عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
أشهد العالم كلّه وشعبه من على منبر الأمم المتحدة، أنه صادق فيما يدعو إليه ويقوله.. فهو يعرض لمنتج فلسطيني ديموقراطي ظل يرافق الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها، ومنذ قال الرئيس الراحل عرفات: “نمارس الديموقراطية في غابة البنادق” ، وقال أيضا : “إن ديموقراطيتنا سكر زيادة ” حين كان يقارن الحالة الفلسطينية بالعربية مرة وبحالة الاقليم مرة أخرى.
الرئيس عباس صاحب نفس طويل .. وهو من عدائي المسافات الطويلة والقفز بروية عن حواجز عديدة، جرى نصبها على طريق التحرر الفلسطيني، فقد ظل الرئيس صامدا صابرا قادرا على تفجير مناخاته وطروحاته التي كانت تفاجئ خصومه، حين كان قادرا دائما على كسر الحواجز وفك دوائر الحصار المغلقة وإعادة تحويل التحديات القاسية إلى فرص.
قد لا يرى الكثيرون ما أرى ، ولكن قراءة نهج الرئيس عباس وفكره وسلوكه اليومي والعام، يحتاج إلى رأس باردة وإلى قليل من العواطف وكثير من العقل، وإلى أدبيات المقاربة والمقارنة في ربط الماضي بالحاضر.. فالرئيس عباس اختمرت لديه التجربة الفلسطينية واستفاد من الدروس المتحققة في المسيرة الطويلة والصعبة، سواء الموروثة منذ مطلع القرن الماضي حيث وطأت القدم الصهيونية أرض فلسطين في موجات ما سمي بالرواد الصهاينة منذ عام 1882 وحتى انتهاء تلك الحقبة بالنكبة عام 1948 ، وبعد ذلك في مرحلة الثورة الفلسطينية المعاصرة منذ عام 1965 حتى اليوم.
الرئيس عباس كما اعرفه يستلهم التاريخ ويحفظ دروسه وعبره، وله جهد كبير في تحليل ذلك وسرده سواء في كتبه المطبوعة او في خطبه او مدوناته او حتى قراره، فهو يؤمن باستقلال القرار الفلسطيني ايمانا مطلقا ولا يساوم على ذلك، ويؤمن ان القضية الفلسطينية هي قضيه شعب فلسطين، ولا تعني شيئا آخر، ان لم تكن تعني الشعب الفلسطيني الذي هو عنوانها ومضمونها وشعله الكفاح من اجل انتصارها، كما يؤمن ان قيادة الشعب الفلسطيني لابد ان تكون منه ومن ابنائه المخلصين، دون انتداب او تعيين فقد انتهت مرحلة الانتداب على الشعب الفلسطيني ومرحلة تعيين قيادته والعمل على احتوائها، وكان الأهون الذهاب الى اوسلو على كل ما يعنيه والجلوس في مغارة الاحتلال للعمل من هناك على ان يكون القرار رهينة و مزورا تحت ثوب كتب عليه بالعربية.
اليوم يدعو الرئيس ابو مازن لانتخابات تشريعية ورئاسية، فلماذا وماذا يعني ذلك؟ ولماذا يطالب بذلك في لحظة هامة وأمام المجتمع الدولي كلّه؟ يُشهده وهو يطلب مساعدته.
يدرك الرئيس عباس حجم العقبات ومدى الاستثمار المعادي في الانقسام ، وتشكل طبقة استفادت من الانقسام وعاشت عليه، ومازالت تستثمر فيه.. ويدرك ان الطريق لإنهاء الانقسام قد يأخذ اشكالا مختلفة، استعملها البعض بالعنف والرصاص، ففضل الرئيس حقن دم شعبه على ان يسجل انتصارات زائفة على حساب الشعب الفلسطيني، وفي ظل خوفه على شعبه وعدم اراقة الدم عشش الانقساميون وبنوا امجادا واهمة، وظلوا جالسين في موقع الأم التي ارادت قسمة الطفل لأنها ليس هي أمه الحقيقية.
في سبيل استمرار رفع راية القضية لتظل حيّة، كان على الرئيس عباس ان يقود شعبه في ممرات عالمية يُقرها العالم، وان لا يأخذ شعبه الى حقول الغام وإلى مغامرات انتحارية مازلنا نشاهد عوارضها ومظاهرها في غزه وعبر محطات عديدة مختلفة.
الرئيس عباس كان دائما يجترح المخارج ويتخذ قرارات تاريخية صائبة، وُصف امام إصراره على اتخاذها انه “عنيد” ،ومبررة في ذلك إدراكه ان شعبه سيعرف الحقيقة، وسيلتف حوله.. ولعل الخطوة البارزة من بين خطوات عديدة يمكن رصدها وهي كثيرة، اصراره على الذهاب الى الأمم المتحدة لتوليد الدولة الفلسطينية.. في ذلك الوقت قبل أكثر من عقد من الزمن، كان شبه اجماع غربي وعربي ان لا يذهب بل وتحول بعض النظام العربي الى حواجز لمنع ذهابه.. وهناك من قدم له نصائح مغلفة بالتهديد والحصار والعقوبة ، وهناك من نسق مع الخصوم حتى لا يذهب، ولكنه ذهب وواصل و واجه ونجح حين نودي على فلسطين مراقب، واستمر في حمل الراية وعدد الدول المؤيدة يزداد حتى وصلوا الى 140 دوله، وفاز الرئيس عباس وخسر من راهنوا على فشله.. ثم استمر ليشحذ اداة التمثيل الفلسطيني التي صدأت حين وضعت في المخازن، وكان كلما اراد انتشالها واستعمالها وإعادتها الى الحياة يواجه بموجات تشكيك، فقالوا لا انتخابات تحت حراب الاحتلال، وقالوا.. ثم قالوا رغم انهم كانوا شاركوا في انتخابات فازوا فيها.. ولكنه مضى و عقد المجلس الوطني الفلسطيني، الذي ارادت القوى المعادية ان يهترئ التمثيل الفلسطيني في غياب تشكيل مجلس وطني جديد ، و ان يأكل هذا التمثيل بعضه و ان يتفتت بالتأجيل والانتظار والركون.
لقد بعث الرئيس عباس الحياة في المجلس الوطن بالانتخابات الجديدة بعد انقطاع طويل حتى إذا استقام ووقف على ساقه وأظل العمل الفلسطيني اشتق منه اللجنة التنفيذية، ثم اعاد بناء المجلس المركزي للمنظمة، ولكن القدر الفلسطيني لا بد أن يقوم على الأثافي الثلاث وكان ناقصاً مجدداً تجديد المجلس التشريعي الذي انتهت ولايته وهذا التجديد لا بد أن تصحبه انتخابات رئاسية لم يتردد الرئيس في المطالبة بها في نفس وقت الانتخابات التشريعية دون أن يهتم أن كان سيشارك أو سينجح المهم انه كان يريد تجديد التمثيل الفلسطيني ليخرج على العالم بلغة دولية وينهي الانقسام بأن يداوي بالتي كانت هي الداء أي العودة لنفس العلاج الذي ظل يؤمن به فهو أول وأكثر من اصر على اجراء الانتخابات حين نجحت حماس عام 2006 وهو يطالب بإعادة ذلك الآن وليربح من يربح في محاولة منه أن ينزل اولئك الذين اخذتهم العزة بالإثم عن الشجرة ليقبلوا مجددا ام يحكموا شعبهم فيما شجر من خلاف وان يكون صندوق الانتخابات هو بلسم الوحدة الوطنية وعلاجها التي ستنهي الانقسام وتسحب البساط من تحت اقدام الانشقاقية والذين في قلوبهم مرض ممن يقولون ما لا يفعلون.
نعم نجح الرئيس رغم المعارضة التي استعدت عليه كثيراً في الذهاب إلى الأمم المتحدة والدعوة لتشكيل المجلس الوطني وأخيرا ها هو الرئيس يقفز حاجزاً أخر باتجاه قضية شعبه وهو الدعوة إلى انتخابات تشريعية ورئاسية يريد أن تقطف ثمارها لتثبت للعالم أن الشعب الفلسطيني سعى ويسعى من اجل الديمقراطية وانه قبل مرارة النتائج بفوز حماس على أن يشتري حلاوة الخديعة والتزوير فطريق الديمقراطية صعب وطريق القمع قصير لكنه محرم على شعب مناضل وقيادة وطنية كانت مؤسسة في الثورة الفلسطينية.
اليوم يرمي الرئيس الكرة في الملعب برسم أن يلتقطها كل الوطنيين المخلصين داعياً إلى العودة إلى الحق إلى الانتخابات خير من التمادي في الباطل والانقسام الوطني.. وسيجد الرئيس أن كل شعبه يلتف حوله وانه يحيي مبادرته, فليس معقولاً أن تجري إسرائيل الانتخابات مرتين وربما ثالثة في سنة واحدة هي عام 2019 في حين يجمد الشعب الفلسطيني على انتخابات جرت قبل 13 سنة وتبعها انقسام وبقيت حفرة الانقسام قائمة دون أن تردم.
هذه الحفرة التي لا يردمها إلا الشعب الفلسطيني حين يعبر عن إرادته بحرية وعبر صناديق الاقتراع التي تنهي الادعاء بالتمثيل وهذا الردم لا يكون إلا عبر الصناديق ونتائجها التي ستعري المدعين والذين ركبوا على قضايا شعبنا وزوروا إرادته وربطوها بدوائر خارجية وإقليمية وبفتاوى ما انزل الله بها من سلطان.
الانتخابات التي دعا لها الرئيس من على منبر الامم المتحدة والتي عاد الرئيس من اجلها مسرعاً لعقد اجتماعات قيادته لاتخاذ قرارات الاجراء والترتيب والشروع.
هذه هي التي ستكون جبل النجاة وهي التي تجدد ارادة الشعب الفلسطيني الذي يستحقها ويستحق ان يسجل انه انتخب بملىء ارادته وخياره الطوعي بعيداً عن الهيلمات والتحليف على المصاحف واللجوء الى السحر الاسود.
نعم فلسطين حرة… وتبدأ حريتها بصناديق الاقتراع الذي ستحمل نتائجها بذورها لزراعتها في ارض فلسطين لتثمر حق تقرير المصير وطرد الاحتلال بإرادة الشعب الفلسطيني وكفاحه وإصراره على قراره الديمقراطي المستقل.
يستحق الرئيس الفلسطيني التهنئة على قراره بالدعوة للانتخابات التي قال فيها تعالوا الى كلمة سواء ويستحق معارضوه عليها الخزي،فهم لا يستطيعون ان يجهروا بأصواتهم فوق صوته وان يستمروا يكيدون ويد اهفون ويقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويظنون بقراره ظن السوء.
الرئيس يمضي في مشروعه الديمقراطي لاستكمال البناء السياسي الفلسطيني الممثل لإرادة الشعب الفلسطيني رغم العقبات والحواجز وهو عندما يضع كل ارض الدولة الفلسطينية العتيدة في الضفة والقطاع وشرق القدس كدائرة انتخابية واحدة فإنه يراهن على ارادة شعبه في ان يختار الافضل والأصلح.
واعتقد ان الرئيس الان بسحب البساط من تحت اقدام المزايدين والمنافقين الذين ستبور بضاعتهم ادعو شعبنا للالتفاف حول قرار الرئيس ابو مازن فدواء الانقسام هو في معالجته بالانتخابات ليخرج منها تمثيلاً جديدا يستطيع ان يقرر فيه الشعب الفلسطيني الخيار الذي يريده.