خطاب الرئيس الفلسطيني. ..مرتكزات ورسائل. ؟ ! د فوزي علي السمهوري

القارئ لخطاب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رئيس دولة فلسطين ” تحت الإحتلال ” أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العادية التي تلتئم في مرحلة تتسم بهيمنة القوة ضاربة عرض الحائط بقوة الحق وما القضية الفلسطينية إلا نموذج حي لتلك السياسة التي يمثلها مجرم الحرب نتنياهو بدعم وانحياز أعمى من الادارة الامريكية في عهد الرئيس ترامب الذي عمل ولا يزال يعمل على خدمة استراتيجية الحركة الصهيونية العدوانية التوسعية موظفا نفوذ امريكا القيادي على الساحة العالمية يخلص إلى حكمة وشجاعة القيادة الفلسطينية التي جسدها الرئيس محمود عباس في التصدي بإرادة لا تلين ولا تستكين لاجهاض المخططات الهادفة للانقضاض على المشروع الوطني للشعب الفلسطيني وحقوقه الطبيعية والتاريخية وعلى رأسها الحق الاساس بتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
يكتسب خطاب الرئيس الفلسطيني أهمية كبرى من حيث :
—- المكان والتوقيت.
—- المضمون والمرتكزات .
المكان والتوقيت : —
خطاب دولة فلسطين ” تحت الإحتلال ” في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة ليس خطابا تقليديا عاديا وإنما هو خطاب موجه لأعضاء الأمم المتحدة واطلاعهم على واقع الشعب الفلسطيني الذي يعاني منذ عقود من وطأة الإحتلال الإسرائيلي وجرائمه وانتهاكاته لميثاق الأمم المتحدة وللشرعة الدولية .
أما من حيث التوقيت فيأتي في خضم مرحلة تتعاظم بها ضغوط الثنائي ترامب نتنياهو وادواتهم الاقليمية على الاصعدة السياسية والمالية والاقتصادية على الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية في مخطط عدواني يستهدف انتزاع إعتراف بمخرجات سياسة فرض الأمر الواقع بترسيخ وادامة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية .
كما يأتي بعد ساعات من تكليف رمز التطرف والإرهاب نتنياهو بتشكيل حكومة جديدة من غلاة اليمين المتطرف والعدواني الذين ينكرون على الشعب الفلسطيني هويته ووجوده.
المضمون والمرتكزات : —
على ضوء ما تقدم جاء الخطاب الفلسطيني متميزا مفعما بالحكمة والشمولية وقراءة الاحداث بلغة سياسية تنم عن وضوح الرؤيا وصولا إلى إنهاء الإحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس.
حيث أكد الرئيس محمود عباس في خطابه على عدد من الثوابت والمرتكزات للبرنامج الوطني الفلسطيني منها :
اولا : تذكير المجتمع الدولي بمسؤولياته بالقيام بحماية الأمن والسلم الدوليين دون ازدواجية تنفيذا لميثاق الأمم المتحدة.
ثانيا : تحميل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وزمرته مسؤولية تقويض أسس السلام العادل والتنصل من تنفيذ التزاماته وفقا : —
— للقرارات الدولية ذات الصلة .
— اتفاق المرحلة الانتقالية ” اتفاق أوسلو ” .
مما يعني استحالة استمرار الإلتزام الفلسطيني بالاتفاقيات الموقعة مع الجانب الآخر واعتبارها منتهية خاصة مع اعادة تكليف نتنياهو بتشكيل حكومة وما يعنيه ذلك من الامعان في مصادرة مزيد من الاراضي اراض الدولة الفلسطينية لبناء المستوطنات” التي تشكل ملاذا وقاعدة لارهاب الدولة وميليشاتها ” التي وعد بها غلاة التطرف ابان حملته الانتخابية في حال العودة لرئاسة الحكومة.
ثالثا : التأكيد على الإيمان بالشرعية الدولية وبالقانون الدولي سبيلا وحكما لحل قضيتنا “القضية الفلسطينية ” من أجل السلام العادل والشامل الذي أصبح في خطر شديد بسبب السياسة الإسرائيلية مما يرتب على المجتمع الدولي إتخاذ كافة الإجراءات من أجل حماية السلام والقانون الدولي.
رابعا : التأكيد على رفض صفقة القرن ” بافكارها ومقدماتها ” وكافة القرارات التي صدرت عن إدارة الرئيس الأمريكي ترامب بخصوص القدس ووكالة الغوث وإيقاف المساعدات لميزانية السلطة الفلسطينية وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني .
خامسا : التأكيد على رفض إجراء أي تغيير جغرافي أو تشريعي أو ديموغرافي أو غيره على الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عدوان حزيران 1967 مما يستدعي من المجتمع الدولي العمل الدؤوب لرفع الظلم عن الشعب الفلسطيني الذي يخضع وحيدا بين شعوب العالم تحت نير الإحتلال والاستعمار وتمكينه من ممارسة حق تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة تنفيذا واحتراما للعهود والمواثيق والاتفاقيات الدولية ولميثاق الأمم المتحدة .
سادسا : التأكيد على أن الشهداء والأسرى هم مناضلين من أجل الحرية والاستقلال رافضا بشكل قاطع المزاعم الصهيونية وصفهم بالإرهاب مؤكدا على الإستمرار في صرف مستحقاتهم المالية وعدم الإذعان للضغوط الإسرائيلية السياسية والأمنية والمالية من خلال السطو على أموال الحكومة الفلسطينية للضغط المشترك على مؤسسات الدولة الفلسطينية حكومة وشعبا مما يتطلب موقفا دوليا داعما للموقف الفلسطيني الذي يتوافق وميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على حق الشعب الذي يتعرض للإحتلال بمقاومة قوى الإحتلال بكافة الوسائل المتاحة ورافضا بذات الوقت القرصنة الإسرائيلية مهما اتخذت من أشكال وعناوين.
سابعا : رفض رعاية أمريكا منفردة لعملية السلام نتيجة لدعمها وانحيازها الأعمى للعدوان ولاعداء السلام مما جعل منها شريكا للإحتلال. هذا الموقف الأمريكي يثير الدهشة والاستغراب كما قال السيد الرئيس أبو مازن.
ثامنا : الإلتزام بحل الدولتين الذي يحظى باجماع غالبية الدول أعضاء الأمم المتحدة بالرغم من علو أصوات تدعو للذهاب إلى خيار الدولة الواحدة.
تاسعا : غياب الشريك الإسرائيلي المؤمن بتحقيق السلام العادل عبر إنهاء الإحتلال والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة تنفيذا للقرار رقم 194.
عاشرا : التمسك بخيار حل الدولتين الذي حظي بتأييد ودعم غالبية أعضاء دول الأمم المتحدة بالرغم من علو أصوات تنادي بالذهاب إلى خيار الدولة الواحدة .
كما تضمن الخطاب الرئاسي عددا من الرسائل المتعددة الوجهات داخليا واقليميا ودوليا.
على الصعيد الداخلي :
حملت رسائل تتضمن :
■ الحرص على إنهاء الانقسام الذي لم يخدم سوى دولة الإحتلال الإسرائيلي التي اتخذت منه ومن ترسيخه ذريعة لمنع وتقويض إنهاء الإحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران لعام 1967.
■ التعهد بالمضي في بناء الدولة الفلسطينية الديمقراطية وفقا للمعايير الدولية .
■ ضمان وكفالة مبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان بالدستور “القانون الأساسي ” الفلسطيني.
■ الانتخابات العامة سبيل لإنهاء الإنقسام وتعزيز للجبهة الداخلية في مواجهة المخططات الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية والانقضاض على المشروع الوطني الفلسطيني.
إقليميا :
أما الرسالة البالغة الوضوح والموجهة إلى القوى الإقليمية بضرورة دعم خيار القيادة الفلسطينية الشرعية ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني للتصدي للمخططات الترامبية النتنياهوية “صفقة القرن ” ووقف كافة أشكال الاتصالات مع دولة الإحتلال حتى لا تفسر بأنها دعم لسياسة ومخطط نتنياهو بدعم ترامب لادامة الإحتلال وفرض سياسة الامر الواقع.
دوليا :
أما الرسالة الأهم فهي موجهة بالتأكيد للمجتمع الدولي الملتئم بدورته العادية مناشدا وطالبا بالعمل على :
● إصدار قرار ملزم لدولة الإحتلال بإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ حزيران 1967ضمن مدة زمنية محددة تحت طائلة فرض الحصار والعقوبات.
● إنصاف الشعب الفلسطيني عبر دعمه بإقامة دولته المستقلة تنفيذا للشق الثاني من قرار الجمعية العامة رقم 181 الذي تم استنادا إليه بدعم قيام اسرائيل والاعتراف بها عضوا في الأمم المتحدة .
● أن الشعب الفلسطيني مؤمن بالنضال الشعبي السلمي بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية بكافة الوسائل المتاحة والمقرة في ميثاق الامم المتحدة مهما بلغت التحديات وهنا يمكن لنا أن نفهم مغزى السؤال الموجه من القائد والزعيم الفلسطيني محمود عباس إلى أعضاء الأمم المتحدة الذي ينص ” واسألكم هنا ماذا كنتم ستفعلون اذا ما أتاكم من يأخذ منكم أرض بلادكم ويقضي على وجودكم فيها ؟ ” .
● الإلتزام بالدعوة لانتخابات عامة ” في الضفة الفلسطينية وقلبها القدس وقطاع غزة” حال عودته إلى أرض الوطن إيمانا وترسيخا للديمقراطية واعتمادها سبيلا إلى إنهاء الإنقسام وتعزيز وحدة ومنعة الجبهة الداخلية .
● دعوة المجتمع الدولي وخاصة الدول الكبرى دائمة العضوية بمجلس الأمن لممارسة جهودها ونفوذها مع دولة الإحتلال الإسرائيلي بتسهيل إجراء العملية الانتخابية من ألفها الى ياءها دون عراقيل وقيود.
أما ختام المسك قول الرئيس :
— إننا على يقين بأن هذا الإحتلال شأنه في ذلك شأن الاحتلالات السابقة زائل لا محالة
— وبأن فجر الحرية والاستقلال قادم
— وان الظلم والعدوان الذي يتعرض له شعبنا لا يمكن أن يدوم. ..فما ضاع حق وراءه مطالب. …
هذه الإرادة والحكمة تمثل إرادة الشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة وخارجها وتعبر عن دعمها وثقتها بالقيادة الفلسطينية برئاسة محمود عباس. …حتى النصر والتحرير بإذن الله. …؟ !
آن الأوان للمجتمع الدولي بغالبية دوله أن يغادر مربع الضعف الذي لا حول ولا قوة إلى مربع الفاعل المؤثر غير المهادن وغير المستسلم لإرادة قوى متغطرسة لا ترى في الأمم المتحدة ومؤسساتها إلا أداة توظف لخدمة مصالحها وأهدافها التي تتناقض كلية مع الأهداف والفلسفة التي أسست عليها الأمم المتحدة بالعمل على ضمان ترسيخ الأمن والسلم الدوليين وحظر الإعتداء وإحتلال اراض الغير بالقوة.
الشعب الفلسطيني يتطلع إلى أحرار العالم إتخاذ قرار بعزل دولة الإحتلال الإسرائيلي وفرض العقوبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية إلى حين اذعانها بتنفيذ القرارات الدولية ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية وإنهاء احتلالها الاستعماري الإحلالي للأراضي الفلسطينية دون تسويف. …؟ !

Related posts

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات