كُلما ذهبت إلى قطاع غزة الحبيب تتعززت قناعتي بأن الشعب الفلسطيني لم ولن تكسره النكبات وسيبقى على عهد الشهداء بالحرية والعودة والاستقلال لأن غزة هي نبع المقاومة وشلال العطاء وعنوان القضية بعد القدس عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة، فلا دولة في غزة ولا دولة بدون غزة.
لم أجد من الكلمات ما أعبر به عن مشاعري حين وصلت إلى قطاع غزة المحاصر والمستهدف من كل أعداء الشعب الفلسطيني، والمكلوم بالفقر والبطالة، تراى أبنائه رغم النكبات تمتلئ انفسهم بالعزة والكرامة، قابضين على الجمر من أجل فلسطين، يمتلؤن بالحياة رغم الموت المحدق بهم في كل لحظة، هنا غزة العزة غزة هاشم وغزة الشهيد القائد ياسر عرفات والشهيد الشيخ أحمد ياسين، هنا غزة الشهداء والتضحيات.
غزة شقيقة البحر ليست خارج التاريخ ولا خارج الجغرافيا، فهي الأصل والأساس، تجد فيها كل مفردات الحياة والابداع، فرغم الحصار الخانق تبهرك المبادرات الشبابية في كل المجالات العلمية والاجتماعية والثقافية والفنية، ويبهرك حب العلم والتعلم رغم انسداد أسواق العمل وارتفاع نسب البطالة بشكل خيالي وانخفاض قيمة الدخل إلا أن الشباب لديه إصرار كبير على تحدي الحاضر لرسم المستقبل الذي يليق بنضالات وتضحيات هذا الجزء الأصيل من الشعب الفلسطيني.
علينا مسؤوليات كبيرة تجاه قطاع غزة فالمشروع الوطني لا يمكن أن يكون بدون غزة ولا يمكن أن تكون غزة خارج المشروع الوطني وهذا يتطلب إنهاء الانقسام كحتمية وأولوية للسير قدما نحو الاتفاق على برنامج سياسي جامع تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد والهوية الجامعة لكل مكونات الشعب الفلسطيني.
إن العمل الآن على إنهاء الانقسام لا تفرضه فقط المصلحة الوطنية العليا بل أيضا الضرورة السياسية لمواجهة ما يسمى بصفقة القرن التي تُنذر بما هو أسوء من نكبة العام 1948، ولا يمكن الوقوف بوجهها إلا في حال أن كان الشعب الفلسطيني موحد، نحن بحاجة الآن إلى الوحدة فهي أساس العودة وأساس لتحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني فلنعمل على استنهاض مكنوناتنا الداخلية والاتفاق على برنامج وطني تحرري يتم العمل على تجسيده عبر خطة واضحة المعالم، تخضع لتقيم دوري، وتحوي على بدائل وخيارات وتعتمد على الفعل وليس ردات الفعل، أساسها أننا جميعا في خندق واحد (الشراكة الفعلية) وأننا جميعا مستهدفون.
وحقا أن الكل يدرك بأننا مستهدفون، لقد سمعت،- أثناء وجودي في غزة هاشم-، من كافة مكونات العمل الوطني والإسلامي ومن قطاعات واسعة من المجتمع المدني والأكادميين بأن إنهاء الانقسام ضرورة، وهو أمر مقدور عليه إذا ما كان هناك إرادة سياسية لدى الأطراف، مشيرين في ذات الوقت بأن الحاجة إلى تحرك شعبي في فلسطين والشتات للضغط بإتجاه خلق هذه الإرادة. ولا شك أيضا بأن الأشقاء المصريين لديهم العزيمة والأصرار على إنهاء هذا الملف، فالوفد الأمني المصري يعمل على مدار الساعة لإعادة اللُحمة وطي صفحة الإنقسام، وهذا ما لمسته خلال لقائي معهم.
الآن وفي ظل تردي الاوضاع الداخلية، وفي ظل انسداد أفق أي حل سياسي يحفظ ويحافظ على الحد الأدنى للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بسبب تعنت وإمعان الحكومة الإسرائيلية في الاستيطان ومصادرة الأراضي وتهويد القدس واستمرار الاعتقالات والاغتيالات بما يتنافى وأبسط قواعد حقوق الإنسان ومبادئ الشرعية الدولية، بالإضافة إلى الدعم الأمريكي السياسي والمالي اللامحدود ومحاولات تمرير وفرض ما يسمى بصفقة القرن، فإن علينا واجب مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه مشروعنا الوطني وهذا يبدأ بإنهاء الانقسام والاتفاق على برنامج سياسي والذهاب إلى تجديد الشرعيات عبر صناديق الاقتراع، هذا الطريق الوحيد لنعيد غزة ذات الحضن الدافئ إلى صدر الوطن.