سيادة القانون.. كيف و متى تتحقق؟ / د.ابراهيم بدران

1 -تراجع المجتمعات
وجه الملك خلال الأسابيع الماضية على ضرورة المضي قدما وبدون تراجع في بناء دولة القانون، على أساس
تكريس سيادة القانون وتساوي جميع المواطنين أمامه دون استثناء. وقد أعلنت الحكومة برنامج نهضتها
القائم على دعائم رئيسية ثلاث وهي:الإنتاج، والتكافل ،وسيادة القانون. غير أن سيادة القانون لا تصبح واقعاً
حقيقياً من خلال الدعوة أو الإعلام أو النوايا الحسنة،وإنما تتطلب إحداث تغييرات حقيقية في أجهزة الدولة
ونوعية الحاكمية، حتى ترتقي على سلم حكم القانون كما هي الدول المتقدمة. وفي خلاف ذلك فإن التراجع يكون السمة المسيطرة على
مفاصل الدولة.
و بمقارنة الحالة العربية اليوم، بما كان سائدا في الستينيات من القرن الماضي مثلاً، نجد أن تراجعا هائلا قد وقع في المنطقة، ابتداء من
انتشار ثقافة الكراهية وهبوط واضح في الثقافة والفنون والتعليم ،مروراً بارتفاع معدلات البطالة وتفاقم المديونية وانتشار الفساد الإداري
والمالي، وخلخلة الأمن المجتمعي والانفلات القانوني والأمني ،وضعف هيبة الدولة، والاعتماد على الأجنبي في كل شيء: في الشرعية والبقاء
والتمويل والحماية والدبلوماسية، والعلوم والتكنولوجيا وغيرها ، وانتهاء بانتشار الحروب الأهلية والانقسامات الطائفية والعصبيات
المذهبية والانتماءات الجهوية والعمالات للأجنبي وغير ذلك الكثير.
السؤال: لماذا تراجعت المجتمعات العربية بهذه الكيفية المدمّرة وهبطت الفنون والثقافة، وانتشر الفساد المالي والإداري،وغابت سيادة
القانون،وضعف أداء المؤسسات رغم التعليم المنشر في كل مكان؟ كيف تهبط المجتمعات ولا تستطيع الاحتفاظ بمواقعها ومكاسبها
على الأقل؟ناهيك عن أن تتقدم وتزدهر؟ هناك عشرات الأسباب الكامنة وراء ذلك، ولكن خمسة أسباب تبدو في المقدمة.
1 .غياب المشروع الوطني للنهوض والتحديث.
2 .احتكار السلطة وما يرافق ذلك عادة من فساد إداري ومالي وسلوكي، وتجاوزات على القانون من طرف الفئات المتنفذة ،والفئات الطفيلية
حولها.
3 .فشل المشروع الاقتصادي الاجتماعي.
4 .غياب سيادة القانون.
5 .ضعف دولة المؤسسات و الحريات و المشاركة والمواطنة المتساوية.
2 -حكم القانون
تتكرر الأخبار يوماً بعد يوم عن القبض على مئات المجرمين المطلوبين للعدالة، وهم متهربون منها، وبحقهم عشرات أو مئات القضايا من
سرقة إلى احتيال ،إلى قتل إلى تهريب وغيره الكثير. و هنا يتساءل المواطن
أين القانون؟ وأين سيادة القانون؟وأين قوى الأمن والنظام؟ وكيف يتأتى للمجرمين أن يتهربوا من العقاب لفترة طويلة؟ وما ينطبق على تهرب المجرمين ينطبق على الجرائم والمخالفات الإدارية والمالية وقضايا الفساد والتهرب الضريبي وكل ما هو مخالف للقانون.
يعود غياب حكم القانون إلى أسباب كثيرة في مقدمتها:أولاً: اختراق الإدارات الرسمية نفسها للقانون دون محاسبة أو مساءلة، و تنفيذ
القانون بصورة تميزية.ثانياً: غياب المساواة بين المواطنين أمام القانون و تراجع قوى الأمن عن التطبيق الحاسم للإجراءات القانونية. ثالثاً:عدم
قناعة المجتمع بالقوانين التي يتم تشريعها، إما لابتعاد تلك القوانين عن العدالة ،أو لعدم التواصل المقنع بين الإدارة الرسمية والمجتمع
تجاهها ،أو لنمط الثقافة السائدة التي لا تعطي القانون أهمية كبيرة ،أو تعتبر مخالفة القانون نوعاً من الذكاء أو القوة أو المهارة أو الانتقام
من الحكومة.
وإذا أخذنا أبسط تعريف دولي لحكم القانون نجد أنه « إلتزام كل من المواطنين والحكومة بإداراتها و مسؤوليها بنصوص القانون و
إطاعتها». و هذا الالتزام يقاس بما يسمى دليل «حكم القانون»Index Law of Rule.وتأتي الدنمارك مثلاً في مقدمة دول العالم في هذا
الشأن، حيث دليل حكم القانون لديها 89 %وفنلندا 87 %وبريطانيا 81 %و فرنسا 74 %وأمريكا 73 %وتونس 53 %والمغرب 51 %ولبنان
47 %ومصر 36 %وترتيبها بين الدول 110 .أما الأردن فموقعه متقدم بالنسبة للدول العربية ودليل حكم القانون فيه 60 ،%والترتيب الدولي
للأردن42 .وهو موقع لا بأس به وقابل للتحسين تماما.
وحين يكون قياس «دليل حكم القانون» صحيحاً فإنه يأخذ بعين الاعتبار ثماني مفردات رئيسية هي:1-الضوابط على سلطة الحكومة 2-
الفساد 3-انفتاح الحكومةعلى المجتمع4 -الحقوق الأساسية للمواطن5-قوة النظام والأمن6 -تطبيق الأنظمة والقوانين7 -العدل المدني
8 -العدل الجنائي.
3 -ضوابط السلطة
حين تدعو الإدارات الحكومية إلى سيادة القانون ،يتساءل المواطن و منظمات المجتمع المدني و الأحزاب: ما هي ضوابط سلطة الحكومة
وإداراتها وكبار المسؤولين فيها؟ هل تلتزم بالقانون باعتبارها تحت القانون؟ أم أنها عكس ذلك؟ و هنا لا أحد يحتاج إلى إجابات مكتوبة، أو
تصريحات ، لأن الجميع يرى الواقع بعينيه ويعيش ويتأثر يوميا بما تفعل الإدارات الرسمية. و عليه فهو يطلق أحكامه بموجب ما يرى.وهذا
يعني أن المنطلق الأول لفرض سيادة القانون هو التزام الإدارة الرسمية بمؤسساتها وشخوصها وموظفيها بتطبيق القانون بحيادية وعدالة
صريحة يشعر بها المواطن.
وانطلاقاً من أن حكم القانون يجب أن يكون متوازناً بين طرفي المعادلة فإن المواطن ومنظمات المجتمع المدني ينبغي أن تتوفر لديهم بأن
هناك ضوابط تمنع أو تحاسب السلطة الحكومية على قراراتها و مواقفها و أدائها.وهنا يصبح الفصل الحقيقي العميق بين السلطات
وأجهزة الرقابة الأخرى شرطا لسيادة القانون، وتصبح المساءلة هي لوحة التحكم التي يمكن من خلالها تشغيل الضوابط الإدارية والقانونية
أمام سلطة الحكومة ومؤسساتها. بمعنى أن الإدارة يجب أن تقوم على التوازن المتكافئ الحقيقي بين السلطات الثلاث حتى تتحقق العدالة
والموضوعية والحيادية و وقف التغول و الإجحاف بالحقوق. ولا بد من استقلال القضاء ونزاهته بشكل كلي أي مؤسسياً ومالياً وإدارياً
وتوظيفياً واستقلال السلطة التشريعية، وسلامة انتخابها ،وصدق تمثيلها للمواطنين. وهذا يقود إلى الديمقراطية. حيث نجد أن الدول
الأعلى في حكم القانون هي الأعلى على سلم الديمقراطية.والدول الإسكندنافية نموذجا لافتا في هذا المجال. وكلما انزلقت الدولة نحو
السلطوية والشمولية أو إغفال الضوابط الإدارية والقانونية كلما تراجع حكم القانون وفقد مصداقيته. وهنا يصبح لدواوين المحاسبة المالية
والإدارية و لهيئات النزاهة وحقوق الإنسان القائمة على الاستقلالية التامة أدوار بالغة الأهمية. كل هذا يستدعي الاعتبار الكامل للقضاء
وللسلطة التشريعية على أساس الاستقلال والنزاهة ووقف التدخلات في أعمالها.
4 -الفساد
الفساد و تعريفه « انه أي سلوك أو إجراء أو قول أو عمل أو منفعة أو مردود أو عائد، غير قانوني وبعيد عن النزاهة والأمانة والعدالة والمساواة
بين الناس، وخاصة من أولئك الذين لديهم السلطة، وهم مؤتمنون على حسن استخدامها». و الفساد يمثل «السوسة» التي تنخر حكم
القانون ،. وانتشاره إضافة إلى نتائجه الكارثية على الاقتصاد وعلى المجتمع، وعلى الثقافة والتعليم، إذ يهدر ما بين 5 %إلى 15 %من الناتج
المحلي الإجمالي، فإنه يعني مباشرة للمواطن عدم جدية الإدارة الحكومية ،لأنها تغض النظر عن أعمال الفساد و الفاسدين خلافاً ،أو خروجاً ،
أو استثناء ،أو عدم الاعتراف بسيادة القانون. وإذاك يرى المواطن أن حكم القانون هو فقط على الضعفاء.وهو لا يريد أن يكون منهم فلا
يتقيد بالقانون. ولذا نجد «أن الدول الأدنى في دليل حكم القانون هي الأكثر فساداً»، في حين أن الدول الأعلى في حكم القانون هي الأقل
فساداً. وهذا يستدعي استمرار جهود الدولة بمحاربة الفساد بقوة وخاصة في الجهاز الحكومي استعادة للثقة و حتى لا يكون الفساد
الحكومي مبرراً لانتشار الفساد في كل اتجاه

5 -الانفتاح على المجتمع
إن انفتاح الحكومة على المجتمع هو الخطوة الأساسية باتجاه جسر فجوة الثقة مع المواطن. وهذا يتطلب أن تكون سياسات الحكومة
وقراراتها ومواقفها مفهومة وواضحة ومعلنة للجمهور، ومقبولة من منظور وطني وأخلاقي وإنساني. وباستثناء المعلومات التي ينبغي أن
تكون مكتومة وسرية كالمعلومات الأمنية، فإن الوصول إلى المعلومة الصحيحة المقنعة هي حق للجميع. هنا يصبح التزام المواطن
بالقانون قائما على فهم مبررات الإجراء والقرار. أما حين تتكتم الإدارة على ما لديها، وتعقد الاتفاقيات السرية والصفقات المكتومة، كما
حصل في اتفاقية الغاز أو بيع الفوسفات أوموجودات الدولة الأخرى، فإن ذلك يوجه ضربة قاصمة لسيادة القانون. وكذلك حين تحيط الحكومة
قراراتها بالدعاية الزائفة أو الغموض غير المبرر فإنها تضع المواطن في موضع الريبة والتشكك ويصبح الإعلام في نظر المجتمع ما هو إلا
يتطلب أن تأخذ الحكومة بإداراتها المختلفة بمفهوم الانفتاح العقلاني على المواطن، وإقناعه بإن إجراءاتها قانونية ووطنية في نفس ستار لما تفعله الإدارة. وبالتالي تنشأ حالة من الرغبة في التمرد على القانون تتجلى في الأزمات الاقتصادية وفي مناسبات مختلفة. وهذا
الوقت.
6 -الحقوق الأساسية
كفل الدستور الحقوق الأساسية للمواطن سواء ما يتعلق بالحريات أو التعليم أو العمل أو حق الترشح أوالانتخاب أو الانضمام إلى الأحزاب
وغيرها. كما كفل القانون الدولي حقوقاً مكملة يعبر عنها بحقوق الإنسان والتي تم إشهارها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 و
ما تبع ذلك من حقوق ثقافية واجتماعية واقتصادية في مواثيق أخرى صدرت بعد ذلك.
إن احترام هذه الحقوق من قبل الإدارة يمثل أحد المداخل الرئيسية لاقتناع المواطن بضرورة الالتزام بحكم القانون، وما يمليه عليه من
واجبات ومسؤوليات. وهو يفعل ذلك انطلاقاً من ثقته بأن الصفقة عادلة: هو كمواطن يتمتع بكافة حقوقه المنصوص عليها، ومقابل ذلك
يلتزم بالقانون ويكون جزء من حكمه وتطبيقه. وفي الحالات التي تعمد السلطة إلى انتفاص أجزاء من هذه الحقوق يعمد المواطن بصورة
تلقائية إلى الإلتفاف على القانون وعدم الالتزام به بشتى الوسائل، لأنه يرفض أن يكون الطرف الخاسر. إن الدول الأقل التزاماً بالحقوق
الأساسية للمواطن هي الأدنى في دليل حكم القانون.
ولهذا، على الحكومة بجهازها الإداري النظر إلى القانون كمرجع للعمل و للثقة وللتنظيم ولفك الاشتباكات وحل النزاعات. و أن تصبح سيادة
القانون جزءً أساسياً من ثقافة الموظف دون تعسّف أو تشدد يقصد به السيطرة أو التحكم أو الإذلال، لتنتقل هذه الثقافة بتطبيقها
الإيجابي إلى المواطن. وحين تعمد الإدارات إلى تجاوز القانون أو الالتفاف عليه أو التراخي عن تطبيقه بعدالة على شتى المستويات فإن مكانة
القانون تتراجع تدريجيا في نظر المواطن و المؤسسات والشركات، ونظر الموظف نفسه.وإذاك تتراجع هيبة الدولة ، وتبدأ الواسطة
والمحسوبية والرشوة والقرباوية بالانتشار في جسم المجتمع. و هذا يضع اطمئنان المواطن على مستقبله في مهب الريح ،ليحل محله
التوجس والخوف فيعمد إلى مخالفة القانون والخروج عليه. فالقانون هو درع الحماية في سبيل الأمان وهو جسر الأمل نحو مستقبل الأفضل.
7 -قوة النظام والأمن
إن حكم القانون واحد من الأركان الرئيسية للحاكمية الجيدة، وغياب أو ضعف ذلك يعني الانتقال من الحاكمية الجيدة التي تعزز نوعية الحياة
وتضمن التقدم والازدهار وترفع مستوى الرضا المجتمعي إلى الحاكمية السيئة ،والتي هي مصدر بؤس وتعاسة للمجتمع بأكمله، بما تحمله
معها من فساد وتعثر وسوء إدارة وتراجع في الاقتصاد والسياسة ، وفي كل شيء تقريباً.
ولا يتحقق حكم القانون إذا لم يكن مستنداً إلى قوة النظام والأمن وتفهم القائمين على تطبيق النظام والأمن لدورهم الحقيقي الحاسم،
المتمثل في تنفيذ الإجراءات التي ينص عليها القانون والنظام وليس التحكم والسيطرة. بمعنى إن قوة رجل الأمن في حدود القانون لا
ينازعه فيها أحد، وينفذ القانون بدون تمييز بين المواطنين. وكلما لمس المواطن حيادية قوى الأمن والنظام وعزمها على الأداء الصحيح
أصبح التزامه بالقانون أكثر عمقاً إلى درجة التي يصبح فيها الالتزام جزء من رؤية الفرد وثقافته العامة.
وهذا من شأنه أن يعطي قوة الأمن والنظام القوة والدعم المجتمعي للقيام بالمسؤولية المنوطة بهم. ومن جانب آخر فإن الأمر يتطلب أن
تشعر قوى الأمن بالعدالة الاقتصادية المناسبة لتكون حسنة التنظيم متفهمة لدورها عن قناعة وقائمة بواجبها بوطنية واقتدار.
8 -تطبيق الأنظمة والقوانين

إن ما تشهده الدول النامية وخاصة في المنطقة العربية من فوضى وفساد وصراعات، وتكتلات منافعية واستغلال كل شيء للمصالح
السياسية والشخصية، تعود في أحد أسبابها الهامة إلى ضعف قوى الأمن والنظام هناك ، وإلى تقصير الإدارات في تنفيذ القانون العادل
على الجميع، وإعطاء قوى الأمن الدعم المادي والمعنوي في الإجراء الصحيح. كما تعود هذه الفوضى إلى تجاوز الحكومات والمتنفذين هناك
للقضاء وللنظام، والسيطرة على السلطة القضائية بوسائل متعددة ومداخل مكشوفة ومستترة. إن الدول الأعلى ثقة بإداراتها الحكومية
هي الأكثر التزاماً بتطبيق القانون واستقلال القضاء.
ومن حيث المفاهيم فلا بد أن تكون عقيدة الإدارات الرسمية بشكل قاطع وعقيدة قوى النظام والأمن إن حكم القانون هو البوابة الرئيسية
للمساواة بين المواطنين ولاستقرار شؤون المجتمع والازدهار الاقتصادي، واطمئنان المستثمر، وهدوء الحالة النفسية والذهنية للمواطن،
والحركة والانطلاق في حرية تامة في أي تجاه يريد في إطار القانون والنظام.
9 -العدل المدني والعدل الجنائي
يتمثل العدل المدني بإمكانية حصول المواطن على حقوقه وتعويضاته الناشئة عن أي أذى أو ضرر ألحقه به طرف ثالث، وأن يكون المواطن
مطمئناً إلى أن العدل هو الذي يسود، وليس النفوذ أو المكانة الاجتماعية أو التأثيرات الخفية. وهذا العدل حين يصبح النمط العام السائد
في الخلافات و وقوع الأضرار يثق المواطن إذاك بسيادة القانون، ولا يلجأ إلى الخروج على القانون أو الاحتيال والالتفاف لكي يحصل حقوقه.
وفي غياب العدل المدني الذي يرتكز إلى القوانين العادلة والقضاء النزيه الناجز، فإن المواطن يلجأ إلى أخذ حقوقه بيده وبطريقته الخاصة
والتي غالباً ما تكون خارجة عن القانون.
وما ينطبق على العدل المدني ينطبق على العدل الجنائي، والذي يعني أن تصل العدالة الكاملة الناجزة إلى أولئك الذين يرتكبون جرائم
وجنايات. فإذا تحقق العدل الجنائي فإن اللجوء إلى الخروج على القانون من المتضررين يتراجع ،و إذاك يتعزز الأمن المجتمعي لأن الجميع يدرك
أن يد العدالة ستطال كل مجرم مهما كان موقعه أو قوته أو أنصاره. والعدل الجنائي أيضاً يقوم على القوانين العادلة الرادعة والقضاء النزيه
الناجز. وهذا يتطلب التفهم المجتمعي لأهمية العدالة المدنية والجنائية من جانب، ويتطلب من الحكومة وضع الخطوات التطبيقية لتحقيق
ذلك بكل حيادية وشفافية وحسم من جانب آخر.
10 -حكم القانون والاقتصاد
إن أثر حكم القانون لا يقتصر على المواطن بمفرده أو على أفراد أسرته أو على المجتمع بل ينسحب هذا الأثر على النشاط الاقتصادي بكامله.
فالاقتصاد أساسه الإنتاج والاستثمار والادخار. والمستثمر يسعى أن يكون استثماره في بيئة آمنة مستقرة ومنظمة بقوانين تضمن له حقوقه
،وتصون له ممتلكاته ومؤسساته، وبالتالي يكون مستعداً للعمل والاستثمار والتوسع في مشاريعه. الأمر الذي ينعكس إيجاباً على النشاط
الاقتصادي للدولة ويساهم في زيادة معدلات النمو الاقتصادي ،وخلق فرص عمل جديدة. وهذا بدوره ينعكس على المواطن بكل ما يحمله
ازدهار الاقتصاد من ارتفاع في الدخل وتحسين في نوعية الحياة وارتقاء التعليم والثقافة و تحديث الخدمات. بمعنى آخر إن حكم القانون
يحمل معه الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وهو عامل بالغ الأهمية في الإنتاج و الاستثمار. «إن حكم القانون يتيح لكل مواطن إن يتوقع
العدالة والإنصاف مما يوقد إيمانه في تحسن ذاتي دائم عن طريق التعليم والعمل والثروة والحرية التي يمكن أن يحرم منها ظلماً».
و لأن «حكم القانون يمثل العمود الفقري للنمو الاقتصادي». فقد تم إنشاء مؤتمرات دائمة أو مراكز متخصصة لحكم القانون في عدد من
البلدان. إن القانون ذاته ينبغي أن يقوم على قواعد راسخة من النزاهة والإنصاف سواء فيما يتعلق بالمواضيع ذاتها أو الإجراءات التي تتعلق
في الحقوق والمسؤوليات. إن القوانين ينبغي أن تكون واضحة ومؤكدة ويمكن التوقع بها والوصول إليها،و أن تطبق على الجميع
بالتساوي،و أن يتم تنفيذها علانية، و أن تحافظ على حقوق الإنسان الأساسية ومسؤولياته،و أن تتيح الوصول إلى العدالة بكلفة معقولة، و
أن تتوافق مع القانون الدولي.
11 -النتيجة
إن حكم القانون وسيادته ركن أساسي من أركان الدولة الحديثة. غير أن ذلك لا يتحقق بالحديث والإعلام ،وإنما يستلزم مراجعة عميقة للإدارة
و مرافق القضاء والمساءلة والمحاسبة والديمقراطية والانتخابات، ووضع البرامج اللازمة للوصول إلى حكم القانون في كل جزئية ذات علاقة.
كما يتطلب أن تدرك الإدارات أنه دون أن يشهد المواطن صفقة عادلة بينه بين الدولة إزاء الحقوق والواجبات فإن الحديث عن سيادة القانون

يبقى مجرد أمنيات لا تصلح لمعالجة الحاضر، ولا مواجهة المستقبل الذي لا يقوم إلاّ على العدل والإنصاف والقانون الذي يحمي المواطن
ويدعم الاقتصاد.و ما نتطلع إليه أن تضع الحكومة برنامج السنوات الأربع فتحسم مفردتين في كل عام.

الرأي

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري