عروبة الإخباري- كتب سلطان الحطاب- اليوم الذكرى الثامنة والأربعين لانطلاق النهضة العمانية وهذه مسافة في المسيرة الخيرة التي قطعها العمانيون منذ ذلك اليوم الأخر لانطلاقة حريتهم وحتى اليوم الذي تتباهى فيه عمان بإنجازاتها الكبيرة، وهي تسير مع قيادتها الوطنية الظافرة التي بدأت بصبر وحكمة وحرص، لتضع العمانيين على خريطة التطور والحضارة والعطاء…
لم تتردد القيادة العمانية قيادة السلطان قابوس منذ انطلقت في ذلك اليوم تحمل بشرى الحرية والاستقلال والتعبير عن الذات، في أن تحمل آمال العمانيين وتطلعاتهم لتصبح واقعاً ملموساً.
لقد ولد ذلك اليوم وسط تحديات عديدة داخلية ذاتية وخارجية موضوعية, ففي الداخل كان الفقر والأمية والتخلف يشكل سمّة غالبة إلى أن جاءت صافرة البداية التي أطلقها القائد قابوس لتجب ما قبلها، وتبدأ في تحويل البلاد إلى فرص وخطوات جديدة باتجاه التطور الاقتصادي والاجتماعي ورد الاعتبار للعُماني ليعتز بتاريخه ويعيش واقعه الجديد بتفاعل وايجابية, فكانت المدارس والمستشفيات وأشكال عديدة من البنية التحتية وكانت البدايات الواضحة في تطوير الزراعة وبناء الصناعة وتأكيد الهوية الوطنية العمانية.
أما على الصعيد الخارجي والموضوعي, فقد أدركت القيادة العمانية حجم التحديات والمخاطر المحيطة قي ذلك اليوم، فصمدت وكافحت وردت الأطماع ووقفت في وجه الاستهدافات فكان النصر في الجنوب العُماني ليبقى التراب الوطني موحداً والبنية الاجتماعية متراصة والفكر العماني ناصعاً بعيداً عن التلوث.
كان الصمود الأسطوري لهذه القيادة المخلصة التي لم تساوم ولم تهادن في سلامة التراب الوطني وفي ضمان الاستقلال وكان لها ذلك, ويومها دخلت هذه القيادة عملية اقتلاع الأشواك وردم كل أسباب عدم الاستقرار وانتزاعها فكانت المفاوضات على الحدود مع دول الجوار والعمل على جعل كل الخلافات المعلقة في حالة الصفر.
لقد كان هاجس القيادة العمانية آنذاك تصغير كل الخلافات مع أي طرف، حتى تتفرغ القيادة العمانية للعمل في الداخل من أجل انتشال العمانيين من مرحلة المعاناة إلى مرحلة التطور والتقدم، التي أعطت الآن ثمارها في بناء هذه القلعة العمانية الحصينة المزدهرة التي قدمت للعالم نموذجاً في الاعتماد على النفس وحسن التدبير وبناء سياسة ودبلوماسية متوازنة إنسانية محايدة ايجابياً, وقادرة على التعامل مع كل الأطراف الدولية بصيغة التوازن والاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الآخرين.
لقد أصبحت سلطنة عمان في عيون العالم موقعاً للاستقرار والحكمة والقدرة على استعمال فائض الاستقرار، والحرص العماني على بناء السلام ما مكّن أطرافاً عديدة من الاستفادة من هذه السياسة التي ظل التعبير عنها واضحاً وقائماً في سياسة ودبلوماسية عمانية ملموسة وظاهرة للعيان.. استخدمت بوضوح وجلاء في نزع فتيل الصراعات والخلافات لتجنيب الإقليم التوترات الخطرة والاحتقانات المفضية إلى الحروب.
كما استخدمت الدبلوماسية العمانية بكفاءة في التوسط لدى الدول المتخاصمة لفض نزاعات بدت مهددة لهذه الأطراف، فكان التوسط لإقامة حوار أميركي إيراني ,وأخر إيراني مع دول الخليج وأيضاً في محاولات تجنيب العراق ما واجهه.
وظلت “دبلوماسية “سلطنة عمان تحذر مما جرى في سوريا وما ألت إليه الأوضاع فيها نتيجة التدخلات غير المحسوبة والمندفعة والتي لا تخدم مصالح الإقليم.
كما تجلت الدبلوماسية العمانية التي أطلق أفكارها وهندس مساراتها السلطان قابوس ظلت تناصر الشقيق وتقف إلى جانبه، وظلت ترفض سياسات النبذ والإقصاء، حتى وقفت السلطنة إلى جانب مصر يوم اتخذت قرارات عزل مصر عن محيطها العربي في الثمانينات أثر توقيع مصر اتفاقيات كامب ديفيد.
كما وقفت سلطنة عمان ضد حروب الخليج ودوافعها وظلت تحتفظ بعلاقات طيبة مع مختلف الأطراف لتوظف ذلك لصالح الأمن والاستقرار والحفاظ على المقدرات الاقتصادية والبشرية العربية.
لقد التفتت القيادة العمانية قيادة السلطان قابوس للمواطن العماني من اللحظة الأولى للنهضة العمانية، لتعطيه حريته وتضمن له الكرامة والعيش بكرامة، فكانت كلمات السلطان الأولى وهو يظهر مسؤولاً لشعبه يدعوا الشعب للدخول إلى فجر جديد فيه حريته وفيه استقلاله والإمساك بتاريخه المجيد, وكانت المراسيم السلطانية كافة تصب في إطار بناء الشخصية العمانية وتمكينها من أجل بناء الوطن العماني، وبناء التنمية المستدامة التي جعلت في خدمة الإنسان وتطوره وأسباب عيشه فالإنسان في فلسفة السلطان هو صانع التنمية والتنمية في خدمة الإنسان..
لقد أدرك العمانيون اليوم وبعد ما يقارب نصف القرن من مسيرة ظافرة، أنهم قطعوا مسافة طويلة وكافية للمراجعة، وأدراك حجم الانجازات التي تمت والتي يأخذ النظام العماني جانبا من شرعيته من الانجاز إلى جوانب الشرعية التاريخية والأخلاقية العميقة، التي وحدت العُمانيين وجعلتهم على مختلف مشاربهم على قلب رجل واحد خلف قيادة واحدة موحدة..
لقد نقل السلطان قابوس بعد مضي أكثر من أربع عقود من توليه مسؤولياته الدستورية والتاريخية عُمان لتصبح دولة محورية وأساسية قادرة على الانجاز وفي بؤرة التفاعلات ودوائر الاهتمامات ومساهمة حقيقية في الأمن والاستقرار الدوليين.. فكانت السياسات العُمانية التي قادها وصممها السلطان قابوس في متناول الأطراف كافة من حيث ايجابيتها وتوازنها وفائض إنسانيتها، وأشارت السجلات العُمانية المقروءة والمعاصرة على المدى الذي وصل إليه التأثير العُماني في كثير من السياسات الدولية ولجوء دول عديدة نافذة وكبرى لطلب الواسطة العُمانية، واللجوء إلى القدرة العُمانية المقبولة لدى كل الأطراف لإنقاذ رهائن أو نزع فتيل أزمات صعبة..
في زمن السلطان قابوس وعهده الممتد، لم تتردد عُمان في الانتصار للقضايا العربية العادلة كافة، فكانت قد أولت القضية الفلسطينية اهتماما وجاءت زيارة الوزير للشؤون الخارجية يوسف بن علوي بن عبدالله لتترجم توجهات السلطان قابوس في زيارة معالي الوزير بن علوي لفلسطين وللقدس ووقوفه إلى جوانب عدة من قضية الصراع العربي – الإسرائيلي وقوله :”أن من رأى ليس كمن سمع”، ومساهماته المعنوية والسياسية في الانتصار للقضية العربية بواقعية ونفس ايجابي ، كان موقع اعتزاز كل الفلسطينيين الذين استقبلوا زيارته التاريخية بغبطة وتقدير وقد لهجوا بدور السلطان ومساعدته والتزامه..
لقد ظلت السياسة الخارجية العمانية بعيدة عن التجاذبات وجاءت الرسالة الإعلامية واضحة منذ أرادها السلطان بيد أبناء مخلصين من أبناء عُمان فكانت وزارة الإعلام العمانية بكفاءاتها خير ناقل ومترجم لهذه الرسالة، وكان الخطاب العُماني بعيدا عن المهاترات والحملات التحريضية والمغرضة وفيا للفكرة العُمانية الايجابية ونهج السلطان الواضح..
فجاء الخطاب الإعلامي العُماني حاملا لرسالة التنمية وبناء الإنسان في الداخل، وحاملا ومدافعا عن الرسالة العُمانية في تجليات المشاركة مع الآخر.. دولاً وأفكارا وخطابا يقبل الآخر، ويحرص على الحوار، ويبتعد عن البغضاء والكراهية، ولذا جنبت رؤية السلطان ودبلوماسية دولته وخطابها الإعلامي العُمانيين ما أصاب غيرهم من دول الجوار أو دول عربية عديدة مزقتها الخلافات والفهم الديني والمذهبي الخاطئ، ودفعت فريسة الهوى والعنف والتدخلات الأجنبية بأشكال مختلفة.
إن الوقوف على ذكرى هذا اليوم الثالث والعشرين من تموز تحمل دلالات عميقة للعمانيين حيث تتواصل نهضتهم .. فالنهضة العُمانية ليست ثورة أو انقلابا وليست فعل يوم واحد.. بل نهضة مستمرة تحمل دوافع اليوم الأول وتواصل رحلتها في البناء الإنساني والحضري والعمراني لسعادة الانسان.. وهذه الذكرى المتصلة التي راكمت انجازات واسعة هي اليوم محط اهتمام دول وشعوب عديدة في هذه المعمورة، رأت في التجربة العُمانية نموذجا يحتذى، ويترجم الخصوصية العمانية وحتى أشكال وتجليات الديمقراطية العُمانية التي تمارس دون الانصراف إلى الحديث عنها فقط، فقد ظل عنوان هذه الديمقراطية المشاركة في أقصى حدودها على مستوى الانتخابات للشورى وللبلديات والتمثيل الأفضل للمرأة والشباب، وكان لتوازن الفكر العُماني القائم من رؤية سلطانية متوازنة أن حفظ عُمان من عواصف المتغيرات التي حملها ما سمي بالربيع العربي، الذي هب على عُمان فكان بردا وسلاما وفرصة للتغيير والبناء لا الهدم والاقتلاع.. وكان وعي الشباب العُماني لتوجيه قيادتهم كفيلا بتفويت أشكال من التآمر والعبث بالأمن والاستقرار.
لقد صمدت عُمان حتى في وجه أولئك الذين حسدوها أو كادوا لها ممن استهدفوا نموذجها وأمنها واستقرارها، فردت كيدهم إلى نحورهم ومضت غير ملتفتة لكيد الكائدين ومكر الماكرين، فالصلابة العُمانية أقوى من أن تكسر وأشد من أن تعصر.
في هذه المناسبة الخالدة فإن الدعاء موصول أن يحفظ المولى السلطنة والسلطان وأن يستمر تراكم الانجاز وعلوه وأن يواصل الإنسان العُماني سعيه للازدهار والمجد.
عاش الثالث والعشرين من تموز يوليو من عام 1970 خالدا عصيا على النسيان.. وعاشت انجازاته المستمرة والمجد لعُمان والدعاء لسلطانها الباني بطول العمر