بعد القى رئيس وزراء دولة الاحتلال خطابه من على منبر الأمم المتحدة، تأكد للمرة الالف بأن دولة الاحتلال ماضية في سياساتها العنصرية، وهي لا ترى أصلا أن هناك شعب فلسطيني ليكون له حقوق تعترف هي بها، وكلي ثقة بأن هذا الخطاب يعبر بشكل أو بآخر عن رأي مواطني دولة الاحتلال الذي أقر برلمانهم (الكنيست) قانون القومية العنصري المُلغي لحق ووجود أصحاب الأرض الاصليين الذين سيبقون متشبثين بأرض الأجداد مهما بلغت عنصرية دولة الاحتلال.
وفي مقابل هذا الخطاب العنصري وسياسات القمع والاقتلاع بحقنا، نجد أن وضعنا الداخلي في أسوء أحواله ونكاد نفقد البوصلة إذا لم نكن قد فقدناها فعلا، وقد يكون الاعلان عن يوم الأول من تشرين الأول يوم إضراب شامل في أرض فلسطين التاريخية وفي مخيمات الشتات، تعبيرا، مقصودا أو غير مقصود، عن حاجتنا إلى توحيد أنفسنا كشعب واحد شتته النكبات والاحتلالات والمؤامرات، وزاد من تفككه تمسكنا بمصالحنا الفئوية والفردية على حساب المصلحة الوطنية، ولم يعد يجمعنا، للأسف، سوى الخلاف وتشبثنا برأينا ونفي الرأي الآخر داخل المجتمع الواحد، وأعتقد جازما بأن هذه الحالة دخيلة على ثقافتنا السياسية، وإذا ما عدنا قليلا إلى الوراء سنجد قصص كثيره حولها القادة الفلسطينيون من موضع خلاف إلى أساس لمزيد من الوحدة داخل الصف الفلسطيني.
نعم، اتفاق اوسلو أدخلنا في متاهة وخسرنا الكثير سياسيا واجتماعيا وزاد ارتباطنا الاقتصادي بدولة الاحتلال، ولكن وفي ذات الوقت لا يمكن لنا أن نقول بأن هذا نهاية المطاف وأن ما شكلته الاتفاقيات هو واقع لا يمكن الخروج منه ولا يمكن إزالة آثاره السلبية، فكلنا يعلم بأن الشعب الفلسطيني لا يمكن له أن يقبل بهذا الواقع الذي وصل حد الانفجار، فما نراه من حالات ووقائع على الأرض بسلبياتها وايجابياتها تعبر عن حالة الغليان والضغط في أوساط الجمهور التي ستنفجر عاجلا أم آجلا ولكن يبقى السؤال في وجه من ستنفجر؟.
الإجابة التي سترضي الجميع هي الانفجار في وجه الاحتلال، ولكن هل وضعنا الداخلي مهيأ لأن يكون فعلا الانفجار في وجه الاحتلال وليس انفجارا داخليا يأخذ معه الاخضر واليابس ويعيدنا إلى ما هو أسوء من النكبة عام 1948 وما تلاها؟ نعم علينا أن نعمل على تحصين وضعنا الداخلي حتى لا تنفجر الأوضاع في وجهنا نحن، علينا أن نعيد ثقة المواطن بمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، علينا أن نلتفت لهموم الناس الذين ينتظرون من القائمين على المشروع الوطني أن ينشلوهم من واقع البطالة والقهر والضياع، لأن هذه مهمة قادة المشروع الوطني وليس شيء آخر، حالة الضياع التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحتم على جميع مكونات النظام السياسي إعادة النظر في خطابهم ومواقفهم ومسلماتهم، المطلوب هو مصارحة الشارع الفلسطيني إلى أين هم ذاهبون بنا، دون أن يقولوا لنا نحو التحرر والاستقلال لأن التحرر والاستقلال بحاجة إلى وحدة وطنية والاتفاق على برنامج سياسي وأدوات نضال وعلاقات داخلية مبنية على أساس الثقة والمكاشفة والصدق.
استمرار الانقسام سيقضي على البقية الباقية، ولن يساعدنا أحد في الخروج من هذه الحالة سوى أنفسنا، وليس من المنطق أن ننتظر من أحد أن ينهي لنا الانقسام فهذه إرادة داخلية أولا وأخيرا وهي بحاجة إلى قرار سياسي على مستوى الطرفين المنقسمين ينهي هذه الحالة، فالجهود التي تبذلها الشقيقة جمهورية مصر العربية منذ اللحظة الأولى من الانقسام يلزمها إرادة فلسطينية التي بدونها سنبقى ندور في نفس الحلقة المفرغة.
لا يمكن أن نواجه الاحتلال ونحن منقسمون، ولا يمكن أن نعيد روح الثورة دون أن يشعر كل فرد فلسطيني بأنه في نفس الخندق (الحزب الفلسطيني الواحد) مع القادة والسادة،- إن صح التعبير -، ولا يمكن استنهاض الحالة الجماهيرية في ظل غياب العدالة الاجتماعية، وضعف القانون، وتحويل المؤسسات إلى اقطاعيات وممالك تتبع رئيسها، حالة الاحباط وصلت مداها وهي بحاجة إلى مُخَلص، بحاجة إلى من يوقف هذا السقوط ويعيد روح التضحية الجماعية والتضامن بين جميع مكونات الشعب الفلسطيني أنما وجدوا في الداخل والمنافي والشتات، الأخ الرئيس ابو مازن لديه القدرة والنية لفعل ذلك.
إن الوضع الحالي غاية في الخطورة، وصفقة القرن التي لا نعرف لغاية الآن ما هي تفاصيلها ولكن نلمس بنودها على أرض الواقع ليس بدءا بالاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال وليس انتهاء بتجفيف أموال الاونروا ومحاولة شطبها تمهيدا لشطب قضية اللاجئين الفلسطينيين، وليس انتهاء ايضا بتراجع مواقف بعض الحكومات العربية والعالمية، سرا وعلانية، عن تأييدها للحقوق الفلسطينية، مع اعترافنا وتقديرنا لمواقف الامة العربية والامة الاسلامية، فإن المطلوب هو مراجعة شاملة من خلال الدعوة لعقد المجلس المركزي، يضع خطة انقاذ وطني شاملة،ويعيد الاعتبار للمشروع الوطني ولمنظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، ويضع أسس للشراكة السياسية بعيدا عن المصالح الفئوية والفردية والزبائنية السياسية.
الوحدة هي الطريق… والمنظمة هي المظلة، وبدون الوحدة وبدون إطار جامع (المنظمة) سنواصل السقوط وحين نصل لن يبقى شيء نتقاتل أو نتفق عليه،…، فهل من مجيب؟