الانتصار للسلام في الشرق الأوسط محمد الفطيسي

السلام ليس إلا معركة في قائمة طويلة من المعارك التي يجب أن تخوضها البشرية من أجل البقاء والاستمرار، إلا أن العقبة الأكبر لهذه المعركة هو في من يمكن أن يتقدم ليحمل على عاتقه هذه القضية الكبرى بنية صادقة، يد تحمل غصن الزيتون دون أن تسقط من اليد الأخرى البندقية، في بيئة دولية فوضوية شديدة التعقيد، مليئة بالأزمات المتنوعة، سريعة تقلب العداوات والصداقات والعلاقات بين الدول.
وعلى ما يبدو فإن منطقة الشرق الأوسط عموما، والخليج العربي خصوصا، ما زالت الساحة الأكبر والأهم لتلك المعارك والصراعات الدولية و(ذلك يعود للقيمة المتزايدة التي تمتعت وما زالت تتمتع بها على المستويين الإقليمي والدولي، سواء بفعل موقعها الجغرافي المتميز من الناحيتين الجيوبوليتكية والاستراتيجية والذي يشكل عامل استقطاب مهما للقوى الدولية، أو لامتلاكها أهم موارد الطاقة في العصر الحديث). ( 1 )
على ضوء ذلك فإن منطقة الشرق الأوسط وللأسف الشديد باتت تحمل من العوامل التي تساعد على اشتعال الصراع والحرب أكثر بكثير من تلك التي تساعد على إطفائها، خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار ارتفاع سقف تناقض المصالح ورغبات الهيمنة والسلطة والنفوذ بين القوى الكبرى عموما، ودول المنطقة نفسها خصوصا، يضاف إلى تلك العوامل أن منطقة الشرق الأوسط تحتوي أصلا على (بذور متعددة للخصام والعداوة فيما بين دولها منذ القدم)( 2).
لذا فإن الانتصار للسلام عبر صناعة مواءمة سياسية بين المصالح والمصالح المضادة في هذه البيئة المعقدة سيكون بحق من أصعب المعارك التي يمكن أن تخوضها بعض الدول التي ترغب في صب الماء على أعواد الكبريت قبل أن تشتعل نتيجة ذلك، كما سيحتاج إلى إرادة سياسية قوية ونيات صادقة، وإمكانات سياسية ودبلوماسية استثنائية، لا يملكها إلا بعض الدول التي تمكنت من المحافظة على تلك المساحة من العلاقات الحسنة بين مختلف الأضداد والمتناقضات السياسية.
وقد تناولت في مقال سابق تحت عنوان: ملزمون بالقيادة في بيئة دولية قاسية كيف حملت الدولة العمانية بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم غصن الزيتون بين نيران العديد من الصراعات والحروب التي اشتعلت في المنطقة، ونجحت ـ ولله الحمد ـ في إطفاء العديد منها بكل جدارة. وبمعنى آخر، تمكنت سلطنة عمان من الانتصار للسلام حتى الآن على أقل تقدير في هذه البيئة التي ترتفع فيها نذر الحرب.
إذًا يمكن التأكيد على وجود مصدرين واضحين لبناء وتشكيل البعد الأمني في الأطروحات العمانية لأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط. بالرغم من تحديات وضغوطات تلك النظرة الاستراتيجية عليها، وهو ما يدفعها بشكل دائم ومستمر لتبني هذا الخيار الصعب والمعقد، وهما: (ما فرضته الحقائق الجيواستراتيجية المتمثلة بموقع سلطنة عمان على مدخل الخليج العربي “مضيق هرمز” حيث إنها تشرف على الجهة الغربية من هذا المدخل وهي الجهة المؤثرة والمهمة حيث يمر فيها معظم خطوط الملاحة الدولية العابرة لهذا المضيق، وتشاطئها عليه إيران التي لم تكن أيام الشاه أو الآن على وفاق مع بعض دول الخليج العربية… وثانيهما: هو تلك الخبرة التاريخية التي تكونت لدى السلطنة من خلال تجاربها مع القوى الدولية والإقليمية في مياه الخليج العربي والمحيط الهندي بحكم موقعها الجغرافي)(3).
وقد كانت تلك النجاحات التي حققتها عبر تاريخها الدبلوماسي دافعا للاستمرار على هذا النهج رغم إدراك جلالته ـ أعزه الله ـ ما لهذا النهج كذلك من مخاطر وثمن لا بد أن يدفع، وهو ما أكده بقوله: (إن طريقتنا هي طريق الصراحة. ونحن هنا في جميع تعاملاتنا نتوخى ألا نلف وندور، وأن نكون صريحين، ولو أن هذه الصراحة أحيانا تجلب لنا بعض المتاعب. وأعتقد أن الإنسان يجب أن يكون مخلصا في قوله وفي عمله، وأنا لا أقول هذا بمعنى أن بقية الدول العربية أو بقية الإخوة ليست لديهم الصراحة أو الإخلاص، أبدا. ولكن المسألة أننا أحيانا نتعدى الحدود الدبلوماسية التقليدية، ونقول كلمتنا بدون أن نأخذ ونعطي فيها، لأنه ربما من واقعنا ومن التجارب التي مرت بنا، قد جعلتنا نتخذ هذا الاتجاه)(4 ).
إذًا السلام والانتصار للسلام بحاجة إلى تضحيات، وربما في إحيان كثيرة تكون التضحيات مريرة ومؤلمة. قد يقول قائل: ولماذا ندخل أنفسنا دائما في وسط هذه البيئة الفوضوية وهذا الضجيج الناتج عن الصراعات المستمرة؟! فنقول: إن سلطنة عمان جزء لا يتجزأ من أمن هذه المنطقة، وعند اشتعال الحروب ـ لا قدر الله ـ فمن المؤكد أن الجميع سينال نصيبه من تبعاتها بطريقة أو بأخرى، ومن هذا المنطلق فإنه ولا بد أن نتحمل تلك المسؤولية التاريخية النابعة من مبادئنا الوطنية، ويجب أن نؤدي دورنا السياسي والإنساني، هذا الدور الذي بلا شك هو التزام بالقيادة والانتصار للسلام، (فإذا أردنا أن نكون جديرين بالدور الذي يطالبنا به مصيرنا ـ كما يؤكد ذلك حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ فينبغي علينا أن نتمسك بشدة بالمبادئ التي قوت من عزائمنا في المحن التي مرت علينا في الماضي)( 5).

Related posts

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات