ما قاله الدكتور حنا ناصر رئيس لجنة الانتخابات المركزية بعد زيارته إلى قطاع غزة ولقاءه مع القوى السياسية هناك، يُبشر بالخير، من منطلق أنه لا انتخابات في الضفة بدون غزة والقدس، ومن منطلق أن الكل الفلسطيني يوافق على إجراء هذه الانتخابات التي برأيي الشخصي قد تكون المخرج شبه الوحيد من الحالة السيئة التي نعيشها.
المهم في كل ذلك ليس فقط الاعلان بل النية والعزم على إجراءها دون اشتراطات خارج إطار القانون التي يُنظمها، فبتجرد وصدق أقول إذا لم تجري الانتخابات العامة في أقرب وقت ممكن فإن الحالة الفلسطينية ستسوء أكثر وأكثر والله وحده هو الذي يعلم إلى أين ستمضي الأمور لأن جميع الدلائل تؤشر على وجود احتقان كبير لدى الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة، جراء ما يحصل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
إن الإقرار بضرورة إجراء الانتخابات العامة ليس منة من أحد، بل هو استحقاق تأخر لأكثر من عشرة أعوام جرت خلالها مياه كثيرة في نهر الحياة الفلسطينية، ولا أحد بإمكانه أن يُنكر انه وخلال هذه السنوات حصل ترهل كبير في كافة مناحي الحياة ومن أهمها تعطل عمل المجلس التشريعي ومن ثم حله بقرار قضائي، وأيضا زاد تدخل وتغول السلطة التنفيذية عدا عن الوضع غير القويم لحالة السلطة القضائية التي نحترمها ونؤكد على أهمية استقلالها، ونرى بأن الانتخابات العامة هي أول الطريق لإصلاح ما يُمكن إصلاحه على المدى القريب، وبخاصة فيما يتعلق بحماية الحريات العامة والشخصية، واحترام سيادة القانون واستقلال القضاء.
إن ما يجري في العالم العربي والذي كان آخره في لبنان الحبيب يؤشر على أن صحوة الشعوب وإن طالت ستأتي حتما، وما دفع اللبنانيين إلى هذا الحراك هو شعورهم أساسا بأنهم “مُهمَلون” سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وأن الطبقة السياسية تستخدمهم وقت الحاجة والمصلحة، وهذا الامر حوّلهم من مواطنين إلى رعايا ومن ثم إلى أشباه عبيد للحكومة ورغباتها، ولا نريد أبدا أن يحصل هذا في فلسطين لأن لدينا احتلال يعمل ليل نهار على استخدام تناقضاتنا لقضم المزيد من الأراضي وزيادة وتوسيع المستعمرات، فعلينا تدارك هذا الأمر والذهاب فورا إلى صندوق الاقتراع، حفاظا وحماية لمشروعنا الوطني في الحرية والاستقلال وبناء الدولة المستقلة بعاصمتها القدس.
عمليا ومن أجل أن نؤسس لشراكة سياسية حقيقية فلا بد أن نعمل على أن تكون الانتخابات العامة في فلسطين هي مقدمة لانتخابات المجلس الوطني، من منطلق أننا (12 مليون) وأن منظمة التحرير هي مظلتنا الجامعة وممثلنا الشرعي والوحيد، وإن إعادة الحياة لمؤسساتها من خلال ضخ دماء جديدة وشابه وإشراك المرأة بما يؤكد على مركزية دورها في الحياة السياسية والنضالية سيساعد على تفعيل عمل المنظمة في كل المجالات لأن الشباب هم الأقدر حاليا على التعامل مع متطلبات العصر وهم الأقدر على ابتكار وسائل المواجهة والنضال على الأرض وفي الفضاء الالكتروني، الذي هو احد أهم أدوات النضال والتحشيد ضد الاحتلال وجرائمه في الساحات الدولية.
الانتخابات إن لم تكن مدخلا لإنهاء الانقسام البغيض فهي حتما ستدق مسمار في نعش هذا الانقسام الذي دفعنا ثمنه دما، ودفعنا ثمنه في السياسية والاقتصاد والاجتماع وفي كل مدخلات ومخرجات الحياة الفلسطينية العامة، ولا يخفى على أحد أن هناك من لا يريد إنهاء الانقسام لأن مصالحه الشخصية والحزبية ستتضرر، وهؤلاء، قد يكونوا قوى سياسية وأفراد، سيعملون في الخفاء على وضع كل العراقيل أمام اجراء الانتخابات بحكم أنها ستعيد تجديد الشرعيات وستعيد طرح إنهاء الانقسام كقضية أولى على الاجندة الوطنية، وهذا يتعارض مع مصالحهم، هؤلاء لا بد لنا أن نواجههم من خلال اصرارنا وسعينا لإجراء الانتخابات التي أعلن الأخ الرئيس أبو مازن عنها أمام أهم محفل دولي أثناء خطابه في الأمم المتحدة.
تجديد الشرعيات في جميع الهياكل التمثيلية للشعب الفلسطيني، من خلال العملية الديمقراطية المتمثلة في الانتخابات العامة يشكل انجازا مهما ومطلوبا من أجل ترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني وهذا من شأنه أن يعزز صمود المواطن الفلسطيني على أرضه، وأيضا يُبقي الأمل وروح النضال عند فلسطينيي الشتات، وتعزز روح المقاومة وصولا إلى حقنا في تقرير المصير والعودة وبناء الدولة المستقلة على حدود الرابع من حزيران للعام 1967 بعاصمتها القدس الشرقية، فلنمضي بخطى واثقة نحو الانتخابات العامة ولنرتب وضعنا الداخلي لمجابهة كل ما يحاك ضدنا من مؤامرات وبخاصة صفقة القرن التي دٌق بنعشها المسمار الأول، ولتكن الانتخابات هي المسمار الثاني، وانهاء الانقسام حتما سيكون المسمار الأخير في نعش صفقة العار.