الرئيس الأميركي دونالد ترامب حسم قناعته بشأن اختفاء الصحفي السعودي جمال الخاشقجي، استنادا لتقارير استخبارية أميركية تؤكد مقتل الرجل في القنصلية السعودية بإسطنبول.
خاشقجي قتل بطريقة بشعة للغاية، وفي وقت قريب جدا ستكشف السلطات التركية نتائج تحقيقاتها في الجريمة بعد تفتيش مبنى القنصلية السعودية ومنزل القنصل.
واشنطن تلقت وعدا من الحكومة السعودية بإجراء تحقيق شفاف في الحادث ومحاسبة المسؤولين عن قتل خاشقجي.
لكن ما حدث لن يكون مجرد ملف جنائي تعالجه المحاكم المختصة. ترامب وهو أكثر المتمسكين بالتحالف مع السعودية والساعين لتخفيف وطأة الجريمة عليها، أقر بالأمس بأن مقتل الخاشقجي من أكبر الأزمات التي تواجه إدارته والعالم في الوقت الحالي، وتنبأ بعواقب وخيمة لها.
قبيل زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو للرياض، ظهرت بوادر تفاهم على رواية منسقة للخروج من الأزمة بأقل الخسائر. لكن لهجة واشنطن تغيرت بعد الزيارة، لأسباب معروفة. تلا ذلك تشدد في الموقف التركي ترجم بتفتيش مكرر لمقر القنصلية ومنزل القنصل السعودي، وإصرار على إجراء تحقيق شامل وإعلان نتائجه قريبا.
رغم حالة النفور من السعودية التي تعبر عنها مواقف دول غربية عديدة، إلا أنه من الصعب تخيل السعودية دولة منبوذة في العالم، تحاصرها العقوبات.
تصريحات ترامب ينبغي أخذها بحذر شديد، ليس لأنه صاحب تاريخ طويل بالمواقف المتقلبة فحسب، إنما لكونه رئيسا يضع المصالح المباشرة فوق كل اعتبار. تعليقاته الأولية على حادثة اختفاء الخاشقجي أثارت غضب خصومه وبعض مؤيديه في الحزب الجمهوري، وكان عليه احتواء موجة الغضب هذه بعبارات أكثر قوة، لكن في نهاية المطاف أرقام الصفقات هي ما يحكم موقف ترامب النهائي.
الحادثة وما تكشف من فصولها المأسوية ستظل تلاحق السعودية لزمن طويل، لكن دولا بهذا الحجم من التأثير في الاقتصاد العالمي، والدور الحيوي في الإقليم، لا يمكن عزلها دون النظر إلى الأكلاف الباهظة المترتبة على حلفائها الكبار في الغرب.
سياسة الدول تحكمها المصالح لا المبادىء. السعودية لن تشذ عن هذه القاعدة، وتملك من الأوراق ما يجعلها قادرة على قلب الطاولة في الشرق الأوسط وإعادة رسم التحالفات من جديد، وأكثر من ذلك التلاعب بسوق الطاقة العالمي.
ثمة قوى وأطراف إقليمية ودولية تدفع بانقلاب سياسي في السعودية كثمن لا بد منه لجريمة قتل الخاشقجي.الأمر لن يكون بالسهولة التي يتصورها البعض. القيادة السعودية ورغم إدراكها صعوبة الموقف، لا تشعر بأنها في وضع يتطلب تنازلات بهذا الحجم، وواشنطن لم تحدد بعد ماهية الثمن المطلوب.
ترامب تحدث صراحة عن صفقات بمئات المليارات مع السعودية، كيف يمكن تعويضها؟!
روسيا تفكر بنفس الطريقة، ودول الاتحاد الأوروبي لن تقاوم الإغراء الاقتصادي طويلا. أما الصين صاحبة السجل الطويل في انتهاكات حقوق الإنسان فلن تعرض نفوذها الاقتصادي للمخاطرة.
الحادثة تحولت إلى أزمة واسعة النطاق، هذا شيء لا يمكن التشكيك فيه، وستبقى حاضرة بقوة في المشهد السياسي والإعلامي لفترة طويلة. لكن السؤال الذي سيشغل بال الجميع في قادم الأيام، ما هو الثمن المطلوب لاحتواء الأزمة وليس الجريمة بحد ذاتها ؟.