عروبة الإخباري- كتب سلطان الحطاب
زيارة الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية العُماني يوسف بن علوي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، واللقاء مع مسؤولين أمريكيين كبار وعلى رأسهم وزير الخارجية بومبيو، كيف يمكن قراءتها؟ وما هي دلالة هذه الزيارة في سياق الزيارات المتصلة التي يقوم بها بن علوي إلى واشنطن.
ومعرفة الرجل العميقة في السياسة الامريكية وخاصة المتعلقة منها بالشرق الاوسط وتحديدا منطقة الخليج، عن ماذا يبحث زعيم الدبلوماسية العُمانية الذي استلهم مدرسة السلطان ونهجه، حيث كرّست السلطنة سياستها الخارجية في الاستثمار في استقرار المنطقة، ونزع فتيل التوترات فيها والبناء المتراكم على جهود متصلة.
يعود بن علوي الى واشنطن في مهمة اخرى، غير تلك التي دفعته لزيارته السابقة، حين وصلت العلاقات الامريكية الايرانية شفير الهاوية، وعكست نفسها على الجغرافيا الاستراتيجية العُمانية ومجالها الحيوي في مضيق هرمز.
حين يشتد إوار الازمات يبرز الدور العماني ويتقدم بشجاعة، في حين تختفي ادوار كثيرة وتتردد والجرأة العمانية التي لا ترغب ان تعلن عن نفسها تنهض من خلال الثقة بها .
هذه المرة يمسك الوزير العُماني بن علوي بما كان استمع اليه وأدركه و توصل اليه حين حطت الرغبة السعودية على ابواب مسقط، وقصدت الدور العُماني المعروف والمجرب، بقدرته على التهدئة والتوسط ونزع فتيل الازمات.
كان الامير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع السعودي قد وصل الى مسقط قبل زيارة الوزير بن علوي بزيارته الى واشنطن بعدة ايام ، حيث كانت النوايا والرغبة السعودية واضحة في الخروج من المأزق اليمني الذي استعصى ، وقد بدأت تظهر أعراضه على خلاف ما كانت تتوقع المملكة العربية السعودية من نتائج على دورها واقتصادها ورؤية العالم لها.
بدأ واضحا ان السعوديين يرغبون ان يخرجوا من الحرب الدائرة في اليمن بكلفة اقل، وبما يحفظ ماء الوجه، ويحفظ لهم الدور والسمعة والمبادرة .
ولما كانت عُمان منذ بدء الازمة اليمنية قد وضعت امكانياتها السياسية والدبلوماسية لإنقاذ اليمن، وخدمة الاطراف المتشابكة ، وابدال الصراع بالحوار، فقد رأت السعودية ان هذا الدور العماني ما زال صالحا وقادرا وحريصا ،لان حقن الدماء في اليمن وسلامة التراب اليمني ووحدته فيه مصلحة وطنية عُمانية… إذ أن سلطنة عُمان في سياستها أمام الصراع اليمني – اليمني لا تمُنّ على أحد، ولا تريد لدورها ان يدخل في اطار المفاخرة او المباهاة حين يكون هذا الدور واجب يفرضه الجوار والجيرة والبعد الاخوي والانساني وحتى المصلحي.
الولايات المتحدة التي تطورت رؤيتها هي الاخرى للصراع في اليمن، رأت أن مواصلة الصراع لن يدرك نتائج مرغوبة، وأنها ترى في المواقف العُمانية فرصة لإحداث توافقات، سيما وان السياسة الامريكية اختبرت من قبل الدبلوماسية العمانية ورأت فيها عوامل تبعث على الثقة والأمل.
لقد ظلت عمان تنأى بنفسها عن صراعات المنطقة، سواء في الشرق الاوسط برمته او في منطقة الخليج وخاصة في الموضوع اليمني، ولكن هذا النأي لم ترغب السلطنة ان يكون سلبيا او ان تضع رأسها في الرمل، وتتظاهر انها لا تعلم، لأن الصراع في اليمن هو وجع في الخاصرة العمانية، بل جعلته نأياً ايجابياً، بمعنى ان تضع امكانياتها في خدمه كل الاطراف اليمنية ، وقد سجلت الاطراف المتنازعة للدور العُماني من قبل وحتى اليوم انه نزيه ومحايد ومحب للسلام والوئام، رغم محاولات بعض الاطراف الزج به في أتون الصراع وإظهاره على أنه دور منحاز حين شهرت هذه الاطراف بالدور العُماني بادعاء انه يقدم أسلحة لأحد طرفي الصراع عبر أراضيه، وهو ما حرصت عُمان على نفيه واثبات تهافت رواياته.
الدور العُماني في الوساطة وتسخير فائض الدبلوماسية العمانية في الاستقرار تخطى الازمة اليمنية، فقد كان مهندس الدبلوماسية العمانية بن علوي في القدس ورام الله يسعى لتمكين الفلسطينيين من الامساك بفرصة حل الدولتين الذي آمنت به سلطنة عُمان وسعت اليه… كما ان هذا الدور توجته السلطنة بدعوة الاطراف المتصارعة ليلتقي الفلسطينيون والاسرائيليون من خلال استقبال ابو مازن ونتنياهو في مسقط.
وفي السياق نفسه، قرأت عمان الجملة السورية قراءة مختلفة عن غيرها من الاطراف العربية والخليجية، وفي سياق فهم ثبت صحته وامكانية البناء عليه، فكانت زيارة بن علوي الى دمشق وزيارة وزير الخارجية السوري إلى مسقط …
اليوم وبمساهمة ملموسة لا ترغب عُمان اشهارها كثيرا او المتاجرة بها، اصبح الموقف السعودي جاهزا للتداول السلمي في الازمة اليمنية، وأصبح الحوثيون لديهم بدائل عن ما اعتقدوا انه يوصلهم الى نهاية الصراع، وهو استعمال السلاح وقصف المواقع السعودية البعيدة بالصواريخ او الطائرات الموجهة..
لقد كان للعدوان الحوثي على مواقع النفط السعودية في مصافي ارامكو وغيرها من الاماكن الحساسة ما دفع المملكة العربية السعودية الى قراءة اخرى للمشهد اليمني، هذه القراءة التي ساعدت سلطنة عُمان على جعلها مسموعة وقابلة لإعراب جملها..
ولأن المفاتيح في واشنطن، فقد حط الوزير العُماني رحاله هناك، ليستمع الى الرغبة الامريكية في توافقات جديدة كان استمع لمثلها في مسقط يوم وصلها وزير الخارجية الامريكي الاسبق “جون كيري”، قبل انجاز الاتفاق النووي الايراني (5+1) والذي وفرت مسقط حاضنة له…
تدرك الاطراف اليمنية الذي اتعبها واستنزفها الصراع، ان طريق الحسم العسكري غير موصلة، و انها تزداد بعدا وكلفة، وان السائرين في هذا الطريق يرون الآن وبوضوح الشاخصة العمانية المرفوعة، والتي تدل الى طاولة المفاوضات وتقديم التنازلات والعودة الى لغة العقل والمنطق..
اللوحة العُمانية الآن مقروءة أكثر، وعليها بوصلة تحمل خارطة طريق، وضع بن علوي بعض خطوطها الرئيسية، والتي تحتاج الى مباركة قام بزيارة واشنطن للحصول عليها تفضي الى نجاح يتكرر على يد العُمانيين الذين سجلوا اسهامات ملموسة في وقف الحرب العراقية الايرانية أواخر الثمانينيات، و في الاتفاق النووي بين ايران والولايات المتحدة، فهل تنجح عُمان للمرة الثالثة وربما أكثر من الثالثة في الاسهام الواضح في وقف الحرب في اليمن، والخروج من الصراع اليمني – اليمني الى المصالحة وإعادة ترتيب البيت اليمني؟
ان نجحت الدبلوماسية العمانية في ذلك، فقد أصابت اكثر من عصفور بحجر وفازت بالأجرين معا وأولهما المصلحة العُمانية نفسها.