رجل عجوز يتكئ على عكاز خشبي، وذاكرة لا تقوى إلّا على العودة إلى تلك الطفولة، التي كانت هناك وراء الحدود حيث الأرض السليبة، يهدهد العمر بين عينيه فلا يراه، ورجع الصدى والشوق لا يحيله إلّا إليه، وحين يحاول أن يشتمه لا يشمه، لتبقى الحسرة سيدة اللسان.
في الطريق…
امرأة مسنّة تجلس على دكة المنزل وحدها، لابسة ثوبها التراثي وخالعة نعلها، قربها خيالات من كنَّ يجالسنها من نساء الحي، اللواتي شاطرنها أيام البلاد، ومُتْنَ، فذبلت في حدقتيها الحياة، وهي ترى أنّها تموت رويداً رويداً مع كلّ موت جديد، ومن تراكم فقر ونسيان حنين يفتر الدفء ويَنْفَقُ العباد.
في الطريق…
شاب يغذّ الخطى نحو مستقبله، يهرول يركض فلا يجده، يذبل، نصف الأحلام تهوي في منتصف الدرب، نصفها الآخر يقف عند مفترق الطرق، ووحده المستقبل مجهول، والنجم المنزوي هناك، وسط كثبان العتمة يشع قوياً، وحين يدرك وحدته، يخفت رويداً رويداً، ما أضيق العيش مع طول هذي الحياة.
في الطريق…
فتاة جميلة في الثلاثين، بهت بريقها حين تكاثفت عليها الخيبات، هذا يجيء ولا تدري لِمَ يذهب، وذاك لا يجيء، وهي لا تدري لِمَ لا يجيء، والمرآة توسطت حائط غرفتها، تناظرها حزينة صباح مساء، والمنظر كئيب يغدو، لا يخفف من وطأته سوى صوت الجارة البدينة في الخارج، تقول لأمها المسكينة: النصيب.
في الطريق…
طفل فقير، يحلم بِكرة، بدينار يجده، يحقق من خلاله جلّ أحلامه، وأحلام الصغار صغيرة كأكفهم الطرية، قبل أن تشوه ملامح براءتها أعمال الطبقة الفقيرة، والفقراء ينمون على مهل وعلى وجع، وذاته الطفل يتمنى أن يكبر ظناً منه أنّ الكبار لا يشعرون بالبرد، ومن فرط الفقر وشدة الصقيع يرج ويرتجف.
في الطريق…
طفلة رقيقة أمام البيت تداعب دميتها، والقدر الفتاك ينتظرها أن تصبح صبية، حتى يغتالها، “تعدّدت الأسباب والموت واحد”، ذاك المرض الخبيث ربما أصابها، أو سائق مراهق يسابق الريح بسيارة أبيه الفارهة دهسها، أو طلقة رصاص طائشة لفرح في الحي عن غير قصد اختارتها، أو أحد إخوتها حرصاً على الشرف المطعون زوراً وبهتاناً بالسكين قتلها.
كلّ هذا قد لا تجده في بيت … كلّ هذا حتماً تلقاه في الطريق !!!
أحمدأبوحليوة