عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب.
إلى متى سيظل شعبنا تغيب عنه حقائق مصيرية من المفترض أن يدركها وأن يعمل على مواجهة آثارها.. لا بد من طرح الأسئلة ولا بد من تقديم الأجوبة..
كيف نشأت حماس .. ومن أطلقها ووفر لها الحواضن الأولى ، نحن لا نتكلم عن الأدوات التي نفذت والأشخاص الذين قد يعلمون أو لا يعلمون . كيف كانت البداية ولماذا؟
وحتى لا أطيل ولدينا كثير من الوثائق والمعلومات، فإن حماس بدأت فكرة إسرائيلية ليست حبا في المقاومة كما يستعمل البعض الحكم على الأشياء وإنما نكاية في الحركة الوطنية الفلسطينية آنذاك وتعبيرها فتح.
كان لا بد من معالجة الحالة الفلسطينية المتعاظمة في مقاومة إسرائيل بعد عام 1967 وكان لا بد من الرد على بداية الصعود الوطني الفلسطيني بعد معركة الكرامة وتصاعد عمل المقاومة في فصائلها الوطنية والتقدمية .
الأرشيف الإسرائيلي بدأ يراجع التراث الانجليزي ثم المخططات الأميركية اللاحقة في تخصيب الإسلام السياسي وتوظيفه ، فحركة الإخوان التي ولدت في حاضنة انجليزية عام 1928 في مصر وانتشرت في الأردن وفلسطين كانت موظفة للجم التيارات الوطنية والقومية والاستقلالية.. وكان لا بد من إطلاقها لإضعاف الحركات الوطنية الناشئة، وكان المواجهة مع عبد الناصر في 1954 ومحاولة اغتياله .. وكانت عمليات إضعاف التيار الوطني والقومي والتقدمي فأرادت بريطانيا وبعدها أميركا محاربة المد الشيوعي الذي بدأ يؤثر على العالم العربي بمد مواجه وهو الإسلام السياسي والإخوان المسلمين تحديدا ، فكانت إسرائيل فطنت لذلك ، وعند احتلالها لغزة أطلقت سراح سجناء الإخوان ومكنتهم وعملت كذلك في كل مناطق احتلالها وتوجت ذلك بترخيص المركز الإسلامي في غزة حتى إذا انطلقت الانتفاضة الوطنية الأولى انطلقت حماس بموازاتها لتضع لاحقا المنافس الذي يحاول أن يموه الأهداف ويخطفها..
لا نقذف بالغيب ولا نرجم بحجارة لا يعرف رماتها، فها هي القيادات الإسرائيلية والأميركية ومصادر دراسات وأبحاث وصحف ودوائر واستخبارات تقول أن حماس ذات منشأ إسرائيلي وأنها فكرة أطلقت وباركتها الولايات المتحدة وأثار إطلاقها جدل إسرائيلي بين مؤيد ومعارض.
إسرائيل أعطت كل الفرص للإخوان ثم لحماس لتقويض الحركة الوطنية .. لقد أعطت الضوء الأخضر لتأسيس ودعم حماس ..
ومدير المخابرات الـ CIA مارتا تيسلر يقول نعرف أن إسرائيل أطلقت الحركة ووفرت حاضنة لها لمواجهة الحركة الوطنية على قاعدة التخلص من منظمة التحرير وفتح .. والمساندة بدأت منذ السبعينيات.. لقد أحاطوا علما أن صناعة حماس كفيلة لكبح الحركة الوطنية الفلسطينية المتعاظمة!!
لقد تدفقت الأموال بعلمنا على حماس وكانت من قبل على الإخوان في الفترة من 1967-1987 لبناء المساجد وتحت شعارات دينية.. وقالت لنا الشين بيت لاحقا (عملنا على تنامي الأخوان وأوجدنا حماس).
هل تغير شيء .. ألا ترون أن الأموال ما زالت تتدفق وهذه المرة عبر مطار بن غوريون في حقائب يوصلها السفير القطري إلى غزة عن طريق إسرائيل !! ما الذي تغير .. “على عينك يا تاجر” ، ومن لا يعلم يمكنه أن يعلم إذ لم يعد الأمر سرا لأن الرهان الإسرائيلي لضرب الحركة الوطنية الفلسطينية وقيادتها التي تمثلها المنظمة والسلطة ما زال قائما لتمرير صفقة القرن وطرح قيادة بديلة للشعب الفلسطيني والالتفاف على حقوقه الوطنية المشروعة وذلك بقبوله الدولة المؤقتة والهدنة الطويلة والقيادة البديلة وإقامة الدولة في غزة والعمل على تعطيل المؤسسات الفلسطينية وعدم تمكين حكومة الوحدة الوطنية من بسط دورها واستمرار الارتباط بالخارج والمراهنة على أطراف في الإقليم تتصادم أهدافهم مع الأهداف الوطنية الفلسطينية، وتعويم النضال الفلسطيني وإضعافه وتشويه الخطاب وتسميمه وإظهار الفلسطينيين كدعاة إرهاب وعدم تمكين القيادة الشرعية من استكمال بناء المؤسسات فقالوا لا تعقد تحت حراب الاحتلال رغم أن دورهم كحماس في المجلس التشريعي المنحل ومشاركتهم في السلطة وحكوماتها هو من ثمار اوسلو المولود تحت حراب الاحتلال.. ورفضوا انعقاد المجلس الوطني .. وتشكيل قيادة المنظمة وهم يرفضون الآن الدعوة لانتخابات تشريعية جديدة بعد أن حل المجلس الذي خطفوه وعلقوه ولم يصبح صالحا..
لقد أرادوا للعربة الفلسطينية أن تبقى واقفة وان تصدأ وان لا تقوى على الحركة أو حمل التمثيل الفلسطيني، وراحوا يواصلون حصار غزة بإدامة أسباب الحصار، ورهنوا الشعب الفلسطيني في غزة واستعملوه دروعاً لسلطتهم، وهم يدركون أنهم مصلحة إسرائيلية في بقائهم لتبرير الانقسام وفي هذا السياق يقول العميد أهارون بيران من الجيش الإسرائيلي: “دعوا حماس تحكم وتبقى في الحكم ومن الخطأ أزالتها أو زحزحتها، فحكمها في غزة مصلحة إسرائيلية”.
وهناك عميد احتياط آخر في الجيش الإسرائيلي يقول: “أن مهمتنا أن نجعل الفلسطينيين يتحاربون وان تحارب حماس فتح وتحارب فتح حماس, لقد أوجدناها لهذا السبب، وقد نجحنا ، فما دامت حماس قائمة ما دام الانقسام قائما ولذلك فان إضعاف حماس هي فكرة سخيفة ..السلطة هي مشكلتنا لأنها ترفض الاعتراف بالدولة اليهودية ولو كانت حماس هي السلطة لاعترفت. بقاء حماس هو إضعاف لأبي مازن، فلماذا لا نريده أن يقوى.
أما ألموغ بوكر في هارتس فيقول: أقمنا حماس وسهلنا دورها ومنحناها الترخيص اللازم ..وهي نتيجة فعل أيدي جهاز الإدارة المدنية .
لقد أسسنا حماس لضرب عرفات وها هي الآن تتصدى لعباس، وتستنزف إمكانياته وتمنعه من أن يحقق ما يريد على مستوى الداخل والخارج.
أما في كتاب “النوم مع الشيطان” لروبرت باير ففيه حماس حليف لنا في الولايات المتحدة الأميركية وسلاح سري فقد استعملنا الإخوان ضد الشيوعية والآن تستعمل إسرائيل حماس لتكريس الانقسام واستمرار الصراع وإضعاف صورة الفلسطينيين التي يروج لها عباس امام العالم ..
أما في كتاب “السر الصغير القذر” فيعترف البيت الأبيض بصناعة إسرائيل لحماس وموافقته على ذلك ونصيحته لها بذلك.
إما مسؤول أخر من أل CIA فيقول: دعمت إسرائيل حماس لتقسيم المنظمة وإضعافها وتعطيلها وخلق منافسة وصراع فلسطيني ومن اجل خلق العداوة الداخلية ونشر العنف في جمهور فتح فنحن نعرف أن حماس عدو لدود للحركة الوطنية الفلسطينية فقد كانت تكبح جماحها حين كانت تضرب الهراوات والجنازير في الجامعات قبل أن تمتلك الأسلحة.
لا يعوزنا مزيد من التوثيق لمعرفة الصدر الذي رضعت منه حماس ولا لاقتفاء جذرها ومن أين بدأ النزغ يدب في عروق بتاءاتها فهذا سفير الولايات المتحدة في السعودية شارلز فريمان يقول ( جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي خلق حماس .. نعم إسرائيل صنعتها حتى لا تدفع أي استحقاق للحركة الوطنية الفلسطينية التي يدعمها العالم أن حماس والكلام للسفير كانت مشروعا للشين بين هدفه زعزعة م.ت.ف.
وفي هارتس تقول اعتمدنا على الحركات الإسلامية كما فعلت بريطانيا في كثير من المناطق العربية الإسلامية وأميركا في افغانستان حين حاربت بالإسلام الشيوعية وهزمتها وها هي حماس نبت وليد من الإخوان الذين هم نبت استعماري بريطاني من العشرينات.
ومن الذين أشاروا إلى صناعة حماس ومن كان وراء فكرتها وهندستها ما ذكره الدكتور عبد السلام ألمجالي رئيس الوزراء الأردني الأسبق رئيس الوفد الأردني للمفاوضات مع إسرائيل في مدريد وواشنطن وقد نقل على لسان كبير المفاوضين الإسرائيليين الياكيم روبنشتاين قوله ” أن حماس صناعة إسرائيلية في سياق حديث عن فرص السلام “.
أما مسؤول الشؤون الدينية الإسرائيلي أفنير كوهين فقال نحن أقمناها وهي نتجه فعل أيدينا واختلفنا عليها.
حماس اليوم تستشري في مقاومتها للحركة الوطنية الفلسطينية وباسم مقاومة الاحتلال الذي لا يقاوم حين تضع إسرائيل غزه في الحصار تقوم حماس بمنع احتفال فتح بانطلاقتها وهي انطلاقة الكفاح الفلسطيني المعاصر وتقوم باعتقال قيادات فتح في غزة وتدمير محطة التلفزيون الفلسطيني الذي ظل يصور ويشهر عدوان إسرائيل الذي تستجلبه حماس على غزة لتبقي الانقسام وتبقي الشعب في الوضع الذي وضعته حماس فيه ضمن تواطؤ يدعم الحصار ويضمن الانقسام…
حين قامت حماس بانقلابها في غزه عام 2007 القي الفلسطينيون السلاح حتى لا تتواصل حرب أهلية وسلمت فتح على قاعدة الإسراع في محاصرة الانقلاب وتصفيه أثاره ومنع الاستفادة منه ولكن هذا الانقلاب الذي أدى إلى الانقسام ظل يغذى من مصادر كثيرة بدأت حين انسحب شارون من طرف واحد وهو يدرك مآلاته وهو يدرك انسحابه وحين كانت إطراف منشقة تعمل على توفير الحال في غزة ومنها من هرب لتحضنه إطراف عربية انساقت في الخطة الإسرائيلية للبحث عن بدائل للقيادة الفلسطينية.
لا يستطيع احد أن يقرأ ماذا تريد حماس فهي مع دولة مؤقتة وليس ضد يهودية دوله إسرائيل ومع دوله في غزة ومع حوار مع الإسرائيليين دون شروط ومع هدنة طويلة لكن إسرائيل تدرك أنها لو تداخلت مع حماس في حوارات فإن ذلك يرتب فقدان كثير من الذرائع الإسرائيلية التي تستمر باستمرار هذا الوضع المعلق الذي تتكيف معه حماس رغم معاناة الشعب الفلسطيني في غزه
والذي تتابع تصريحات قيادات حماس في الداخل والخارج يدرك حجم الارتباك والتناقضات فيها والتي هي انعكاس لدور حماس ووظيفتها فهي مع الشيء وضده في نفس الوقت ولأسباب ثابتة لا إزاء إسرائيل ولا حتى العرب أو غيرهم ..
وحتى مع مصر فهناك أكثر من حماس وأكثر من موقف مصري وزيارة الرئيس عباس الآن إلى مصر قد تبلور الكثير من المواقف التي بدأ يدرك المصريون فيها مخاطر الوضع العام في غزة والذي تستفيد منه وتوظفه حماس لاستمرار سيطرتها والاحتفاء وراء لجنتها الإدارية..
حماس حليف للاحتلال وهو يغذي ذرائعها مهما تعالت الشعارات وجرت الاستعراضات فالأهم لإسرائيل هو استمرار الانقسام واستمرار الخلاف والصراع الفلسطيني وإضعاف الموقف العالمي والدولي من القضية الفلسطينية وليس صورايخ حماس وأسلحتها التي يجري احتوائها ومعرفة إسرائيل لإبعادها وما تحصده من مكاسب من استمرار استعمالها بالطريقة التي قامت أو ما زالت تقوم ..
حماس أصبحت ضرورة إسرائيلية تعرف إسرائيل كيف تستفيد من بقائها في ضرب الحركة الوطنية الفلسطينية وفي استمرار الانقسام وإضعاف القضية الفلسطينية وقد يكون هذا الكلام غريبا أو مستهجنا عند البعض الذين أدعوهم إلى العودة إلى الوقائع والحقائق والاحتكام إلى الحالة الفلسطينية التي مزقها انقلاب حماس والى الموقف الإسرائيلي من حماس أيضا..