(سيماهم في حروفهم) للكاتبة (سارة أبو مرجوب) بقلم القاص أحمد أبو حليوة

عروبة الإخباري – أن تكتب يعني أنك موجود، وتريد من خلال حروفك أن تشي بسيماك ككاتب أو كاتبة، لاسيما أنك ابن أو ابنة لأمة ابتدأت رسالتها بكلمة “اقرأ”.
الكتابة فن تلخيص الذات والآخر والبوح بالكثير، خاصة عندما يتأتى لصاحبها سعة الاطلاع وعمق التجربة، فتندغم هذه المكونات معاً لتقدم تجربة أدبية فريدة هنا أو هناك.
بالتالي يصبح الحرف المؤشر والسمة لهذا أو تلك، وعندما يتعلق الأمر بكتاب نصي أدبي لا شعري ولا قصصي، فهو يختار لنفسه بداية التحليق بعيداً عن ضوابط التجنيس الأدبي، لما للشعر مثلاً من ضوابط تتعلق بداية بالامتثال لإيقاع البحر الشعري في عموده أو تفعيلته، هذا بالنسبة للشعر وأما القصة والرواية فلها مكوناتها أيضاً المتمثلة بعناصرها من شخوص وزمان ومكان وحدث وحبكة وعقدة وغيرها من مواد أولية تدخل في نسيج هذا العالم.
الكاتبة سارة أبو مرجوب في كتابها الموسوم ب”سيماهم في حروفهم” تختار الابتعاد عن العوالم الشعرية أو القصصية أو الروائية، لتكتب حرفها بصدق ودفء في تجربتها الأولى النصية التي لا شك فيها جماليات البدايات وعفويتها ورغبتها بالبوح، فها هي تهدي الكتاب لروح والدها الطاهرة بقولها: “يا أبي كم تمنيت أن تكون هنا وتقرأ اسم ابنتك سارة بين أسماء الأدباء وتبارك لي بمولودي الأدبي الأول، فأنا وقلمي لا نقول لك إلا أنك قلب مازال ينبض فينا حتى بعد رحيلك، وحروفي عاجزة بحضور طيفك وهو يمر بي ويهدهد على ألمي، ويهمس لي أنا معك وأراك.. لا تقلقي” وكما هي روح الأب رحمه الله حاضرة في مطلع الإهداء، فدفء الشمس وإن غابت ساعة غروب، لا يكتمل إلى ببهجة سطوع ضوء القمر بدراً ساعة سهر وسمر، ولذا كان لابد من ورود ذكر الأم أطال الله عمرها في الإهداء الذي تقول فيه سارة: “لك يا أمي.. فقلبك عقد ياسمين كلما نبض فاح عطره، لم يعد يكفيني الوقت لأكتب عنك من نور عينيك وتضحياتك.. رسمتِ لي كل ما أحتاجه لأقول أنا هنا” وها أنت يا سارة هنا، بل ها نحن جميعاً من أجلك كلنا ها هنا، نحتفي وإياك بمولودك الأول الذي أسميته “سيماهم في حروفهم”.
وتظهر الأم في نصوص أخرى من مثل “وصية الرحمن” ، كما تظهر هي والأب في موضع آخر “فردوس الأرض” وكذلك الجدة في نص “جدتي”، وفي ذلك تأكيد لأثر البعد الأسري في هذا الكتاب كما الحياة، ومن الأم الصغرى أي الحقيقية، إلى الاستهلال في الفصل الأول بالأم الكبرى “فلسطين الأم”، وهذا يؤكد البعد الوطني الحاضر للكاتبة اللاجئة، وهي التي تحدثت بحروف عذبة عن الوطن وأرض الأجداد في تأكيد واضح على أن الأحفاد لا ينسون، وإن كان الأجداد يموتون، والبعد الوطني جلي في عناوين هذا الفصل من مثل: “ناي فلسطين” و”حلم القدس” و”قريتي”، وفي هذا تطرّق للوطن بلداً ومدينة وقرية، بالإضافة إلى عنوان آخر يطالعنا وهو “انتفاضة الحجارة” عنوان مباشر، لكنّه يخفي تورية تطالعنا فيها هذه العبارة في النص: “اندلعت انتفاضة حزني المصاب بالأرق، فعلق قلمي بحنجرة حروفي، ومات حبري على الورق”، وهنا نلحظ الاهتمام بالمحسنات البديعية من مثل الجناس الناقص بين كلمتي (الأرق والورق)، بالإضافة إلى جمال التشبيه والصورة الفنية في قولها (حنجرة حروفي)، إضافة إلى الرسم بالكلمات كما في المشهدية الذي ظهرت في عدة نصوص من مثل: “حمى الغيباب” و “ما بين السطور” و”نسمات عابرة” وذلك على سبيل الذكر لا الحصر.
ومن فصل واثق الفكرة إلى فصل آخر تتبعثر فيه الحروف تحت عنوان “بعثرات” وهو الفصل الثاني الذي احتوى عناوين غريبة من مثل “كان وأخواتها” و”باب الماضي”، بل إن نص لغة العيون القصير مليء بمصطلحات نحوية صريحة من مثل: “خبر مبتدأ هيامي”ولام تعليل لدهشتي”، وكذلك قولها في ذات النص: “انا أداة شرط للقاء، وحروف أعطف بها على نبض الفؤاد، وفعل أمر يروي ظمأ الحب ببقاء المحبوب في المكان”، إضافة إلى نص آخر هو “نشرة المزاج” تحسن فيه توظيف أسلوب النشرات الجوية بشكل أدبي ظريف.
ورغم أن الكتاب حافل بالنصوص إلا أن بعضها قارب القصة القصيرة من مثل نص “اشتياق” ونص “مع الحسون” و”بقايا أنثى” و”في جعبتي حكاية” وكذلك نص “مشاعر مبعثرة” الدسم الانزياحات اللغوية، وهذا كله إن دلّ على شيء، فيدل على وجود بذرة الموهبة القصصية عند الكاتبة الشابة الواعدة سارة أبو مرجوب، كما احتوت نصوصها الأخرى وعظاً وإرشاداً وحكماً عديدة وردت على شكل ومضات، مع الاستفادة من الموروث الديني كما في نص “الله أكبر” و”نخل الغرام”.
والجميل في كتاب “سيماهم في حروفهم” أن مؤلفته تعيد تعريف الأشياء وفق رؤيتها لها من مثل قولها: “قلوب الأمهات توليفة من التوليب مع كل نبضة تزهر بلون جديد”، وتقول في موضع ثانٍ: “الوحدة لص يسرق بهجة عمرنا”، وتعرّف الدمع بقولها: “بوح آخر حين يموت الكلام”.
في الفصل الثالث والأخير من الكتاب تكتب الأنثى الكاتبة بعض يومياتها وبقاياها متوقفة عند الأطلال، وهي ترتشف أضغاث القهوة مع قطعة سكر، وتؤلف لنفسها وصفة وقصة وحكمة وبرقية قلبية، تكتبها على منصة الحبر وعلى وقع ناقوس الطرب بلسان الحياة، خاتمة رحلة حروفها برسالة أمل.
وأخيراً أقول: هذه هي سارة تسري بنا من خلال سيماها وحروفها في رحلة من التعبير والعبير بين ضفتي كتابها، الذي يظهر جرأتها وصدقأها ودفأها ولطفها في تقديم تجربتها منشورة على صفحات الورق، أملين المضي قدماً في عالم الكتابة بشكل أكثر احترافية وعمقاً، وهذا لابد سوف يتأتى لها بمرور السنين، وتكدس القراءة والكتابة في فكر هذه الكاتبة الطموحة، وتكاثف التجارب على تضاريس جسدها الغض، متمنين لها المزيد من النجاح والتوفيق في خطاها القادمة، مباركين لها هذه الخطوة الجادة والجميلة.

شاهد أيضاً

الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية في أمسية سيمفونيّة بدعوة من الكونسرفتوار وسفارة النمسا

عروبة الإخباري – بدعوة من رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى المؤلفة الموسيقية هبة القواس،  وسفير …