عروبة الإخباري – أنقذ تحالف أحزاب المستوطنين “البيت اليهودي” حكومة بنيامين نتنياهو من الانهيار ،. والذهاب إلى انتخابات مبكرة، بتراجعه عن شرطه البقاء في الحكومة، بتولي زعيمه نفتالي بينيت، حقيبة وزارة الحرب، بعد انسحاب وزير الحرب المستقيل أفيغدور ليبرمان، وكتلته البرلمانية.
قرار كتلة “البيت اليهودي” كان مفاجئا للحلبة السياسية، بعد أن أبدت الكتلة إصرارا على تولي حقيبة الحرب، بهدف تغيير استراتيجيات جيش الاحتلال تجاه قطاع غزة، حسب ما أعلنوه. وهناك الكثير من التفسيرات المفترضة لقرار “كتلة البيت” اليهودي، التي ظهرت قبل أيام حازمة جدا في موقفها.
من بين هذه التفسيرات النية بتمرير قوانين يسعى لها اليمين الاستيطاني، تتعلق بأنظمة في الحكم، منها السماح للوزراء بتعيين المستشارين القضائيين للوزارات. وسن قانون آخر يسمح بسن قوانين نقضتها المحكمة العليا، بأغلبية أكبر. وسن قانون خصم ميزانيات ثقافية من مؤسسات لها نشاطات تتعارض مع سياسات الحكومة وغيرها. ففي قوانين كهذه ترتكز الحكومة على أكثر من 61 نائبا، كون أن حزب “يسرائيل بيتينو” بزعامة ليبرمان لا يستطيع الاعتراض على قوانين كهذه، هو من الداعين لها.
وقد جاءت المفاجأة أمس، بعد أن ظهر نتنياهو مساء الأحد، كمن يغلق الباب في وجه “البيت اليهودي” حينما أعلن قراره النهائي بتولي حقيبة الحرب، وألقى بمسؤولية حل الحكومة على شركائه، مدعيا انهم يغامرون بالتفريط بحكومة اليمين، محذرا من أن هذا قد يقود لصعود حكومة بقيادة من يسميهم نتنياهو “يسارا”، رغم أن كل استطلاعات الرأي التي تظهر تباعا، تستبعد كليا هذا الاحتمال.
ونظريا، فإن نتنياهو قادر على قيادة حكومته بأغلبية ضئيلة، فقد قاد الحكومة الحالية في عامها الأول بأغلبية كهذه. كذلك فإن الملف الأكثر سخونة بالنسبة لكل حكومة، الموازنة العامة، فقد أقر الكنيست في شهر آذار (مارس) الماضي ميزانية 2019.
ورغم ذلك يبقى السؤال، هو لأي مدى ممكن أن تتماسك هذه الحكومة، وقد دخلت بشكل جدي في عام الانتخابات البرلمانية، التي موعدها القانوني هو نهاية تشرين الأول (اكتوبر) من العام المقبل 2019. فقد علمت تجربة عشرات السنين، أنه حينما تتضعضع القاعدة الائتلافية، في أجواء انتخابات، فإنه من الصعب الحفاظ على الحكومة، وكل اجراء يُتخذ يسقط سريعا.
مثال على هذا، هو ما جرى في شهر أيار (مايو) 2012، حينما كانت الهيئة العامة للكنيست تعقد جلستها للتصويت على قانون حل الكنيست. فبعد أن تم التصويت على القانون بالقراءة الأولى، وانعقدت جلسة للجنة البرلمانية لبلورة الصيغة النهائية، توقفت الجلسة بعد وقت قصير، ليعلن نتنياهو عن ضم حزب “كديما” بزعامة شاؤول موفاز في حينه. إلا أن الحكومة الموسعة لم تصمد لأكثر من شهرين، وجرى حل الكنيست، وجرت الانتخابات في الشهر الأول من العام 2013.
وما جرى منذ ظهر يوم الأربعاء الماضي، 14 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي، بعد إعلان أفيغدور ليبرمان استقالته من منصبه، وزيرا للحرب، فإن المشهد الحاصل بين كتل الائتلاف، أشبه باستعراض “عضلات”. لأن منطقهم يقول: إن من يعترض على انتخابات مبكرة، ولا يطالب بها، هو إشارة إلى كونه خائفا منها. أما بنيامين نتنياهو، فقد اتخذ لنفسه طابع “القائد المسؤول، الحريص على استقرار الحكم”. وحتى أنه زعم، كما ذكر، أن تفكيك حكومة اليمين، سيؤدي إلى تولي ما اسماه “اليسار” الحكم، وهذا ما لا أساس له، وفق نتائج كل استطلاعات الرأي.
فقد سعى نتنياهو لانتخابات مبكرة منذ أشهر طويلة، في محاولة لتجاوز التحقيقات معه بقضايا الفساد، واستباقا لاحتمال تعمقها، واتخاذ قرارات بتقديم لوائح اتهام ضده. إلا أنه لمس بشكل واضح أن الجمهور لا يلتفت إلى القضايا التي تلاحقه، بمعنى انه لا يأخذها على محمل الجد، خلافا لحالات أخرى مع رؤساء حكومات سابقين. وهذا لعدة عوامل، أهمها، أن القضايا المنسوبة له، حسب ما ينشر، ليس فيها اتهام بتلقي مبالغ ضخمة، وإنما الحديث عن “هدايا” دسمة، مقابل امتيازات ضريبية وتسهيل أعمال. وكما يبدو أن هذا مستوى فساد “مقبول” على الجمهور الإسرائيلي.
وأمام هذا، سعى نتنياهو لاستثمار المكاسب السياسية التي حققها له البيت الأبيض، خاصة على صعيد القضية الفلسطينية، ولكن أيضا في القضايا الإقليمية. وأيضا ما يظهر وكأن مكانة إسرائيل على الساحة الدولية والإقليمية تتعزز. وكل هذا يأتي في ظل ظروف اقتصادية جيدة بشكل خاص للجمهور اليهودي، الذي لا يعاني من أي نسبة بطالة تذكر، فيما نسب الفقر لديه مماثلة لنسب أوروبية، باستثناء المتدينين المتزمتين “الحريديم”، الذين يعيشون حياة تقشفية ارادية. وكان طبيعيا أن يستثمر نتنياهو كل هذا، للتوجه إلى انتخابات مبكرة، تتعزز فيها قوة حزبه البرلمانية، ويضمن بذلك قيادته للحكومة المقبلة.