ما دلالات مؤشر الصفر العماني في الإرهاب /د. رجب بن علي العويسي

يأتي حصول السلطنة على المرتبة 47 عالميا في تقرير التنافسية العالمية لعام 2018 والذي يصدر عن المنتدى الاقتصاد العالمي متقدمة 14 مركزا، في عدد من المؤشرات التي يتناولها التقرير المعنية بقياس العوامل التي تسهم في دفع مسيرة الإنتاج والازدهار لـ 140 دولة حول العالم معتمداً في ذلك على 12 فئة أساسية تعتبر دعائم مؤشر التنافسية وهي: المؤسسات والبنية الأساسية واعتماد تكنولوجيا المعلومات والاتصال واستقرار الاقتصاد الكلي والمهارات وسوق المنتجات وسوق العمل والنظام المالي وحجم السوق وديناميكية الأعمال والقدرة على الابتكار، لتشكل بدورها منظومة عمل وطنية متكاملة تتسم بالاستيعاب والجاهزية في سبيل تعزيز الأمن والاستقرار وتحقيق السعادة للمواطنين وكل من يقيم على أرض عمان، والتي تستدعي المزيد من النقاشات والحوارات واللقاءات المجتمعية حولها وتحليل المعطيات والمسببات التي ساهمت في تقدم السلطنة فيها بالشكل الذي يضمن استيعاب المواطن لها وقدرتها على الدفع بالجهود الوطنية قدما، بما يعزز من فرص توظيف أفضل الممارسات والنماذج الإيجابية الوطنية الحاصلة في المجال أو المؤشر ومنحه قوة الاستمرارية وكفاءة الأداء، بالإضافة إلى إيجاد مراجعات وطنية متكاملة تأخذ في الاعتبار كل خطوط التأثير ذات العلاقة في المجالات التي تم الإشارة إليها من خلال منصات التعليم والإعلام والتدريب والخطط التنموية والموازنة العامة للدولة ورؤية عمان 2040 واستراتيجيات التنويع الاقتصادي”تنفيذ” في ظل قراءة نواتج هذا التقرير وانعكاساتها على واقع عمل المؤسسات بالشكل الذي يضمن استدامة تحقق مؤشرات هذا التميز.
وبالتالي تنطلق فرضية تساؤلنا السابق من كفاءة وفاعلية السياسات الوطنية الداعمة لتحقيق أعلى درجات الأمان الوطني، والتي شكلت الرؤية الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ استراتيجية عملها عبرّ عنها في خطابه في العيد الوطني الرابع والعشرين المجيد، وفي حديث جلالته ـ أعزه الله ـ في لقائه بأبنائه طلبة جامعة السلطان قابوس عام 2000م ، حينما قال: “نحن لن نسمح لأحد أن يصادر الفكر أبدا”، والذي يأتي انعكاسا لما أظهره التقرير في حصول السلطنة على المرتبة الأولى عالميا في مؤشر وقوع الإرهاب والذي يعكس خلوها من الهجمات الإرهابية بفضل الاستقرار السياسي والأمني الذي تتمتع به وانعكس ذلك بدوره على نتيجة السلطنة في مؤشر تكلفة الجريمة المنظمة على الأعمال التجارية والتي جاءت في المرتبة الأولى عربيا والرابعة عالميا، بالإضافة إلى الأولى خليجياً وعربياً والخامسة عالمياً في مؤشر موثوقية خدمات الشرطة، وما تؤصله هذه النتائج من فرص التناغم التي فرضت مسارات واضحة في العمل السياسي والأمني والتنموي على حد سواء، في ارتباطها بحقوق الإنسان العماني وأمنه وسلامته من المخاطر، والأثر الناتج من آلية تقديم الخدمة الشرطية والأمنية في قدرتها على ترسيخ مفاهيم إيجابية في حياة المواطن قائمة على التسامح والتعايش، وبالتالي جاهزية السياسات العمانية المتوازنة في كل محطاتها الإعلامية والسياسية والأمنية والاقتصادية الساعية لبناء أرضيات الحوار والتواصل وتعزيز حضور مختلف فئات المجتمع في صناعة الأمن، وترقية القيم الإنسانية واستنطاقها لجعلها قيم عملية مرنة منتجه تستوعب الواقع وتتفاعل مع مستجداته وتتناغم مع سياسات التطوير والتجديد في ظل حفاظها على مبادئها الوطنية وقيمها الحضارية القائمة على السلام والتعاون والتكافل الاجتماعي وتعميق المسؤوليات الفردية والمشتركة، وتأصيل ثقافة الوعي وتعزيز مساحات الشراكة مع المواطن باعتباره شريكا أساسيا في تحقيق أبعاد الأمن الوطني( الفكري والنفسي والاجتماعي والاقتصادي والتعليمي والأخلاقي وغيرها)، وترقية النماذج الإيجابية في البناء الأمني للمواطن عبر توليد الحس الأمني وتأصيل معالمه في حياة المواطن اليومية، وتعزيز كفاءة القضاء وسيادته ودور القانون والتشريعات واللوائح الداعمة لأمن المجتمع، وتقوية الخطاب الأمني وتوجيهه لتعزيز حصون الأمن الذاتي والمسؤولية الأمنية والبناء الفكري الواعي المؤصل للاعتدال والتوازن ومنع مصادرة الفكر، ومراجعة كل المسببات الأخرى التي تتنافى مع أولويات الخطاب الإعلامي ورسالته وما تتسم به من صبغة الشفافية والوضوح والهدوء والواقعية، ونقل صورة إيجابية عن الآخر المختلف، وتقوية أرصدة التقارب الفكري والتناغم المذهبي والتواصل الاجتماعي.
من هنا أصبحت هذه المعطيات ممارسات أصيلة ساهمت في إنتاج فرص الأمن وتقوية رابطة الوطن وتعزيز حضورها باعتبارها الإطار الذي يعمل فيه الجميع ويتقاسم مسؤوليته خلالها، لذلك لم تعد الصفرية الأمنية العمانية حالة عرضية أو ممارسة وقتية ارتبطت بظروف معينة، بل ممارسة وطنية أصيلة تجاوزت مرحلة التجربة فأصبحت جزء من فقه الإنسان العماني وبيئة عمله حاضرة معه في كل موقع العمل والمسؤولية، إذ كما أشرنا أن السياسة العمانية المتوازنة في التعامل مع الواقع الدولي والمعطيات العالمية المختلفة، القائمة على الشراكة العالمية والتوازنات في القرار الوطني العماني، وميزة التفرد التي تعمل في إطارها في ظل ثبات المبادئ ومصداقية العمل السياسي الناتجة عن التزامها مبادئ : عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وحل القضايا بين دول العالم وبلدانه بالطرق السلمية، ونهج الحوار في التعامل مع الازمات، والسلام العادل المتكافئ الذي يحفظ السيادة الوطنية وهوية الشعوب والحفاظ على مرتكزاتها الوطنية وحقها في تقرير مصيرها وفض النزاعات بالطرق السليمة وتبني سياسات داعمة للسلام العالمي والتكامل البشري، وتعزيز الحكمة السياسية بممارسة وطنية اكتسبت ثقة المواطن فيها وشعوره بما تقدمه له هذه السياسة من فرص العيش الكريم والأمن والأمان، على أن السياسة الداخلية ذاتها عززت مبدأ الأمن القائم على خلق الشعور الإيجابي لدى المواطن في التصالح الذاتي والتوافق الوطني عبر سياسات إعلامية متوازنة جعلت من المواطن أولوية لرفع مستوى الرعاية والحماية له، في ظل ما أثبته نهج السلطنة في التعامل مع الحالات المدارية وجاهزيتها النوعية في الحفاظ على حياة المواطن والمقيم وتوفير كل سبل الحماية له من المخاطر المتعددة ، أو عبر السياسات الوطنية المتجهة إلى تعزيز حضور المواطن في برامجها وخططها ، كونه أحد الدعائم التي عززت من حضور الأمن في حياة المواطن، ووضع الشراكة الأمنية محور عمل رئيسي لقراءة البعد الأمني في الممارسة الوطنية.
وعليه فإن صفرية الإرهاب في أرض عمان، إنما هي نتاج لسياسات التناغم والتكامل الوطني بين المؤسسات الأمنية والمدنية ودخول المواطن كعنصر مهم في خطوط التأثير ومحطات الإنتاج، وما انتهجته شرطة عمان السلطانية من سياسات تطويرية فاعلة شرطية وأمنية ومجتمعية، أو وقائية وعلاجية اكتسبت صفة الاستمرارية والنضوج والفاعلية في أداء دورها سواء في الحد من الجرائم والتي أظهر تقارير المركز الوطني للإحصاء والمعلومات أنها تتجه إلى الانخفاض في السنوات الأخيرة ، أو السياسات التي ارتبط بتفعيل مبدأ الشراكة المجتمعية الأمنية من قبل المواطنين ووضعهم في صورة العمل الأمني المشترك بما يضمن وحدة أساليب المواجهة وآليات التعامل مع الواقع الأمني فيما يتعلق بالجرائم العامة والمخدرات والمؤثرات العقلية أو الأمن المروري والسلامة على الطريق أو في كل ما يضمن المحافظة على الأخلاق والأدب العامة، كما يتعلق أيضا بالخدمة الأمنية والشرطية ذاتها ومستوى الجاهزية التي تتميز بها، ودخول الخدمة الالكترونية في العمل الشرطي بشكل فاعل ضمن سرعة الإنجاز والدقة ودرجة الموثوقية التي تحققت لها وما أبرزه تقرير التنافسية العالمية من حصول السلطنة على مراكز متقدمة عالميا في هذا الشأن ، إنما هو نتاج للجهود النوعية والتفكير خارج الصندوق وحلقات التطوير المتكاملة التي شهدها قطاع الشرطة في التعامل مع التحولات الحاصل في عمله وتشعب وتعقد دوره وتعمقه في ظل تنوع الجرائم والممارسات المعقدة التي تلازمها في أحيان كثيرة.
ويبقى الاستمرار في إدامة هذه الاستحقاقات العالمية لعمان، مدخل لقراءة الأمن في شموليته واتساعه وانسانيته وارتباطه بالإنسان ودخوله في برامج التنمية التي وضعت سقف التحول فيها، تحقيقها معادلة التوازن الأمني القائمة على وجود سياسات تنموية وأمنية فاعلة تحفظ للمواطن حقوقه، وتضمن قدرته على تحقيق واجباته في ظل مبادئ العدل والمساواة لبناء الشخصية العمانية المتصالحة مع نفسها، المتفاعلة مع العالم حولها، والتي تحمل رسالة السلام والأمن حتى أصبحت ميزة عمانية مشهودة تحظى بالتقدير العالمي لسياسة جلالة السلطان في التعامل مع أحداث المنطقة والعالم، فإن ما يتسم به عالمنا اليوم من تباينات في المواقف واختلالات بينية في ظل الأحداث السياسية التي تمر بها المنطقة، ودور الاعلام التقليدي ومنصات التواصل الاجتماعي واستغلالها السلبي في زيادة مساحات التباين ونقل صورة الآخر مشوه عن الأخر وتشويه الحقائق وتضليل المشاهد الحية حتى أصبح الإعلام وسيلة للفتنة وإثارة النزاعات وتعميق الخلافات، وللقناعة بما يمكن أن تسهم به النقاشات والتفاعلات والردود الحاصلة عبر هذه المنصات من استدراج الكثير منهم بمسميات وأسماء وهمية، يضعنا أمام مسؤولية التزام المبادئ الوطنية العليا القائمة على منهج الحوار والسلام والبعد عن كل مواطن الريب ومسببات الكراهية التي باتت تعكر الرأي العالمي وتسيء إلى الأفكار المعتدلة والقرارات الحكيمة الداعية إلى السلام والتنمية والحوار.
إن عُمان وفي ظل ما تشهده من سياسات أمنية متوازنة، بوابة الأمن العالمي وواحة للتعايش والتسامح ومنهج في العيش المشترك، وتبقى مسؤولية المواطن في وعيه بهذه الحقائق وإدراكه الفعلي بما تحمله على المدى البعيد من مدلولات شخصية ووطنية، فيتعامل مع ما يُطرح في منصات التواصل الاجتماعي والإعلام بوعي وحرص على الوقوف مع الحق والاستمساك به، ويتجنب حالة التصادم والخلاف المؤدي إلى الفرقة والشقاق، ويبني أقواله ومعلوماته على مصداقية الخبر واكتمال موثوقية المصدر، ويتجنب نقل أو ترديد المعلبات الفكرية المغلفة وتداولها عبر الواتس أب والمنصات التفاعلية الأخرى، دون التأكد من صدقه، وهو ما يضع المثقفين والكتاب والمعلمين وأولياء الأمور وطلبة العلم ومطوري المناهج التعليمية والأكاديميين ومتخذي القرار وغيرهم أمام مسؤولية الحفاظ على معادلة التوازن العمانية، في ظل بقاء خيوط التعايش الفكري والتسامح المعرفي والبناء على المشتركات الوطنية والإنسانية باعتبارها مرتكزات عمل ممتدة ومساحات اتصال متناغمة تنعكس على قراءة أو تحليل أو نقد فكر الآخر أو المعلومة المتداولة بأسلوب تعلوه الحكمة وتحتويه الأخلاق والمهنية العالية.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري