تقرير النواب ودروس الفاجعة

قبل أن تنتهي لجنة التحقق الحكومي في فاجعة البحر الميت من عملها، أنجزت لجنة التحقيق النيابية تقريرها، وعرضته بالأمس أمام النواب.
التقرير النيابي اتسم بقدر عال من المهنية والحرفية، واستند لشهادات وأقوال مختصين وأصحاب علاقة مباشرة في الفاجعة، إضافة للجولات الميدانية التي قام بها أعضاء اللجنة، للموقع ولسد زرقاء ماعين.
لم يقفز التقرير عن تحقيقات النيابة أو يتجاهلها، تاركا لها حق الفصل في المسؤولية القانونية عن الفاجعة، إنما أشار إلى مواطن التقصير والخلل في عمل بعض الدوائر والمؤسسات، وتوقف عند مسؤولية الشركة المنظمة للرحلة المأسوية، ودور المدرسة. وحمل الوزيرين”المستقيلين” المسؤولية الأدبية والسياسية، مكتفيا كسلطة تشريعية باستقالتيهما،على أن يبت القضاء لاحقا بالجانب القانوني إذا وجد مبررات لذلك.
لكن الوقائع التي سردها التقرير تشي بأن الوزيرين خارج نطاق المسؤولية القانونية، بالنظر إلى الصلاحيات الممنوحة لمدراء الدوائر المعنية بتنظيم الرحلات المدرسية والرقابة على عمل الشركات المنظمة.
واضح تماما من نتائج التحقيق النيابي أن هنالك خللا فادحا في التنسيق بين المؤسسات، وقصورا شديدا في الرقابة على الشركات المعنية بسياحة المغامرات، ونقصا في التشريعات الناظمة لعملها،إضافة إلى حالة من اللامبالاة حيال الظروف الجوية وسوء التقدير من جانب المسؤولين والمدرسة.
والحادثة الفاجعة كانت مناسبة لوضع اليد عن حالة البنية التحتية للطرقات والجسور في منطقة البحر الميت والحاجة الماسة لصيانتها لتدارك الأخطار.
لكن الأهم من ذلك التوصيات التي خرج بها التقرير لمراقبة المناطق السياحية الخطرة، وتأسيس نظام إنذار مبكر، ومراجعة جذرية لتعليمات الرحلات المدرسية لضمان أعلى معايير السلامة والأمان لطلبة المدارس، إذ ليس من المنطقي استمرار العمل بقرار وقف الرحلات المدرسية لأن في ذلك عقوبة معرفية لطلبتنا.
من المتوقع أن تكشف الحكومة قريبا عن تقريرها الخاص بعملية التحقق في الفاجعة وتداعياتها، ومن المتوقع أن يركز تقرير الحكومة على الاختلالات في آليات عمل الأجهزة الحكومية، وتحديات إدارة الأزمة، وسبل تطويرها لتحقيق أعلى قدر ممكن من الاستجابة، إضافة إلى الثغرات في التعليمات والأنظمة التي تسمح بوقوع أخطاء غير محسوبة، والضبابية في نصوصها بما يحول دون تحديد المسؤوليات بدقة ووضوح.
تقرير النواب إلى جانب تقرير الحكومة سيوفران للجنة المستقلة التي تشكلت بتوجيه ملكي من الوصول إلى خلاصات عميقة لإصلاح شامل لكافة جوانب عملية اتخاذ القرار، وتطوير آليات التعامل مع الأزمات والكوارث،وتحديد المسؤوليات بدقة.
حصيلة تحقيقات اللجان الثلاث ستمكن الحكومة من وضع مصفوفة متكاملة لتطوير الأداء، ومن المفترض أن تتمخض العملية أيضا عن تغييرات في مواقع قيادية في عديد المؤسسات وعزل مسؤولين حاليين قصروا في أداء واجبهم، فيما يتكفل التحقيق القضائي في اتخاذ إجراءات قضائية ضد من تثبت مسؤوليتهم القانونية بما حصل.
في كل الأحوال ينبغي أن لا تمر الفاجعة دون استخلاص الدروس، وليس ذلك فحسب، بل ضمان تنفيذ التوصيات والقرارات بكل دقة وصرامة حتى يصبح للدروس معنى وقيمة في حياتنا.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري