولكن الجدوى الاقتصادية الاجتماعية الوطنية لا تتحقق إلا إذا اتجهت هذه الصناديق باتجاه سد الثغرات الاستثمارية في البلاد وتشجيع المستثمرين والمدخرين من أفراد ومؤسسات ليأخذوا طريقاً مشابهاً.
وإذا استعرضنا شريط الاستثمار خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية، نلاحظ ما يلي:
أولاً: أنه لم تكن هناك استراتيجية للدولة ولا برامج محددة في مجال الاستثمار باستثناء الحديث الإعلامي والكلام والإشارة بدون أي عمل فعلي يذكر.
ثانياً: إن الاستثمارات في المشاريع الإنتاجية الجديدة سواء كانت صناعية أو زراعية أو سياحية كانت خلال هذه الفترة ضئيلة للغاية أو تغيير المالكين ولم تترك أثراً يذكر في بنية الاقتصاد الوطني.
ثالثاً: اتجه الاستثمار بشكل رئيسي نحو المباني والعقارات للأفراد ونحو البنية التحتية للحكومة أو المؤسسات المالية، وهذا من شأنه أن لا يضيف إلى الاقتصاد الوطني الشيء الكثير.
رابعاً: إن المستثمر الوطني، وخاصة في المشاريع المتوسطة والكبيرة، لم يلق أي عناية تذكر سواء من حيث معالجة البيروقراطية المتجذرة والمتجددة في الدوائر الحكومية والطاردة لكل فرصة، أو تخفيض كلفة الاستثمار أو تسهيل عملية إنشاء المشاريع أو المساعدة على حل المشكلة التي يواجهها الكثير من المستثمرين.
خامساً: عدم استقرار التشريعات وكثرة التغيير، بحيث أصبح المستثمر غير قادر على رسم مخططات الإنتاج والعائدات. حتى التعديل الأخير الذي ألزم الحكومة بعشرة أعوام لا يعد كافياً. وكان من المفروض أن تكون المدة (25) عاماً حتى يضمن المشروع تحقيق العائدات المطلوبة.
سادساً: غياب الشراكة الفعلية المنظمة والمتخصصة والدائمة مع القطاع الخاص.
والسؤال هو: ما الذي يمكن أن يضيفه الصندوق الجديد؟ هل سيكون مجرد استثمار في مشاريع بنية تحتية حسب ربحيتها وجدواها؟ أم سيكون صندوق “استثمار دولة” يعمل لأن يكون رافعة للنشاط الاقتصادي وإضافة إلى الاقتصاد؟ أم سيكون شكلياً على غرار “صندوق تنمية المحافظات”؟ أم سيتشتت في استثمارات هنا وهناك على غرار المنحة الخليجية؟
كل هذا يتطلب رؤية وطنية مستقبلية وحصيفة في الإطار الآتي:
أولاً: أن تقوم هيئة الاستثمار بالتعاون مع مؤسسات القطاع الخاص والخبراء بإعداد البيانات الخاصة بالمشاريع الإنتاجية الجديدة التي يمكن المباشرة فيها وفي المحافظات بالدرجة الأولى.
ثانياً: أن يضع فريق من الشركات الكبرى والخبراء مجموعة من المشاريع ذات العلاقة بالقطاعات الصناعية والزراعية والخدمية الوطنية القائمة، وذلك بهدف زيادة نسبة التصنيع والقيمة المضافة في القطاعات الفرعية.
ثالثاً: أن يتم التركيز على المجالات التي ستكون قاطرة فاعلة لنهوض استثماري واسع، يشمل ذلك الصناعات القبلية والبعدية؛ أي مدخلات ومستلزمات الإنتاج في الزراعة والسياحة والصناعات الدوائية والفوسفات والبوتاس والطاقة والكيماويات والدوائيات والصناعات اليدوية والنقل والملابس ومستلزمات الأطفال.
رابعاً: أن تعمل هيئة الاستثمار ودائرة الجمارك ووزارة الصناعة على ترتيب المنتجات المستوردة بشكل تصاعدي حتى يمكن البدء بإنتاج السلع التي تحل محل المستوردات الأقل تعقيداً. وبالتالي تدخل في إطار استثمارات الصندوق وغيره.
خامساً: أن يعمل الصندوق على إنشاء (4) شركات قابضة تعمل بالدرجة الأولى في المحافظات لجذب الاستثمارات لدى صغار المدخرين إلى مشاريع إنتاجية تقوم على الميزات النسبية للمحافظات.
سادساً: أن يعمل الصندوق، وبدعم قوي من الحكومة، على تشجيع جمعيات تعاونية للاستثمار في المحافظات والألوية تكون جزءا من الشراكة بين القطاعات الرسمية والخاصة والأهلية.
سابعاً: أن يعلن الصندوق عن “مدوّنة سلوك” خاصة به وبالشركات والمشاريع المنبثقة عنه تقوم على الشفافية وعدم استغلال أموال الصندوق في الرواتب والمكافآت غير المعقولة، وذلك حتى تكتسب أعمال الصندوق وشركاته ثقة المواطن وحتى يصبح العمل والتوظيف ميداناً للإنجاز والإنتاج لا للتكسب والاستنفاع على حساب الوطن والمواطن.
وفي النهاية، فإن التوجه نحو إنشاء هذا الصندوق أمر جيد يستحق التشجيع والقرار الناجز حتى يساعد على خروج الاقتصاد الوطني من حالة النمو البطيء. وهذا يتطلب من الإدارة المالية للدولة أن تدرك بمسؤولية أن الجمارك والرسوم التي تجنيها الخزينة من المستوردات لا تصنع اقتصاداً وطنياً، وأنه لا بد من حل متناقضة الاستيراد والإنتاج من خلال تعظيم الإنتاج والتصدير وتصغير الاستيراد.