ما الذي تبقى للاجئين الفلسطينيين؟ عريب الرنتاوي

إحساس عميق بالخيبة، هيمن على جموع اللاجئين الفلسطينيين في مختلف أماكن انتشارهم، وهم يتابعون «الفتى الغرّ» في وقائع ما أسمي بـ»ورشة المنامة» … لقد شاهدوا بأمهات عيونهم، كيف جرى التنكر والتجاهل والاستخفاف بأحلامهم وأشواقهم في ممارسة حقهم المنتظر منذ أزيد من سبعة عقود، في العودة/ التعويض وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.
والحقيقة أن هذا الإحساس، لم يكن طارئاً أو ابن لحظته، فهم عرفوا في قرارة أنفسهم، أن حق العودة على وجه الخصوص، بات بعيد المنال منذ انطلاق العملية السياسية التي حملت زوراً وبهتاناً اسم «عملية سلام الشرق الأوسط» … لقد أدركوا بوعيهم وحسهم الفطري والمكتسب، أن العودة الشاملة إلى الديار متعذرة حتى في ظل أفضل العروض المقدمة للفلسطينيين … منذ طابا وحتى معايير بيل كلينتون الشهيرة… لكنهم مع ذلك، لم يفقدوا الحلم، وانتظروا بصبر فارغ كيف ستتبلور «الصيغة النهائية» لحل قضيتهم الوطنية المستعصية، وكانت لدى قطاعات منهم على الأقل، الاستعدادات لإبداء قدر من المرونة في تنفيذ هذا الحق.
أدركت القيادة الفلسطينية، أن «رزمة شاملة» تنتهي إلى دولة قابلة للحياة ومستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس، مع ترتيبات لحل قضية اللاجئين على القواعد الثلاث المعروفة يمكن للفلسطينيين ابتلاعها، وهذه القواعد هي: (1) تعويض من تتعذر عودته أو من لا يرغب بها … (3) العودة إلى مناطق السلطة الفلسطينية … (3) الانتقال إلى «دولة ثالثة» من ضمن ترتيبات تضمن الحد الأدنى لعيشهم ومعاشهم… ودائماً في إطار «الرزمة الشاملة»، وليس قبلها أو من دونها… من هنا انطلق المفاوض الفلسطيني وعلى هذا الأساس بنى أطروحته وفرضياته.
كل هذه الرهانات والآمال «المتكسّرة» أسقطها «الفتى الغرّ» بجرة قلم «صنع في إسرائيل» … والرزمة الشاملة التي نهضت مبادرة السلام العربية عليها، بدت سراباً ووهماً … لا الدولة والاستقلال الوطني مدرجان في مشروعه، ولا نهاية في الأفق للاحتلال، حتى أن مساعده جيسون جرينبلات، بات يشتاط غضباً كلما سمع كلمة «احتلال» ويفضل عليها «مناطق متنازع عليها» أو خاضعة للسيطرة الإسرائيلية … أما العودة، فمن وجهة نظره، ليست في الحسبان، ولا التعويض كذلك، طالما أنه فرغ من إعادة تعريف اللاجئ، بحصره في الجيل الأول للنكبة، وتعداده لا يزيد عن الأربعين ألفاً، أصغرهم سناً يبلغ اليوم 71 عاماً، مدركاً ان متوسط أعمار سكان هذه البقعة من العالم لا تصل إلى 75 سنة.
أسقط «صهر الرئيس» حق اللاجئين في العودة، وأسقط معه حقهم في التعويض الفردي المناسب، وأسقط حقوق الدول المضيفة في التعويض عن سنوات الاستضافة الطويلة، أسقط نظرية «الرزمة الشاملة» التي نهضت عليها كافة مبادرات السلام على عجرها وبجرها، وقدم تصوره للحل، عارياً حتى من ورقة التوت …وزاد الطين بلّة، أن إدارته تخوض حرباً شعواء ضد «الأونروا» بهدف تصفير مواردها توطئة لتصفيتها نهائياً، تأكيداً على مقاربته الجديدة للحل، تاركاً مئات ألوف اللاجئين في المخيمات مجردين حتى مما يسد رمق أطفالهم ويوفر لهم الكراسة والكتاب المدرسي والغرف الصفيّة.
كوشنير بنى «نظريته» على فرضية الاعتراف بالحقائق كما هي، حتى وإن كانت حقائق استعمارية احتلالية، فرضت بقوة الدبابة والمدفع، وبخلاف مع القانون الدولي … تحمس لضم القدس والاعتراف الأمريكي بها عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها … أطلق رصاصات الرحمة على جسد «الأونروا» المريض، نعى مبادرة السلام العربية لكونها «غير واقعية» … تنكر لاستقلال فلسطين وحق شعبها في تقرير مصيره بنفسه … واليوم يتحضر للخطوة التالية: ضم المستوطنات ومجالها الحيوي وطرقها التفافية لإسرائيل، وإبقاء سيطرتها على غور الأردن لأسباب أمنية – استراتيجية، مكتفياً بالتلويح بـ «ثلاثين من الفضة»… باختصار شديد، لم يبق الرجل وفريقه «المتصهين» رصاصة في جيبه إلا وأطلقها على الحلم الفلسطيني.
الفلسطينيون بعامة، واللاجئون منهم على وجه الخصوص، لم يبق لديهم شيء ليخسروه … هذه هي «الحقيقة العارية» التي تتركها مبادرة ترامب أو صفقته، لهؤلاء … لقد فعل هذا الفريق المتصهين كل شيء ممكن لإثارة خيبة الفلسطينيين وغضبهم … ومع ذلك، لم يتردد هذا «الساذج» في مخاطبة الفلسطينية من على منصة المنامة بقوله: ترامب لن يخذلكم؟!… أو حين يعرض عليهم «فرصة القرن» لا صفقته.
المؤسف أن بعض «الأعراب» يردد هذا الحديث عن قصد أو عن جهل، بل أن بعضهم لا يضيره القول بأن تاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي هو تاريخٌ من الفرصِ الضائعة … وهذه نظرية دعائية صهيونية بامتياز، يسخر منها حتى بعض الكتاب الصهاينة الأكثر تحرراً من أسر الإيديولوجيا العنصرية… وغداً، وربما اليوم، سنواجه من يتساءل بكثير من الاستنكار والاستغراب: لماذا يتطرف الفلسطينيون؟ … ولماذا يلجؤون إلى وسائل وأدوات عنيفة لا تليق بهم ولا بعدالة قضيتهم؟ … لقد خذلوا الفلسطينيين ولم يبق لديهم الكثير لخسارته.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري