عروبة الإخباري – أحمد أبو حليوة “مدير ومؤسس البيت الأدبي للثقافة والفنون –
قبل شهور اتصلت بي والدتها وأخبرتني أنها سمعتْ عني وعن البيت الأدبي للثقافة والفنون من أحد الجيران لي، وتريد أن تقيم لابنتها ابنة الاثنين وعشرين عاماً معرضاً فنياً تشكيلياً عندي، فقلت لها أرسلي لي على الواتس صور لوحاتها، وفعلتْ ذلك بالفعل، ولكن اللوحات كانت دون المستوى الفني المطلوب بالنسبة لي، مع ملاحظتي لوجود الموهبة ولكن في مراحلها الأولية، فقلت لها: إنها بحاجة إلى مزيد من التدريب والتطور ولابد لها من دورات تأخذها عند أساتذة مختصين في تعليم الرسم في أماكن خاصة بذلك من مثل المرسم الجوال عند الأستاذ الفنان التشكيلي القدير خالد البدور أو في جمعية الفن التشكيلي في الزرقاء عند الأستاذ أمين الدومي، ولكني فوجئت بردها بأنّ ربى مقعدة، وعندها غاب المستوى الفني وتعملق المنسوب الإنساني في داخلي كونه الأقرب إلى قلبي دوماً والخبير به عمراً.
وجدت نفسي أوافق على إقامة معرض فني تشكيلي لها، وبما أنّ رسوماتها كانت مرسومة بشكل بدائي على دفتر رسم صغير، فأوضحت لأمها أن المعرض سيقام لابنتها لمرة واحدة في العمر، حسب نظام البيت الأدبي للثقافة والفنون، وأنني أوافق على إقامة معرض لها بشرط نقل رسوماتها على كرتون خاص بالرسم حتى أتمكن على الأقل من عرض لوحاتها بالمقاس المقبول نوعاً ما والوضعية الأمثل على الأقل، وغاب الأمر عدة شهور قبل أن تعاود الأم الاتصال بي نهاية العام الماضي، حيث أخبرتني أن ربى أصبح عندها سبع لوحات جاهزة، فقلت لها: وفق نظام البيت الأدبي للثقافة والفنون هي بحاجة إلى عشر، ويمكننا في الشهر الثاني أو الثالث من عام ٢٠١٩ أن نقيم لها معرضاً عندما تحضر العدد المطلوب، وبالفعل شرعت ربى برسم لوحة ثامنة إلا أن يد الموت كانت أقرب منها، حيث اختطفتها منا إثر جلطة قلبية حادة ومفاجئة وقاتلة قبل شهرين مطلع هذه السنة، أودت بحياتها وحلمها بأن يقام لها معرض فني تشكيلي، وكم فجعتُ عندما وصلتني رسالة على الواتس من والدتها بأن ربى انتقلت إلى رحمة الله تعالى.
بادرت الاتصال بوالدتها وتعزيتها وسؤالها عن ربى إذا ما ماتت وهي غاضبة مني كوني أجّلت معرضها حتى تكمل عشر لوحات فنية، ولكنها خففت من حزني وتأنيبي لنفسي حين أكدتْ لي بأن ربى سُرَّتْ بالتأجيل لأنّها أرادت أن ترسم المزيد من اللوحات.
قبل شهر ونيف خططتُ مع والدتها لإقامة معرض للمرحومة ربى ووافقتْ، وفي اللحظات الأخيرة اعتذرت الأم بسبب وعكة صحية ألمت بها، ولكن دون وجود إعلان يشير إلى ذلك، فصرفتُ النظر عن الموضوع كوني قمتُ بما يتوجب علي، وعندما جاء شهر آذار الحالي كنتُ متفقاً مع فنان تشكيلي مسبقاً، وعندما اقترب الموعد ووجب علي أن أصمم الإعلان تحضيراً لخميس البيت الأدبي، تفاجأت باعتذاره يوم الإثنين، فأخذتُ أتواصل مع فنانين آخرين وفنانات، وبالفعل اتفقت مع فنانة يوم الثلاثاء ظهراً إلا أنّها اعتذرت عصراً، وبقيت أبحث عن فنان أو فنانة حتى مساء يوم الأربعاء.
عند الساعة السادسة مساءإذ لم يبقَ معي سوى أربع وعشرين ساعة فتسلل اليأس إلى قلبي رغم أني مناضل ثقافي عنيد ولا أستسلم بسهولة، وكدتُ أصمم منشوراً يتضمن ضيفاً للقاء فقط، ولكن لا يتضمن إشارة لمعرض فني تشكيلي بعد خمس عشرة عاماً من عمر البيت الأدبي للثقافة والفنون وستة أعوام من انطلاق فقرة المعارض الفنية فيه، وعندها تذكرت ربى رحمة الله عليها، وحلت هالة روحها عليّ، فاتصلت بوالدتها التي سعدتْ بمعاودة تواصلي معها لإقامة معرض فني تشكلي لابنتها، وهي لا تعلم بأن ابنتها الفنانة التشكيلية الشابة المرحومة أنقذت البيت الأدبي للثقافة والفنون في الوقوع في نكسة تاريخية قد لا تشعرون بها أنتم، ولكن بالنسبة لي كان سيكون لها عظيم الأثر سلبياً طبعاً وبشكل داخلي ونفسي عميق.
انقضى اللقاء الشهري العام رقم ١٧٢ للبيت الأدبي للثقافة والفنون وأقيم (المعرض اليتيم) للفنانة التي سميتُ اللقاء باسمها (لقاء الفنانة المرحومة ربى عزام) إكراماً لروحها الطاهرة، كما خففتُ شرط العشر لوحات إلى ثماني لوحات بعدد اللوحات التي رسمتها ربى بشكل رسمي خلال حياتها القصيرة.
يذكر أنّ لقاء البيت الأدبي للثقافة والفنون المذكور سابقاً، والذي تضمن سبع عشرة مشاركة أدبية ومسرحية وموسيقية وغنائية، استهل بافتتاح معرض الفنانة التشكيلية الشابة المرحومة ربى عزام تحت عنوان “المعرض اليتيم”، وبحضور والدها ووالدتها وإخوانها الصغار، وكذلك عدد من الفنانين والمهتمين، حيث سمي اللقاء باسمها تكريماً لروحها الطاهرة كما ذكرت، وقد قُرِئَت الفاتحة على روحها وتجول الحضور بصمت في معرضها الذي اشتمل على عرض ثماني لوحات لها هي حصيلة ما رسمت خلال اثنتين وعشرين سنة هي عمرها القصير، حيث ولدت في مدينة الزرقاء بتاريخ ١٩٩٦/٧/٢٥ وتوفيت فيها بتاريخ ٢٠١٩/١/١٥ إثر جلطة قلبية حادة بعد أن عاشت طوال حياتها مقعدة، وقد قدّم أبو حليوة شهادة تقدير لوالدها إهداء لروح ابنته الطاهرة، كما قدّمت لوالدتها ابنة البيت الأدبي للثقافة والفنون وسيدة الورد القاصة لادياس سرور باقة ورد، وبقيت لوحة من لوحات الفنانة الشابة المرحومة ربى عزام كذكرى لنا جميعاً تذكرنا بها وبذاك المعرض اليتيم، وستضاف لوحتها إلى لوحات المعرض الجماعي الدائم في البيت الأدبي للثقافة والفنون، مع التذكير أن مكان جلوس الفنان أو الفنانة إلى جانبي بقي محجوزاً لروح ربى حيث استلقت هناك باقة ورد وشهادة شكر وتقدير وشعور عظيم بحجم ما لهذا الصرح الإنساني من أثر، وهو البيت الذي نبكي ونضحك ونحيا فيه حياة أخرى برمتها في ذات اللقاء.