عروبة الإخباري – يصادف هذا العام الذكرى الـ 650 لولادة الشاعر والمفكر الأذربيجاني الكبير عماد الدين نسمي. ولهذا السبب، تعلن أذربيجان استنادًا إلى قرار صادر عن رئيس الجمهورية العام 2019، كعام للشاعر الكبير نسيمي. وبهذا القرار، يظهر أبناء شعبنا ودولتنا مرة أخرى الحب اللامتناهي والاحترام الكبير للروح المباركة لهذا الشاعر الخالد.
رغم أن الفن يحتوي على فروعٍ مختلفة، إلا أن الكلمة كان لها دائمًا وقعها الخاص. خلال الذوق الذي لا مثيل له الذي نشعر به أثناء وقوفنا أمام لوحة جميلة، يظل المؤلف في خلفية جماليات الصورة. نحن لا نستفسر عن هوية المؤلف حتى نتلقى معلومات بخصوص ذلك، وغالبًا ما تضيع تلك الهوية وسط انبهارنا بروعة لوحاته.
إن للكلمة قوة وقيمة، تعطينا إلى جانب المضمون معلومات مباشرة ومهمة حول صاحبها، وتدفعنا على مناقشته والبحث وإدانة وحب والتحدث عن هذا الصاحب لمدة تستمر قرون.
إنه نسيمي، شاعر الجمال الذي أسرتنا روعة كلماته، والذي حاول أن يعكس العلاقة المباشرة التي لا تنضب بين الخالق وعبده من خلال فلسفته الخاصة، والذي أعلى من قدر البشر أمام جميع التيارات والسلطات السياسية السائدة في عصره، متحليًا بشغف رافقه عملٌ دؤوب من أجل البحث عن كمال العرق البشري.
استنادا إلى جميع السجلات التاريخية، وبالنظر إلى جميع المشاكل الإنسانية التي وضعها والعواطف التي عبر عنها وقيم محاربة الظلم التي أعلاها، أظهر نسيمي مرة أخرى قوة الكلمة، ووضعنا أمام سؤالمثير لم يجري التطرق إليه من قبل:
من هو نسيمي؟
سيد علي بن سيد محمد، أبصر النور عام 1369، بمدينة شماخي (أذربيجان) ليصبح أحد أشهر الشخصيات في عصره. تمتلك المصادر المختلفة آراءً مختلفة حول مكان ميلاده واسمه الحقيقي. كما يدعي العديد من الباحثين أنه ولد في شماخي فيما يرى آخرون منهم أنه ولد في بورصة وتبريز وباكو وديار بكر وبغداد وحتى شيراز. عكف عماد الدين نسيمي على دراسة آثار الفلاسفة والأدباء البارزين في عصره، فيما وقف بشكل متعمق على الفلسفة اليونانية القديمة وفلسفات الشرق الكلاسيكية، كما تبنى تمامًا أسس الإسلام والمسيحية. نسج نسيمي أولى قصائده باسم “حسيني” تكريماً للمتصوف الشهير حسین منصور حلاج، ثم استفاد من تعاليم مؤسس الحروفية فضل الله نعيمي الاسترآبادي، وتبنى اسمًا مستعارًاعرفَ بـ “نسيمي”،ليبدأ تحت هذا الاسم يكتب قصائد وأشعار تهدف لنشر أفكار الحروفية. لقد أصبح واحداً من أشهر الشخصيات الحروفية، ليس على مستوى أذربيجان وحسب، ولكن أيضًا في مصر والعراق وإيران والأناضول، وبدأت قصائده تدور على الألسن.
برع نسيمي في نظم حزنه ومعارضته بقوة وأسلوب جميل وقيم تحمل معاني الشجاعة والعاطفة والتشويق. في كثير من الأحيان نصف عماد الدين نسيميبشاعر الحب وننسى الجوهر الحقيقي لإبداعاته لفترة طويلة. بالطبع، كان هذا الجوهر واضحًا لأعلام عصره.
يا فؤاد قال المنصور “أنا الحق”
كان الحق وقال الحق ونطق بالحق
وباح بسر المعرفة المطلق
وقال عارف آمنا وجدّد
استقى نسيمي الأفكار والفنون واللآلئ والأفكار الفلسفية والفنية التي كتبها باللغة التركية الأذربيجانية، والتي لديها القدرة على توجيه التأثير،من المصادر الإسلامية” (2).يعتبر نسيمي أحد أعظم ممثلي الشعر الفلسفي العام، ليس فقط في الأدب الأذربيجاني، ولكن أيضًا في الشرق الإسلامي. يشكل مفهوم الإنسانيةقضية رئيسية في العالم الفلسفي والشعري لنسيمي. كما يتم اخيار صورة الإنسان في إبداع نسيمي بصورة فريدة ومتميزة. لديه كل من الصفات الإنسانية والإلهية. وبشكل عام، فإن صورة الشاعر في الشعر الأذربيجاني يعبر عن روعة وأناقة تذخر بها مخطوطات القرون الوسطى في الأدب الغربي والشرقي.
“ذاتي تتسع للعالمين، لكني لا أتسع لهذا العالم،
أنا جوهر اللامكان، لكني لا أتسع للكون والمكان”.
كتب الشاعر أعماله الغنية والخلاقة، بثلاث لغات – التركية (التركية الأذربيجانية) والفارسية والعربية. وقد وصلنا الكثير من أعماله المكتوبة بالتركية (لغته الأم) والفارسية. إن الشاعر قد كتب وصنع الشعر الكلاسيكي في مختلف أشكال الفن وأنواعه (الغزل، والقصائد، والمستزاد، والعروض، والرباعيات، والمثنويات، إلخ). كما وضع نسيمي أسس القصيدة الفلسفية باللغة الأم في الأدب الأذربيجاني.
تتوفر أراء مختلفة حول تاريخ ومكان ميلاد نسيمي، وكذلك الطريقة التي قتل بها هذا الشاعر الفريد والمتميز. وكما هو معروف لنا، فإن الشاعر قتل بسلخ جلده حيّا. ورغم نفي بعض الأوساط لما سبق، إلا أن هذا النفي لا يعدو عن محاولة للتخفيف من هول المصيبة، بسبب الحب الذي حظي به نسيمي من قبل العامة. وبغض النظر عن طريقة مقتله، يبقى نسيمي شاعرا للحب ضحى بنفسه من أجل قيمه وأفكاره. لقد كان العامل الإنساني واضحًا وقويًا في الخطوط العامة للإبداعي النسيمي، لدرجة أنه لم تكن هناك حاجة إلى تقديم الأعذار التي تقف وراء إصدار حكم بقتله.
إن حب الله، مصحوبًا بإبداعه، والإعجاب به، تثبت مرة أخرى عبوديته للباري، ولربما أن أفكاره لم يتم التحقق فيها وتم تجاهل مضمون كلماته على حساب ظاهرها.
وفي هذا السياق، لا بد من التأكيد على أهمية العامل البشري في تجلي الحق والحقيقة.
” وخلقنا الإنسان في أحسن تقويم”
كيف يمكن وصف الجنس البشري الذي خلقه الله في أحسن تقويم وأعطاه حق الحياة وحرمة الدم، بأفضل من كلمة “أنا الحق”، رغم جميع الذنوب التي حصدها فيما بعد بسبب ماهيته، وهو (أي الإنسان) من خلفه الله على الأرض وخلقه من أعلى رأسه حتى أخمص قدميه.
إن أعمال هذا الشاعر الذي نقِش اسمه منذ مئات السنين في ذاكرة الشعوب الشرقية، كرمز للبطولة في طريق الحقيقة، يتم قراءتها ودراستها اليوم. كما أن مواصلة الباحثين في الآداب والعلماء في أذربيجان إجراء الأبحاث حتى الآن في الميراث الفريد والمتميز لشخصية وأعمال سيد عماد الدين نسيمي، ما هو إلا مؤشر على القيمة الكبيرة التي يحظى بها هذا الشاعر بالنسبة للشعب الأذربيجاني.
إن نسيمي وصل إلى قمة ودرجة رفيعتين دفعت الشاعر الأذربيجاني الكبير رسول رضا القول: يجب تبجيل واحترام كل من ساهم في إماطة اللثام عن هذا الجمال وهذه الدقة والأفكار مديدة العمر دون تمييز بين من وضع لبنة ومن وضع مئة لبنة في هذا الطريق.