من المتوقع أن يزداد الحديث، ولا أقول الجدل عن مسلسل ” جن “- ما لم يصدر قرار بوقف النقاش – وهو المسلسل الذي تبثه نتفليكس ، اشهر شبكات العرض ، عبر منصة عالمية على الانترنت غير متاحة لغير المشتركين ، وتتواجد في عشرات الدول عبر العالم ، وهي شركة متخصصة بانتاج وتوزيع الافلام والمسلسلات ومقرها كاليفورنيا في الولايات المتحدة .
الضجة التي صاحبت عرض مسلسل ” جن ” الاردني على الانترنت جاءت بسبب ما تضمنه من مشاهد اباحية والفاظ نابية وسوقية ، مما انتج ردة فعل قوية على مختلف المستويات حتى وصل الامر الى ما وصل اليه من تصريحات حكومية تتبرأ منه وتهديدات نيابية وشعبية بمقاضاة من سمح بتصويره في الاماكن السياحية والتعليمية الاردنية بل وصل الامر أن تناوله بعض الخطباء على منابر الجمعة وأن تعقد لجنتان نيابيتان هذا الاحد ، موعد بث هذه المقالة ، اجتماعا مشتركا لمناقشته ، لتتحول القضية إلى قضية رأي عام بامتياز .
وقد كُتبتْ مقالات وأعِدتْ برامج تلفزيونية ونُشرت تقارير بخصوص هذا المسلسل ليس فقط في وسائل الاعلام الاردنية ، بل في مختلف وسائل الاعلام العربية والاجنبية ، مما اغضب الشركة الامريكية التي نشرت تغريدة على تويتر تتوعد فيها بأنها لن تتهاون مع التحريض ضدها وضد الممثلين التابعين لها في المسلسل المذكور ، زاعمة أنها تهدف الى نشر ما اسمته :” قيم التنوع والشمولية ” في العالم ، مما اغضب مختلف الفئات الرافضة للمسلسل وعددا من النواب الذين اعتبروا تغريدة الشركة تهديدا للاردنيين ودفع ذلك بعض المحامين وبعض النواب لاصدار تصاريح تتوعد بمقاضاة الشركة الأمريكية .
وبعد أن تبرأت الحكومة من المسلسل وكذلك فعلت وزارة الاعلام وهيئة الاعلام وغيرها ، اضطرت الهيئة الملكية للافلام للإدلاء بدلوها في هذه القضية من خلال توضيح نشرته الجمعة ، حيث اعتبرت أن من ضمن قانونها تشجيع الانتاج الاردني واستقطاب الانتاج الاجنبي ،وتسهيل التصوير ، مشددة على أنه لا يوجد في قانون الهيئة ما يلزمها بالرقابة على المنتج لا في النص الاصلي ولا في السيناريو ، مؤكدة أنها بهذا التوضيح لا تعكس تأييدها لما جاء في المسلسل ، مذكرة منتقديها بأن المسلسل هو عبارة عن قصة خيالية وليس فيلما وثائقيا ، مما اعتبرته احزاب سياسية بأنه بيان يدافع عن المسلسل مطالبة بمقاضاة الهيئة .
ولما كانت نتفليكس شركة انترنت تعنى بالانتاج الفني وغيره ، وتبث منتجها حسب الاشتراك المدفوع ، فإن هذا يعني أنها شركة ربحية لا يهمها الموروث الثقافي لأي من شعوب الأرض ، ومنتجها الذي لا ننكر أنه قد يستخدم لغايات أخرى ، يظل تحت الطلب وليس مفتوحا للجميع، وقس عليها كل ما يخطر ببالك من شركات أخرى ، بما فيها الشركة اللبنانية المتعاقدة معها والمنفذة لهذا العمل .
مؤسس هذه الشركة ريد هاستينغز بدأها من الصفر كما تقول سيرته ، وجرب المذكور عدة مهن قبل أن يستقر على مهنة توزيع الأفلام عبر البريد ومن ثم الانترنت وأخيرا إلى هذا العمل الذي اثبت جدواه التجارية فباتت أصوله المالية أكثر من 19 مليار دولار ، بعدد موظفين بلغ أكثر من 5 آلاف موظف ، بينما وصل مشتركوه إلى أكثر من 137 مليون مشترك عبر العالم ، فماذا عنا نحن ، وأقصد بـ ” نحن ” العرب ولا أعني الاردنيين بالطبع .
علينا ان نعلم ، يا رعاكم الله ، أنه ووفق احصائية لجوجل فإن انتاجنا من المحتوى الرقمي العالمي بمختلف اشكاله وألوانه لا يتعدى 3 % فقط ، مع أن عدد مستخدمي الأنترنت العرب يصل الى ما يقرب من 100 مليون مستخدم !.
وإذا اخذنا بعين الاعتبار المعوقات التي تحول دون مزيد من الانتاج على الشبكة ، مثل المعوقات الثقافية والاقتصادية والتقنية والسياسية ، فإن لكل واحدة من هذه المعوقات وقفة لا يتسع المجال لمناقشتها ، ولكني أجملها بقصور وأحيانا بجهل مطبق على تماس مع التقنية والرقمنة وجهل الجامعات أو تقاعسها عن أهمية المساهمة في إثراء المحتوى العربي على الانترنت من خلال نشر بحوثها وبياناتها وتراجمها ورسائلها بشكل مفتوح بدل الملفات المرمزة بكل غباء ، وكذلك الضحالة الفكرية والثقافية لدى الأغلبية الساحقة من مستخدمي الانترنت الذي يلقنون المنتج تلقينا بحيث لا ترى على الشبكة من محتوى عربي سوى السخافات التي لا طائل منها بدل نشر المعرفة وتعميمها باللغة الأم ليحسب كل ذلك للعربية والناطقين بها وبالتالي تثبيت موروثها وتراثها الهائل الغائب عن الشبكة ، ، يضاف الى ذلك الجهل المطبق بعلوم الحاسوب والتعاطي مع ما هو متوفر فقط من أنماط النظم والتطبيقات ،حتى أنك لو بحثت عن اي قيمة رقمية عربية فإنك لن تجد غير المحتوى الاستهلاكي التافة إلا ما رحم ربي ، وقس على ما ذكرنا ما يخطر ببالك ، أما إذا بحثنا عن منتج فني عربي فإنك لا تجد غير ” الفساخة ” والـ” وساخة ” والكوميديا الهابطة والاغاني الوقحة والمسلسلات المدبلجة أو الأصيلة الزاخرة بالإيحاءات الجنسية التي تشبه ايحاءات هذا المسلسل التافه المسمى ” جن ” أو تفوقه ، وبرغم ذلك نقضي الساعات الطوال في مشاهدة المنتج العربي هذا الذي يبث بثا مفتوحا وبالمجان عبر قنوات موجودة في داخل كل بيت .. .
لقد اعتبر أغلب الأردنيين وأنا منهم ، أن هذا المسلسل سخيف فاضح يتخطى كل الخطوط الحمراء ،ولكن بعد ذلك أسأل : هل نسينا بأنه يبث على منصة شركة امريكية ربحية ، أم أننا في ثورة الغضب لم نفطن سوى أنه مسلسل أردني وباللهجة المحكية ،هل هذا هو بيت القصيد ، حسنا إذن ، دعونا نطرح المحتوى العربي المخزي على الأنترنت وعبر القنوات التلفزيونية جانبا ونسأل : كم نسبة محتوانا نحن الاردنيين ،أفرادا وجامعات ومؤسسات وشركات ، وماذا أنتجنا كلنا سواء في القطاع العام أو الخاص ” فنيا ” لشبابنا الضائع والعاطل والمحبط ولقضايانا المصيرية أمام ما يواجهنا من تحديات ومؤامرات ؟؟ ..
هل أنتجنا مسلسلا عن صفقة القرن مثلا ؟؟.