العالم العربي يتجه نحو التغيير الحتمي المتوافق مع سنن الطبيعة والكون، والمتوافق مع التغير الإنساني والتقدم الحضاري على صعيد قافلة البشرية كلها على وجه الأرض، فيما يخص إدارة الدول والشعوب، وسائر المجتمعات الإنسانية في كل بقاع العالم، ولن يظل العالم العربي بقعة عمياء مظلمة في الخارطة الديمغرافية الإنسانية، ولن تبقى الأقطار العربية خارج إطار الديمقراطية والوصول إلى الطريقة المشروعة في فرز أصحاب السلطة، وخارج قدرة الشعوب في المحاسبة الجادة التي تكفل حفظ المقدرات العامة وإدارة الشؤون المشتركة بطريقة جماعية صحيحة تخلو من كل أشكال الاستبداد والحكم الديكتاتوري المطلق الذي كان يشكل أحد معالم الحقب التاريخية المغرقة في الظلام والتخلف والعبودية.
لقد بدأ التحول في كثير من أقطار أوروبا الشرقية التي كانت ضمن المنظومة الاشتراكية ومنضوية في إطار الاتحاد السوفياتي في أواخر القرن المنصرم، ثم بدأت معالم التحول في كثير من الأقطار الآسيوية وبعض الأقطار الافريقية، وبعضها قطع شوطاً معتبراً على صعيد تطوير الأنظمة الحاكمة وطريقة اختيار أصحاب السلطة، وترافق ذلك مع تغير واضح طال مرافق الحياة الأخرى وخاصة طرق التنمية والاستثمار وتحسين طرق الحياة والمساءلة والمراقبة للأداء العام، وحفظ المال العام وصيانة مرافق الدولة وتقليل حجم الفساد، وتضييق مسالك النخب في الاستئثار بالمقدرات العامة واستغلال السلطة من أجل الإثراء وجمع الأموال.
بدأت الشعوب العربية بالململة والتمرد على الأنظمة المتسلطة، واندلعت المظاهرات في الشارع التي أدت إلى سقوط بعض الأنظمة، إلّا أن ثورات الشعوب العربية باتت غير مكتملة، إذ إنها وقعت في الفوضى والاحتراب الداخلي، وتناحر النخب على السلطة؛ ما أتاح لبعض القوى العالمية والإقليمية أن تدس أنفها في تسيير دفة الأحداث، وتم حدوث اختراقات خارجية مؤثرة استطاعت أن تعمل على إحداث ثورة مضادة؛ ما أفشل عملية التغيير الشعبي.
ثورات الشعوب العربية غير المكتملة ليست آخر المطاف، ولم تفلح الثورات المضادة من إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، ولن تقف قوة في الأرض أمام سير الشعوب الطبيعي نحو الحرية والاستقلال، حتى لو استطاعت تأخير ساعة التغيير إلى أمد محدود، ولكن كل الأموال التي يتم انفاقها على تعطيل ثورات الشعوب وشراء الذمم لن توقف مدحلة الزمن التي ستطوي هذه الحقبة بكل مدخلاتها ومخرجاتها.
أعتقد أن الذكاء ينبغي أن يتركز في عملية الاستعداد للتغيير القادم، وأن يتم تسخير الجهود في تهيئة الشعوب لعملية التمكين المطلوبة، التمكين من الاختيار والتمكين من المحاسبة والمراقبة، والتمكين من حفظ مقدرات الدولة وصيانة المال العام، وتمكين الشعوب من المشاركة في إدارة الشؤون بنفسها، وتمكينها من تحسين طريقة الفرز للقوي الأمين القادر على صناعة النهوض الجمعي الكبير الذي تشترك فيه كل طاقات المجتمع وكل مكوناته وشرائحه في إطار من العدالة والنزاهة والشفافية وإرساء معايير تكافؤ الفرص بكل صرامة.