كانت هذه الانتخابات هي الأكثر خزياً التي شهدتها في حياتي، وستكون لها عواقب غير محمودة. فقبل أن يتم الإعلان عن النتائج، كنا نعلم بالفعل من هو الخاسر، إنه الشعب الأميركي وثقافتنا السياسية. فالضرر الذي أحدثه خطاب الرئيس ترامب المثير للانقسام، سيستمر أثره لجيل كامل.
وبينما حث مستشارو ترامب، على التركيز على الأخبار الجيدة حول الاقتصاد خلال الأسابيع القليلة التي سبقت الانتخابات، إلا أنه اختار، بدلاً من ذلك، أن يبشر برسالة الخوف. وكان هدفه هو «قافلة» اللاجئين القادمين إلى الشمال من غواتيمالا على أمل العثور على ملاذ آمن من العنف والفقر في بلادهم.
لقد رأى الصحافيون الذين يغطون قافلة اللاجئين أنهم مجموعة من الأمهات مع أطفالهن الصغار. لكن ترامب صورهم في خطاباته على أنهم «أعضاء في عصابات خطيرة» مع بعض «الشرق أوسطيين». وقال إنهم «غزاة»، وصور محاولاتهم دخول الأراضي الأميركية بأنه إعلان حرب. وهكذا أعلن الرئيس أنه سيرسل قوات لحماية الحدود. وبينما استمر في تضخيم التهديد الذي يشكله «الغزو»، زاد عدد القوات التي يتم إرسالها من 2000 إلى 5000 إلى 15000 جندي.
وطوال ثلاثة أسابيع، تجول ترامب في جميع أرجاء البلاد، وألقى الخطابات التي تشحن مؤيديه للتصويت لمصلحة مرشحي الحزب الجمهوري. وحذر من عواقب وخيمة إذا فاز الديموقراطيون، محذرًا من أنه قد يتعرض للمساءلة، وقد يجتاح البلاد مهاجرون خطرون، وسينهار الاقتصاد (على الرغم من حقيقة أن الانتعاش وزيادة فرص العمل على نطاق واسع، بدآ خلال ولاية أوباما)، وحذر من أن البلاد ستصبح أقل أمنًا، وسيتم فرض ضرائب أكثر. وأشار إلى أنه إذا فاز الديموقراطيون، فسيتصرفون بعنف ضد من يعارضونهم. كانت الرسالة المركزية هي دائمًا الخوف.
ومن أجل ذلك، عمل فريق ترامب على ترويج إعلان تلفزيوني ظهر فيه قاتل متسلل مدان ارتكب جرائمه أثناء وجوده في الولايات المتحدة بشكل غير قانوني. استمر الإعلان مع لقطات من أن الأميركيين اللاتينيين اقتحموا الحدود. كانت الرسالة واضحة: «هؤلاء هم الأشخاص العنيفون الذين يريد الديموقراطيون أن يسمح لهم بالدخول إلى بلادنا. كن خائفًا للغاية».
كانت مشكلة الإعلان هي أن القاتل المذكور قد تم ترحيله من قبل الرئيس كلينتون، وعاد إلى البلاد وارتكب جرائمه خلال إدارة بوش. ولا يتعلق الأمر بعدم صدقية الإعلان، بل بمحتواه العنصري الذي تسبب في رفض محطات التلفزة (بما فيها فوكس نيوز المحببة لترامب). ووصف مسؤولو الإعلان بأنه «الإعلان الأكثر عنصرية في الحملات الانتخابية على الإطلاق».
لقد حققت دعوات نشر الخوف نجاحاً إلى حد ما. فعلى الرغم من بعض الادعاءات الغريبة والمبتورة التي قدمها ترامب أثناء مؤتمره الصحافي بعد الانتخابات «كالقول إن الناس يحبونه حقاً، وإن نتائج الانتخابات كانت بمنزلة انتصار له، وإن نتائج استطلاعات الرأي بين الناخبين السود كانت كبيرة.. إلخ»، فإن ملاحظة واحدة أدلى بها كانت صحيحة. وهي أن تدخله خلال الأسابيع القليلة الماضية من الحملة الانتخابية أدى الى تعزيز فوز عدد قليل من الجمهوريين.
وإلى ما قبل جولة ترامب، كانت كفة الانتخابات تميل لمصلحة الحزب الديموقراطي. وقد نجحت تكتيكات ترامب في إثارة الخوف وتحذيراته من اختراق حدود البلاد من قبل أجانب خطرين، ومن العنف والكارثة الاقتصادية التي ترافق انتصار الديموقراطيين، في تحفيز الناخبين الجمهوريين. لكن ثمن ذلك كان باهظًا على الديموقراطية الأميركية.
ولا تزال النتائج النهائية لهذه الانتخابات غير مؤكدة إلى حدٍ ما، حيث نتائج بعض السباقات الرئيسية متقاربة للغاية. لكن كما هي الصورة الآن، من الواضح أن أداء الديموقراطيين كان جيداً. فقد سيطروا على 230 مقعدًا مقابل 205 مقاعد للجمهوريين.
وبعيدا عن نتائج الانتخابات النهائية ومن فاز ومن خسر، فإن ما يثير قلقي هو أن البلاد، بعد عامين من تولي ترامب الرئاسة وسلوكه في الأسابيع الأخيرة من الحملة، أصبحت أكثر استقطاباً من أي وقت مضى. وبالنظر إلى استطلاعات يوم الانتخابات، فإن ما يحدث هو أنه في حين أن هناك اختلافات في وجهات النظر تفصل بين الجمهوريين والديموقراطيين، إلا أن النقطة الأكثر ترجيحاً هي الانقسامات بين الحزبين تبدو أنها مدفوعة بالديموغرافيا أكثر من الأفكار.
على الجانب الديموقراطي هناك شباب من الجامعيين، خصوصاً النساء، ومجتمعات الأقليات. أما جمهور ناخبي الحزب الجمهوري فهم من متوسطي الأعمار، والأقل تعليماً من الطبقة العاملة من البيض، وحاملي السلاح، ومن أنصار حركة «المولودون ثانية» المسيحية. فكأننا أصبحنا قبيلتين تخوضان الحرب.
وللإنصاف، فإن الهجمات في هذه الحرب تأتي إلى حد كبير، من جانب واحد. وطوال عقود، ظل الجمهوريون يوجهون رسائلهم إلى الناخبين البيض من خلال إثارة المخاوف من السود واللاتينيين والأقليات والمسلمين والعرب. وأصدروا التحذيرات بشأن المخدرات والعنف والجريمة والهجرة رابطين كل ذلك بتلك المجموعات.
ورداً على ذلك، دافع الديموقراطيون عن هذه الأقليات وحفزوهم للتصويت للحزب الديموقراطي وقدموا سياسات عقلانية لحل مشكلاتهم. ولكن ما لم يفعله الديموقراطيون هو فتح خط تواصل مع الطبقة العاملة من البيض الذين يخطب ترامب والجمهوريون ودَّهم. وبتجاهل هذه الفئة، والتركيز حصرياً على ناخبيهم، فإن الديموقراطيين تركوا الطبقة العاملة من البيض مرتعاً لترامب، وأسهموا –بشكل غير مباشر– في إشعال الحرب القبلية في الثقافة السياسية الأميركية.
ولأنني لا أرى أي أمل في تغير ذهنية الحزب الجمهوري الحالية، فإنه يتعين على الديموقراطيين العمل على سد الفجوات التي أصبحت واضحة في حقبة ترامب. فما عليهم سوى الاهتمام بمجموعة كبيرة من الناخبين الذين استغل الجمهوريون انعدام الأمن الاقتصادي والثقافي والخوف من «الآخر». وهذا لن يساعد الديموقراطيين على الفوز في المزيد من الانتخابات فقط، بل سيسهم أيضًا في التئام الانقسام الذي تشهده الولايات المتحدة.
* رئيس المعهد العربي الأميركي في واشنطن.