نستطيع القول بأن التصعيد الأخير وشد حبل التوتر في الشرق الأوسط والذي قامت به أمريكا في محاولة جديدة لابتزاز دول المنطقة باء بالفشل الذريع ، بعد أن قبلت الدولة الإيرانية تحدي الإدارة الأمريكية المتغطرسة والمتخبطة في سياستها الخارجية، السافرة في وقاحتها ، ولم ترضخ لتخيلات وأوهام الإدارة الأمريكية .
لطالما كان الاقتصاد هو المحرك الرئيس لكل النزاعات والصراعات بين دول وشعوب العالم ، فالغرب ينشد تحقيق أعلى منفعة ممكنة وفق ما يراه من زاوية مصالحة الخاصة ، بصرف النظر عن مصالح وحقوق الدول والشعوب الأخرى ، اذ أن الدافع وراء التدخل في سوريا ودخول عشرات الآلاف من كل دول العالم هو الحصول على أكبر حصة ممكنة من استثمارات حقول الغاز قبالة السواحل السورية واللبنانية .
تم ترتيب الأمور في سوريا ، اذ أن روسيا كانت هي صاحبة الحظ الأوفر في تحقيق منفعتها –المشروعة- لشركاتها ، بعد أن خرجت من ” مولد ” ليبيا بلا أية مكاسب ، فكانت الشركات البريطانية والفرنسية والأمريكية هي اللاعب الرئيس في الساحة الليبية ، وخرجت روسيا خالية الوفاض من زوبعة الفوضى المفتعلة ، بغية إعادة ترتيب مصالح الغرب في العالم العربي .
ما زالت أمريكا تواجه صعوبات اقتصادية جمة ، لا يمكن إنكارها ، بالرغم من ان اقتصادها يعد أكبر اقتصاد في العالم ، وهذه الصعوبات تعود أسبابها الى المنافسة الشديدة التي تتهدده من قبل العملاق الاقتصادي الكبير ” الصين ” ومنافسة البضائع الصينية للأمريكية في عقر دارها ، اذ لجأت إدارة “دونالد ترامب” الى فرض عقوبات أمريكية على الشركة الصينية ” هواوي ” ومنعت الشركات الأمريكية من استخدام تكنولوجيا “هواوي” الصينية لما تراه من خطر على الأمن القومي، في دلالة واضحة على اتساع فجوة الخلاف الأمريكي الصيني يوما اثر يوم .
كما تحاول أمريكا تأزيم المنطقة من خلال التلويح بأخذها الى ساحة جديدة من الحروب والنزاعات ، كأحد الخيارات التي تفكر بها لضمان هيمنتها المتفردة على العالم ، وذلك من خلال محاولتها السيطرة على العالم ومنع الصين من الحصول على حاجتها من النفط وتعزيز استثماراتها في الخليج العربي ، إلا ان أمريكا بتصرفها الأرعن ، الفاقد للسيطرة على زمام الحسابات السياسية ، وتوقع ردات الفعل المحتملة لمثل تلك التصرفات ، يبدو أنها ستصل الى طريق مسدود يسرع بانهيار اقتصادها .
فالصين لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء ما يحدث من تقسيمات ومحاولات للسيطرة على المنطقة وإعاقة مصالحها ، ونذكر بمصالح الصين في الخليج العربي بعد أن وقعت دولة الكويت اتفاقا مع الصين للاستثمار في جزيرتي فيلكا وبوبيان لمدة 99 سنة تصل الى نحو 400 مليار دولار من خلال إنشاء جامعات و مستشفيات ومدارس ومراكز تجارية وفنادق ومرافق صحية ومصارف ومؤسسات استثمارية .
كما اشترطت الكويت على الصين إيداع وديعة بقيمة 50 مليار دولار كقيمة متجددة لحساب الحكومة الكويتية ودفع 40مليار دولار لمدينة الحرير” المستقبلية ” الكويتية لجعلها المركز المالي في العالم العربي ، في مقابل حماية الجزيرتين أمنيا واستراتيجيا من قبل الصين .
الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت والمستجدات والتغييرات ، لا سيما أن الإدارة الأمريكية تصر على تصفية القضية الفلسطينية وعدم إعطاء الشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته المستقلة وذات السيادة ،مدعومة من قبل بعض الأنظمة العربية التي أعلنت في أكثر من مناسبة ان الكيان الصهيوني لم يعد هو العدو الأول للعالم العربي .
الا ان الحسابات الأمريكية تواجه بتحديات صعبة ، ومواجهات شرسة من قبل الأنقياء في المنطقة ، وداعميهم ، المؤمنين بضرورة استمرار المقاومة للوصول الى الحق المشروع وإنهاء أطول احتلال في تاريخ البشرية من جهة ، ومن قبل الدول العالمية الصاعدة التي أرهقتها الرعونة الأمريكية وتصرفاتها الوقحة في المنطقة والعالم أجمع من جهة ثانية ،الأمر الذي يستدعي من الأمريكان التفكير بخيارات أخرى للخروج من حالة العناد التي تتلبسهم والتفكير بإمكانية تقاسم مناطق النفوذ والتخلي عن الهيمنة المتفردة .