عباس للعالم: لسنا شعبا زائدا

عروبة الإخباري- كتب سلطان الحطاب – سيبقى أبو مازن يدق جدران الصهريج كما في رواية غسان كنفاني “رجال تحت الشمس” وسيبقى يحمل الحلم الفلسطيني ليصعد به كما في “أسطورة سيزيف” والذي لم يتوقف وهو يصعد ثم يعاود الصعود ويفشل ثم يعاود الكرّة لينجح.. وها هو في الأمم المتحدة مرة أخرى في الدورة (73) يحمل حلم توليد الدولة الفلسطينية المستقلة التي جاء بها مراقب قبل سنوات وسط اشفاق المحبين والكارهين ثم يواصل ليجعل المجتمع الدولي برمته بما في ذلك إسرائيل توقع شهادة ميلاد هذه الدولة العتيدة المعجزة!!
قال لهم .. كان يخاطب كل أعضاء الجمعية العمومية الغالبية العظمى التي فهمته والأقلية القليلة التي ناكفته بالامتناع أو بتصويت “ضد” قال لهم: “عليكم أن تتكلموا فما زال الشعب الفلسطيني مصلوبا على خشبة الاحتلال وما زال رئيسه يتسرب عبر شقوق الاحتلال ليتنسم شعبه هواء الحرية”.
نداءات الرئيس المستمرة ما زالت تتجاوز أسماع المجتمع الدولي الصامت، وما زالت تتواصل إلى أن يرفع الذين في آذانهم وقر أصابعهم من آذانهم ويفتحوا أعينهم على صورة الاحتلال البشعة، التي يقف وراءها محتل مدجج بالسلاح مؤيد من الولايات المتحدة الأميركية، يمارس الاحتلال والقتل والإبادة في زمن لم يعد فيه غير إسرائيل قادرة بفعل الحماية الأميركية على فعل ذلك..
الرئيس محمود عباس لا يريد العالم أن يخترع العجلة فيما يريد أن يفكر به .. هو يذكرهم .. يذكر دول الأمم المتحدة وممثلوها من الحاضرين أنهم مروا بحلقات الاحتلال في أوطانهم وأن الاحتلال قد زال عن أوطانهم فلماذا فلسطين ما زال احتلالها قائما؟
لماذا تتوقف العدالة على أعتاب فلسطين .. ولماذا ينزل قطر الحرية في كل بقاع العالم ويظل الشعب الفلسطيني ظمآن للحرية فهل هو شعب زائد؟
لماذا اقر العالم كله أن تقاتل الشعوب من أجل حريتها واستقلالها وطرد غزاتها .. في اسيا وأميركا اللاتينية وفي أوروبا .. في فرنسا في مواجهة النازي وحتى في الولايات المتحدة لاستقلالها من التبعية البريطانية وفي الهند والجزائر وحتى كوبا.. وإلى ميرامار آخر مواقع الاستعمار .
لماذا يستمر خطاب الضحية يتلى ولا يمل السامعون أو يطالبوا بانصاف أهله؟ لماذا تتكرر صورة أغصان الزيتون في اليد الفلسطينية منذ حمل الغصن الرئيس الراحل عرفات قبل أربع وأربعين سنة وظل يذكر به الرئيس محمود عباس منذ جاء إلى الأمم المتحدة أول مرة..
ما زال الرئيس عباس ينادي ” لا تهزموا السلام” ، وما زال يحمل بذوره ليزرعها . وما زال يبحث عن أرضه المصادرة ليزرع فيها السلام، وما زال يطالب بإزالة الألغام والأسوار والأسلاك فيها ليتسنى لشعبه حراثتها والبناء عليها.. لماذا يصمت العالم..؟ لماذا تترك إسرائيل تسرح وتمرح وتعربد وتتجبّر وببلطجة لم يمارسها إلا الفاشيون والنازيون.. لماذا يترك للدبابات أن تهدم البيوت وللنازية الجديدة أن تسجن الأطفال الرضع والأجنة في أرحام الأمهات وتصنع أكثر من مانديلا في سجون الاحتلال التي تراقب ولا يحاسب من صنعوها؟
إن بقاء الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال هو تدمير للأسس والمبادئ التي دافعت عنها الأمم المتحدة وهو إدانة لدورها وفلسفتها..
الرئيس عباس طالب إسرائيل والمجتمع الدولي أن ينهي الاحتلال عن شعبه وإلا عليها أن تقبل صورتها البشعة بالاحتلال والمنبوذة نتيجة عدوانها وطالبه بدولة معترف بها ومستقلة وبحماية الشعب الفلسطيني الى ان تقوم.
لقد عمل العالم من أجل تحقيق فكرة الحل المتمثل في بناء الدولتين أحدهما بنيت والأخرى ما زال شعبها ينتظر ، ومنذ بدايات الحلم زهقت أرواح وسالت دماء ودفعت شعوب ودول أموالها .. لقد خذلت اسرائيل العالم كله ولم تخذل فقط الشعب الفلسطيني وخدعت العالم وما زالت تخدعه.. وكذبت عليه وما زالت تكذب ..
لقد جاء الرئيس عباس إلى الأمم المتحدة مرة أخرى ليكون شاهدا على ما حدث ونذيرا مما يفعله الاحتلال ومبشرا بالأمل الذي لا يريد أن يفقده ولا يريد لشعبه أن يفقده وأن يدخل إلى دوامة العنف والقتل وإراقة الدم.. فهل من مجيب؟
قالها الرئيس من قبل أننا سلطة بلا سلطة واحتلال بلا كلفة وعاود قولها الآن على أسماع الأمم المتحدة.
لله درك أيها الرئيس لصدقك .. ولكن من يدعون الوطنية ممن أداروا انقلاب غزة لا يعترفون بل يصل بهم الأمر أن يدعوا أن الرئيس عباس الذي يحمل حلم شعبه ويترجم معاناة قضيته للعالم في المحافل بما في ذلك الأمم المتحدة..”أنه لا يمثل أحدا”.. أليس هؤلاء هم أدوات الاحتلال؟ .. حتى إسرائيل تتردد حين تقول أن الرئيس عباس لا يمثل الشعب الفلسطيني فكيف لفلان من حماس أوعلان ممن أدمنوا “تجارة الإنفاق” وإذلال شعبهم بانقطاع الكهرباء وأسباب العيش أن يقولوا وأن يدعوا أنهم سلطة وأنهم مقاومة وأن أيديهم طاهرة ، وإذا كانت طاهرة من مساعدة الشعب الفلسطيني بفك الحصار فهي ليست طاهرة من الزج بشعبنا والمقامرة به ودفعه إلى الموت العدمي كمن يصب الماء في سنسلة دون أن يحاسبه أحد!!
مقرفة هي تصريحات بعض قيادات حماس وهي طعن للشعب الفلسطيني في ظهره بل في صدره هذه المرة، وما تلفظت به أخيرا إحدى الشخصيات الحمساوية عن عدم تمثيل الرئيس عباس لشعبه هو تصريح مدفوع الثمن جاء في اللحظة الأخيرة.
افهم أن تقاوم حماس الرئيس عباس حين يكون هناك تفريطا أو استمرارا لمحادثات إسرائيلية – فلسطينية عقيمة أو قبول بوساطة أميركية منحازة عندها ربما يبرر لها ذلك.. لكن أن يجري الهجوم على الرئيس وأن يهاجم بعدم تمثيله لشعبه وهو في ذروة الاشتباك السياسي مع العدوانية الإسرائيلية في الأمم المتحدة فذلك كفر بالوطنية وخروج عن المنطق وتقاليد الشعب الفلسطيني، وفيه غدر ونكوص لا بد لشعبنا أن يحاسب عليه وأن يطارد بالعمل واللعنة هذه الفئة الضالة العبثية كما جرت مطاردة النازيين لأنهم لم يكتفوا بما سببوه لغزة بل إنهم يريدون إلحاق الضفة الغربية!!
كان على حماس التي نحترم بعضا منها أن تسكته لأن الرئيس عباس يقيم الصلاة الوطنية في الأمم المتحدة ويصعد منبرها.. وكان عليهم أن لا يرطنوا أو يرفثوا أو يرتكبوا الفسق بالتعبير، وكان من الواجب أن يصمتوا لأن قائد الشعب الفلسطيني صعد إلى المنبر .. وعندها “لا صلاة ضالة ولا كلام مأجور”.
الرئيس عباس الذي أعرفه عازف عن السلطة دعا لانتخابات وذات يوم مكّن حماس من أن تكون ممثلة.. وهو يدعو الآن لما كان دعا إليه.. إلى انتخابات تشريعية ورئاسية ولكن الذين صعدوا فوق الشجرة وأكلوا الثمر المحرم المجبول من عرق الشعب ودمه عبر انفاق غزة لا يريدون أن ينزلوا عن الشجرة بل أنهم حطموا السلم الذي صعدوا من خلاله ليستبدلوه بأساليب جهنمية أخرى.
الرئيس عباس “سيزيف” لم يتعب في أن يعاود المشوار بعدما وقع الحجر الذي حمله إلى أعلى الجبل وتدحرج . قالها مخلصا تعالوا إلى كلمة سواء.. تعالوا لنقاوم الاحتلال معا ونطرده من كل شبر إن كنتم صادقين؟؟
الرئيس عباس سيحمل إيمانه وسيحمل وطن الشعب الفلسطيني حيث يجدر أن يظل به حيا وإلى أن يحل السلام وإلى أن يفرض العالم السلام ويوقف الوحش النازي الإسرائيلي الجديد انها مسؤولية العالم أيضا الذي لا يجوز أن يظل صامتا..

شاهد أيضاً

رسائل بالأسلحة وردود راشدة* د.منذر الحوارات

عروبة الإخباري – غرق شهر نيسان هذا العام بالترقب والتوجس وتوقع ما هو أسوأ وربما …