شَكلُ الحوارِ الدائر على صفحاتِ التَواصلِ الاجتماعيّ بهذا الشكل لا يُمكن أن يُفضي الى أي تَفاهُمات حول القانون، لا بل أنه يَزيدُ من نُموِ حالةِ الاِحتِقان والتوتر في الشَّارع.
شَكلُ الحوارِ الحالي على صفحات التواصل الاجتماعي لا يمكن أن يوصِّف ألا أنه «حوارُ الطُرْشان « لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ، فجزءٌ كبير منهُ هو حالةٌ مُتعارفٌ عليها في أي حِوارٍ يَحدُثُ في المُجتمع، قَضيةٌ مهما كان حَجمها او أهميتها، وهي في الغالب لا تقرأ شيء، بل في حالةٍ رفضٍ مُستمرة لا تنتهي، ولديها من التراكُماتِ السلبيّة ما يجعلُها تَرفُضُ كل شيء.
جزءٌ آخر من النقاشِ يَتسمُ بالتسرع والتخبط، وَيَرى أن مَشروع قانون الضريبة الحالي هو نسخة طِبْق الأصل عن مشروع قانون حكومة الملقي، والحقيقة ان رأيهم هؤلاء سيستند الى مواقف مُسبقة غيّر مُبنيّة على أية دراسات او مقارنات علميّة، علما أن مَشروع القانون الحالي يَختلفُ كُلياً عن القانون المَسحوب.
البعضُ الاخر من أشكال النِقاش -هم قِلَّة في المجموع- يَبحثون مُقارنات حقيقيّة بين المَشروع الحالي والقانون المعمول به، ويربطونه بالواقع الاقتصاديّ، والنتيجة التي يتوصلون اليها هو عدم قناعتهم بالقانون وفقدان العدالة المرجوة منه.
الحقيقة أن الحِوار السَليّم لمشروع ِقانون الضَريبة هو الذي يوازن بين مُتطلبات التصحيح المالي وفق الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وبين مُتطلبات حماية الامن المَعيشيّ للمواطنين وتحفيز الاقتصاد الوطني.
يرى البعضُ أن استجابة الحكومة لشروط صندوق النقد الدولي هي ضُعْف ونقطة تُسجّل عليها، وقد يكون هذا الكلام الى حدٍّ ما صحيحا، لكن هل تقوى الحكومة على مواجهةِ تداعيات خروجها من إطارِ التفاهم مع الصندوق، وكيف للحكومة أن تَحصُلَ على مساعداتٍ ومنح من الخارج دون شهادة حُسنِ سلوكِ من الصندوق للمانحين، هل هناك خيارات او بدائل امام الحكومة لمواجهةِ هذه التداعيات الخطيرة على الاقتصاد من حيث الاستمرار على الحفاظ على دينارِ قوي، واستقرار اقتصاديّ في منطقة يشوبها حالة من عدم اليقين.
لِنَعّترف بالحقيقة التي لا يريد أن يَسمعها الكثير من الاردنيين، نحنُ في الأردن لا نملكُ تلك الخيارات التي تُمكننا من المناورة مع الصندوق او غيره من المانحين، فاقتصادنا لا يسمحُ بهذه الإمكانية، ولا وضعنا السياسيِ الإقليميّ يَسمحُ بذلك أيضاً.
حتى النقاش في البنود الخاصة بنِسَب الاعفاء او الَضريبة او غيرها من المفترض ان يتجه نحو أسئلة اقتصاديّة واجتماعيّة بحتة، وتبيّان فيما اذا كانت تلك النسب والإعفاءات تّحقّق المُطلوب من اَي قانون ضَريبيّ، وتحقّق العدالة الاجتماعية المرجوة منه وتحمي المواطنين من أية تداعيات سَلبيّة على أمنه المعيشيّ، وتُساهم في تحفيز الاقتصاد الوطنيّ من خلال زيادة إنتاجيّة القطاعات الصناعيّة وتعزيز ثِقَة المستهلكين باقتصادهم.
دراسةُ بنودِ قانون الضريبة وأثره على المجتمع يجب ان يستند الى دراسات علميّة مبنيّة على إحصاءات دقيقة، ولا يوجد هنا مجال للتلاعب أو للتأويل، وبعد ذلك يأتي إسقاط نتائج الدراسة على الحالة الاجتماعيّة في المجتمع، لِيُصار بعد ذلك التوازن بين التداعيات في كلا الجانبين.
يجب ان يكون هناك إجابات رسميّة واضحة ومستندة الى دراسات توضح حقيقة التساؤلات التي تَدور في الشَّارع حول الأسباب التي جعلت الحكومة تفرضُ هذه النسب الضريبيّة على القطاعات المختلفة، وتبيان الجدوى الاقتصادية لتلك النسب.
نعم يجب ان يكون الحوارُ الاقتصادي حول قانون الضريبيّ بعيداً عن الشتم والذم والقَدْح، المطلوب حوار مسؤول تحت القبة البرلمانيّة، فالنواب اليوم سيكون لهم نصيبٌ وافر في ادارةِ الحوارٍ العقلانيّ مع المجتمع وأطيافه، وأن لا يخرج عن نطاق النقاش من المسؤوليّة الوطنيّة التي تصبّ في مصلحةِ استقرار المملكة ، ويوازن بين التحديات الداخليّة والخارجيّة، ويلبي استدامة الحكومة في تمويلِ نفقاتها وإعادة جدولة مديونيتها الخارجيّة من جهة، وتأمين الاستقرار المعيشيّ للأردنيين وتحفيز الاقتصاد ورفع معدلات النمو، حتى يتمكّن الاقتصاد الوطنيّ من مواجهةِ تحديات الفقر والبطالة واستقطاب الاستثمارات الأجنبية.