في الظاهر يبدو العرب والإيرانيون وكأنهم جماعة بشرية وعرقية واحدة فلا فرق بينهم في السحنة والملامح والثقافة فقد استعارت كل من العربية والفارسية الكثير من الآداب والفنون والأفكار من جارتها وهناك تقارب كبير في اللغة والطعام واللباس ويتكلم الإيرانيون اللغة العربية بطلاقة عالية كما تشترك الأمتان الفارسية والعربية في الإسلام الذي يشكل إطارا لثقافة الإيرانيين والعرب على حد سواء.
بالرغم من القرب الجغرافي والتشابه الكبير في القيم والعادات والثقافة وحتى المعاناة إلا أن العلاقات العربية الإيرانية كانت وما تزال وربما ستبقى تعاني من انعدام الثقة والشك المتبادل والخوف الذي قد يتحول إلى صراع مسلح وحروب كما حصل في ثمانينيات القرن الماضي بين العراق وإيران.
من الناحية الموضوعية وفي ظل الأوضاع الراهنة يبدو العداء العربي لإيران مستغربا ومستهجنا خصوصا في ظل معاداة الغرب لإيران وموقف الولايات المتحدة الداعم لإسرائيل منها. إيران قد تبدو أكثر دول العالم اليوم تبنيا للأفكار والقيم والأخلاق الإسلامية ومجاهرة في الدفاع عن الهوية الإسلامية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية في الوقت الذي تتراجع فيه العديد من الدول العربية والإسلامية عن مواقفها التاريخية حيال هذه الحقوق.
أزمة العلاقات العربية الإيرانية أزمة مركبة وبالغة التعقيد. فالعرب المجاورون لإيران يخشون الأطماع التوسعية لإيران خصوصا في ضوء تجدد الشعور الامبراطوري الذي لا يزال حيا في الوجدان القومي الفارسي . كما يخشى الكثير من جيران إيران التدخلات الإيرانية في البنى الاجتماعية للمجتمعات العربية والسعي لإذكاء وتشجيع الحس الطائفي والحقوق المنقوصة لدى هذه المكونات.
على الجانب الآخر تدرك الولايات المتحدة ومعها إسرائيل مثل هذه المخاوف وتعمل على تضخيمها واستثمارها من خلال الربط بين المشروع النووي الإيراني والميول التوسعية وأحلام إيران في تصدير ثورتها للجوار.
إدراك الولايات المتحدة وإسرائيل لمخاوف العرب من العبث بتركيبتها السكانية الطائفية شجع الأجهزة والمؤسسات الغربية على إشعال هذا الفتيل وتأجيج الصراع فنشبت الحرب العراقية الإيرانية تحت شعار وقف تقدم الثورة وحماية الجوار في ثمانينيات القرن الماضي لتضعف كلا من العراق وإيران قبل إنهاك العراق كليا بعد إغرائه لدخول الكويت ومهاجمته لاحقا وصولا إلى احتلال العراق وتفكيك مؤسساته العسكرية والإدارية ونسيجه الاجتماعي وإدخاله في أتون الفوضى.
اليوم ترى الولايات المتحدة ومعها بعض من دول الخليج العربي بدرجات حماسة متفاوتة على اعتبار إيران الخطر الأول على أمن الإقليم وتحاول استثمار هذا الخوف في تأسيس تحالف إقليمي يصرف الانتباه عن خطر إسرائيل على الأمن العربي ويغير في الأولويات العربية لحساب الأمن الإسرائيلي.
المواقف العربية من التهديدات الإيرانية المزعومة لها ما يبررها فالتاريخ العربي متخم بقصص الصراع والحروب بين المسلمين والفرس، والقادسية معركة يحتفل المسلمون العرب بذكراها ويدرجون تاريخها في مناهج التاريخ.
الصورة الذهنية الأولى للجيران والأقاء الإيرانيين كانت من كتب التاريخ التي تحدثت عن الإمبراطورية الفارسية ومقاومتها للإسلام. وفيما يخص الأفراد والشعب هناك صورة جميلة للصحابي سلمان الفارسي الذي كان علما من أعلام الدعوة الإسلامية في بواكيرها ومتفوقا بالتقوى على الكثير من العرب.
الصورة الذهنية التي يحملها العرب للفرس قبل الإسلام وصورة المجوس وأعمال الاغتيالات التي قام بها بعض الفرس في فجر وضحى الإسلام ما تزال تؤثر على اتجاهات العرب نحو الإيرانيين. كما لم يستطع العقل الإيراني التخلص كلية من الروح الإمبراطورية الاستعلائية التي ترى الإيراني متفوقا وترسم صورة بدائية للعربي بالمقارنة مع الفارسي.
اليوم ومهما تكن المخاوف والاتجاهات ينبغي العمل معا على تجاوز الماضي والحوار معا لبناء علاقات متوازنة تحقق الأمن والرفاه والازدهار للشعوب بعيدا عن وصاية ووكالة القوى الخارجية أيا كانت.