رفع الرئيس الأمريكي ترامب شعار ” أمريكا أولا ” الذي اختلف المحللون حول تفسير مفهومه عبر ما بين :
—- الانكفاء داخليا والاهتمام بتعزيز وتطوير القدرات والامكانيات الأمريكية الاقتصادية والعسكرية والسياسة وغيرها دون الانخراط المباشر في القضايا العالمية طالما أن لا خطر على مصالحها ( وهذا كان الأقل احتمالا إن لم يكن مستبعدا ) .
—- العمل على فرض المصالح الأمريكية ” وفق مفهومه ” السياسية والاقتصادية على مختلف دول العالم بالترغيب أو الترهيب دون التمييز بين الحلفاء والأصدقاء والخصوم على حد سواء (وهذا ما كان مرجحا ) .
هذا الشعار اصطدم على ارض الواقع بعدد من التحديات والعقبات والعراقيل من قوى داخلية و” من قبل بعض الحلفاء والأصدقاء التاريخيين والتقليديين” مما أدى إلى فشل ذريع لشعاره خاصة على صعيد السياسة الخارجية.
لقد تميزت حقبة ترامب بالسادية والعنجهية والانقلاب على سياسات وقرارات إدارات أمريكية سابقة كما تميزت بالانقلاب على ميثاق الأمم المتحدة وعلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعلى كافة العهود والمواثيق الدولية مما افقد امريكا ما بقي لديها من مصداقية كدولة دائمة العضوية بمجلس الامن يقع على كاهلها مسؤولية كفالة وترسيخ الأمن والسلم العالمي.
خلافا لذلك عمدت ادارة ترامب إلى ضرب عرض الحائط بميثاق الأمم المتحدة وأهدافها كما عملت على تقويض الأمن والسلم العالمي بوسائل شتى منها الإقرار والاعتراف بنتائج الحروب والعدوان والاحتلال كحقيقة وأمر واقع تسعى لفرضه وترسيخه طالما أنه يخدم مصالحها وما موقف الرئيس الأمريكي ترامب وإدارته من القضية الفلسطينية وانحيازه الأعمى لدولة الاحتلال والعدوان والعنصرية إلا نموذجا لذلك.
هذا يقودنا إلى الرؤية التامرية للثنائي نتنياهو وترامب التي تحمل عنوان صفقة القرن والهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية وتنصيب الكيان الصهيوني العنصري شرطيا بل زعيما على العالم العربي مستثمرا مرحلة الضعف والتشرذم والنزاعات التي تعصف بالموقف الرسمي العربي.
فالرئيس الأمريكي ترامب يتمنى ويحلم بتخليد اسمه كزعيم أمريكي يميزه عن باقي الرؤساء السابقين بإنجاز صفقة تنهي الصراع العربي الإسرائيلي بأي شكل من الأشكال.
ولكن الواقع يقول أنه بقراره الاعتراف بالسيادة الصهيونية على القدس ونقل السفارة اليها أضاع على نفسه الفرصة الذهبية بتحقيق حلمه وذلك عائد لعدد من العوامل منها :
أولا : الجهل او التجاهل بالتاريخ العربي والإسلامي وبحقائقه القومية والدينية والسكانية.
ثانيا : السيطرة على تفكيره من خلال طاقم مارس نفوذه و ” سطوته” على قراراته بواسطة عملية تنويم مغناطيسي لم يعد يرى إلا ما يملى عليه ” عبر التأثير المغناطيسي ” من قبل نتنياهو وأدواته في البيت الأبيض.
ثالثا : التعامل مع القضية الفلسطينية من منظور موازين القوة والهيمنة العسكرية والاقتصادية التي تميل لصالح الكيان الصهيوني العنصري بفضل الدعم الامريكي اللامحدود وخاصة في عهد الإدارة الحالية برئاسة ترامب.
رابعا : الإحتكام إلى نتائج العدوان وإقصاء كافة القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية منذ اربعينات القرن الماضي.
ولكن يبقى سؤال وتساؤل هل انتهت آمال ترامب بامكانية تخليد اسمه في التاريخ كقائد وزعيم يحترم الحق وينبذ حق القوة ؟ أم أن هناك نافذة لم تزل مفتوحة تمنحه املا لتحقيق حلمه ؟
بالتأكيد النافذة بل الأبواب مشرعة أمامه في حال توفر العوامل التالية :
—- إذا ما تحرر من تأثير وهيمنة وسطوة مجرم الحرب نتنياهو وزمرته .
—- إذا ما تحرر من عقدة الغرور والعليائية التي يعاني منها ظانا أن بإمكانه فرض ما يريد أنما يريد.
—- أن يمارس نفوذه وقدراته كرئيس لدولة عظمى تحترم نفسها أولا كما تلتزم بميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر إحتلال أراض دولة آخرى بالقوة.
—- العمل جنبا إلى جنب مع المجتمع الدولي للضغط على دولة الاحتلال الصهيوني للالتزام بميثاق وقرارات الامم المتحدة ولتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية وخاصة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 الذي يوجب على المجتمع الدولي تمكين الشعب الفلسطيني من اقامة دولته المستقلة على المساحة المنصوص عليها بالقرار المذكور بدءأ بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 القاضي بإنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ عدوان حزيران 1967.
أما في حال إمعانه بالمضي” خلال ما تبقى له من رئاسته ” قدما بسياسته المنحازة للعدوان وللارهاب الذي تمارسه الدول والإحتلال الإسرائيلي العنوان لذلك ودون مراعاة للحقوق الاساسية للشعب الفلسطيني فإنه بذلك يخسر فرصة ذهبية آخرى.
ترامب اذن يقف إمام خيارين :
الاول : السير نحو الإنتصار إلى الحق الفلسطيني عنوان الحقوق العربية احتراما وتنفيذا للعهود والمواثيق الدولية فهذا السبيل الوحيد إلى تحقيق طموحه وحلمه التاريخي.
الثاني : المضي في سياسة دعم العدوان ومكافأة المعتدين وحرمان الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه بتقرير المصير واقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس خدمة للحركة الصهيونية ولقيادتها اليمينية الاكثر عنصرية وتطرفا.
فالخيار الأول يمكنه من ولوج التاريخ كقائد تاريخي والخيار الثاني سيبقيه في السجل التقليدي للرؤساء الأمريكيين بأحسن الأحوال إن لم يكن يسجل كأول رئيس امريكي ينقلب على قرارات من سبقه وعلى تعهدات والتزامات الولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي الايذان بمرحلة انحدارها.
إرادة الشعب الفلسطيني طليعة الشعب العربي بالنضال حتى تحرير وطنه واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وبالتفاف شعبي ودعم عربي وعالمي من أنصار الحرية ومناهضة الاستعمار لن تلين مهما بلغت حجم المؤامرات.
حتمية التاريخ أن العدوان والاحتلال إلى زوال مهما طال الزمن. ……؟ !