صفية السهيل تُعرب الجملة العراقية بتفوق

عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب-
على شرف مؤيد اللامي نقيب الصحفيين العراقيين ورفاقه من الصحفيين وشخصيات عراقية أخرى ذات مسؤولية في الإعلام ومجلس النواب من سادة وسيدات ،أولمت سفيرة العراق المميزة السيدة صفية السهيل ..
الحفل حضره وزراء أردنيون .. وزيرة الاعلام السيدة جمانة غنيمات ووزير الشباب والثقافة الدكتور محمد ابو رمان والذين أثرت فيهم وربما أسرتهم كرما كلمات السفيرة العراقية التي انبرت إلى خطابة جميلة الالفاظ وعميقة الدلالات وهي تتحدث عن أحب الموضوعات إلى نفسها كما قالت وهي العلاقات العراقية الأردنية.
السيدة صفية التي كانت نائبا في مجلس النواب العراقي وكذلك زوجها “بختيار” كانا توأما سياسيا متميزا ، وأعتقد أن مجلس النواب العراقي افتقد لصولات السفيرة وجولاتها حين كانت فيه قبل أن تنتقل إلى سفارتها في عمّان لتبني مداميك صلبة وعالية في العلاقات البينية .
لقد أحسنت الحكومة العراقية حين اختارتها سفيرة للعراق في الأردن ، كما أحسنت هي الخيار وأعتقد أنه لو عرض عليها غير الأردن بداية لما قبلت ولبقيت في مجلس النواب أو مواقع عراقية أخرى تليق بها ، لكن أن تخدم في الأردن وأن تعمق العلاقات بين البلدين كان ما أغراها فهي أردنية في هواها منذ كانت صغيرة مع والدها اللاجئ السياسي العراقي المعروف والذي عاش في عمّان في سنوات التسعينيات وربما قبل ذلك، وأعتقد أنه حمل الجنسية الأردنية قبل أن تغتاله يد الغدر في بيروت ضمن حملة استهدفت المعارضين البارزين العراقيين.
تحمل السيدة السفيرة صفية للأردن إحساسا عميقا من الوفاء وترى في نظامه السياسي الهاشمي نموذجا تذكر به حين حكم الهاشميون في العراق، وقد بنوا انجازين متميزين هما الدولة المدنية العراقية التي بناها فيصل الأول والتي ضمنت المشاركة لكل الوان الطيف العراقي المذهبي والإثني دون أن تقع في فخ الطائفية، فلم يكن أحد يعلم عن الهوية الطائفية لنور السعيد أو غيره من رؤساء الوزارات أو المسؤولين العراقيين الكبار الذين تقلدوا هذا المنصب، كما لم يكن أحد يعلم الهوية الطائفية أو الإثنية لرئيس مجلس النواب العراقي في العهد الفيصلي ، ولا حتى لقائد الجيش أو بقية المسؤولين الكبار .
أما الانجاز الثاني للدولة المدنية العراقية وهو الاسم الذي دائما تكرره السفيرة السيدة صفية ولا تمل من تكراره فهو تأسيس الجيش العراقي، وهو الجيش الممتد منذ التأسيس عام 1921 وحتى اليوم وما زال العراقيون يحتفون به ويجلونه وقد تشرفت أن حضرت واحدة من مناسباته.
ما زال الجيش العراقي الباسل يسجل اسمه كرافعة وطنية في الدفاع عن العراق، وقد رأيناه مقاتلا شرسا في الدفاع عن الموصل ومدن عراقية أخرى أمام هجمات الارهاب الأسود لداعش والقوى الأخرى المتدخلة ضد السيادة العراقية.
هذا الجيش هو نفسه الذي استشهد منه ضباط ومقاتلون على ثرى فلسطين، فالعراقيون دائمي الاعتزاز بدورهم في القضية الفلسطينية وما زالت قبورهم وأضرحتهم شاهدة على ذلك في جنين وقلقيلية ومواقع أخرى، وما زالت القدس أولى قبلاتهم وهي في وجدانهم عقيدة دينية وقومية لا يبرحون ذكرها وترديد اسمها على السنتهم ، والعراقي لا يقبل المهادنة أو أن يشرك بحق الفلسطينيين في القدس وفلسطين أحداً.
استمعت إلى كلمات السفيرة بتأثر فقد كانت كلماتها نابعة من القلب وإلى القلوب المؤمنة ، وكانت واثقة من أن العراق المجروح قد شفي وأن دوره التاريخي ما زال قائما ومستمرا، وأن لا أحد يستطيع أن يصادر هذا الدور مهما كانت أشكال التآمر ومحاولات الطمس أو التغيير، فقد ظل الدور بارزا في التاريخ منذ حمورابي حين علم العراق العالم التشريع والديموقراطية ، وإلى اليوم حيث يستعيد العراق ديموقراطيته وقد تدرب على الذهاب إلى صناديق الاقتراع و إلى الاحتكام لها وإلى تقدير المواطنة وقبولها كقاسم مشترك أعظم للعراقيين جميعا.
لقد تعلمنا على يد العراقيين في التراث القديم حين قرأنا نحو البصرة والكوفة . وحين توقفت كتب تراثنا عند العراق وساحته ليشكل معظم ما كتب فيها، وقد ظل هذا الامتداد وبقينا نتعلم الشعر العربي الحديث ونستمتع به من نازك الملائكة وبدر شاكر السياب ومن محمد مهدي الجواهري وعبد الوهاب البياتي وغيرهم العشرات ومن كتاب الرواية والأدب والنحت والموسيقى والغناء.
لقد ظل العراق العظيم الذي تمثله صفية السهيل في الأردن ينساب ليشكل جزءا أساسا من الهوية العربية التي كانت تصبح شاحبة حين يبتعد العراق أو حين تفتقده الهوية، وتصبح خصراء يانعة حين يصب العراق فيها ويعطيها الحيوية.
واليوم تعود الأمة للعراق أو يعود العراق لأمته بعد امتحان ومحنة دفع العراقيون فيه الكثير ولكنهم خرجوا أصلب عوداً وأشد عزيمة وأمضى هدفا في إعادة “بروسيا العرب” إلى الخريطة .
فالعراق لا يجوع فيها أحد ولا يعرى وهو الواقع بين نهرين عظيمين خالدين والذي يضم سواد العراق الذي بشر بها الاسلام لتكون بغداد عاصمته حين كانت تحكم من اسبانيا إلى الصين وحين كانت دار الحكمة في زمن المأمون تترجم شعر ارسطو وتعلم العالم الفلك واستخدام الإسطر لاب وحين وصلت بعلماء الكيمياء فيه محاولاتهم تحويل المعادن الخسيسة إلى ثمينة …
كان ذلك العراق الذي بنى اسمه من الحدائق المعلقة ومن مسلة حمورابي ومن انتصارات نبوخذ نصر ومن اختراع أول كتابة وأول حروف وبناء اعرق حضارة عرفت بحضارات ما بين النهرين…
في صفية اختصار لكل هذا وخلاصة لهذا وهي حين تتكلم لنا عن العراق ودوره وأهميته فإنما تفتح لنا صفحات التاريخ وتذكرنا بها وهي تثق أن الأجيال العراقية الطالعة اليوم والتي طردت ذباب داعش عن مأقي العراقيين ليبصروا أحوالهم ويبشروا الأمة كلها بما بشرت به زرقاء اليمامة…
حين تقول ذلك في كلماتها فإن السفيرة تستند إلى جدار من الصلابة وإلى مجد لا يمكن زحزحته أو طمسه…
عراق اليوم الجديد واعد ومحاولات تزويره لن تصمد لأن شمس العراق لا تغطى بغربال ولا بد لها أن تسطع مجددا كما سطعت في التاريخ….
العراق اليوم تلميذ نجيب للديمقراطية الجديدة التي بدأ يتعلمها ويتفوق ، وها هي مؤسساته البرلمانية والرئاسية والسيادية الأخرى تقول بذلك وتمثل ذلك وتدعو إلى ذلك…
رأيت وقائع الجلسات في البرلمان ورأيت كيف فاز الشاب المتقد حيوية (محمد الحلبوسي) رئيس مجلس النواب ، ورأيت أول تداول للسلطة في العالم العربي المعاصر في العراق … ورأيت كيف تحكم صناديق الاقتراع وكيف يخرج منها القرار…
لقد دفع العراق ثمناً باهظاً باسم شعارات كثيرة واهداف عديدة ولكنه في النهاية وصل ليقول:”لا” للدكتاتورية واحتكار السلطة و”نعم” لتداول السلطة والانفتاح والتغيير والتقدم …وإذا كانت المسيرة العراقية قد اعتراها بعض الظواهر السلبية في الطائفية والمحاصصة من تلك البذور التي زرعها بريمر ومجلس الحكم فإن الجسم العراقي سينظف ذلك ويلفظ ذلك مع الوقت وسيتجدد هذا الجسم بإرادة العراقيين الجامعة الواحدة ….
ما دعت له السفيرة صفية في حفل الغداء وما استمعت إليه كله يصلح أن يكون برنامجاً للعلاقات المشتركة، فهناك مشاريع عديدة ذكرتها مثل أنبوب النفط بين البلدين وهناك تعاون واسع في التجارة البينية وفي الاستشارات القانونية وفي بناء المدن الحرة على الحدود وهناك لجان يجري تفعيلها وبروتوكولات يجري نفض الغبار عنها وفتح ملفاتها…
فقد جاءت صفية وصفية العراق اليوم غير صفية مصر التي خاطبها سعد زغلول وهو يقول: “مافيش فايدة يا صفية” أما السفيرة فتقول: ” أكو فايدة” …
وهي تعمل من أجل ذلك وتبشرنا ونحن نتناول وجبة الغداء ونحتفل مع ضيوفنا العراقيين بزيارة جلالة الملك للعراق ومبادرته العظيمة التي جمعت ثلاث رؤوس عربية مجدداً, حين دعا القادة من الأردن والعراق ومصر لتنسيق اقتصادي وتجاري سيكون له ما بعده, وسيشكل رافعة تعيد بناء الثقة وتشكل بداية لتكامل عربي …
لقد ظل العراق يحمل أشقاءه العرب وهو لن يتوقف للعتاب أو الملاومة بل سيمضي لما ظل يعتقد به وهو يعيد بناء المنعة العراقية …
السفيرة بشرت بمشاريع عديدة كفيلة بأن تخرج الأردن من حالة العوز والضنك وركام البطالة إلى برّ الوفرة والرفاه… كما عمل الأردن وما زال يعمل ليكون العراق أكثر استقرار ومنعة وصلابة للوقوف في وجه التحديات ..فلم يسجل على الأردن كما ذكرت سعادة السفيرة أي تدخل في شؤون العراق الداخلية حين كثرت عليه السكاكين وزادت التدخلات في شؤونه في السنوات الصعبة الماضية وقبل أن يستشرف السلامة ويمتلك زمام أمره ويبدأ في مبادراته…
أسجل للسيدة السفيرة التقدير الكبير وأعتقد أن ما أشاعته في الصحفيين والمستضيفين والمسؤولين الحاضرين يعيد كثيراً من الأمل والتفاؤل ويحمل الأطراف الحاضرة وخاصة الصحفيين والكُتاب مسؤولية ودوراً في تأكيد أهمية العلاقة بين البلدين( العراق والأردن) وفي انتشال بلدينا من كل ما علق بهما من أعراض ما كان لها ان تكون لو كان مثل هذا النفس والمواقف التي أطلقتها السفيرة صفية قائمة ومعمولاً بها…
تستحق السفيرة العراقية التكريم والتقدير فقد أعادت رسم صورة العراق صورة الأمل ونموذج الأمة القادم الذي نضع الآن تجربته الجديدة برسم استخدام أمته لتستلهم منها الكثير..

Related posts

عقدٌ من الابتكار.. زين تحتفل بمرور 10 أعوام على تأسيس منصّتها للإبداع (ZINC)

السفير الأذري يشيد بمستوى التطور الذي حققته مدينة عمّان

الفايز يلتقي السفير السعودي لدى المملكة