شعار «المصارحة « يختصر استراتيجية الاصلاح الوطني الشامل بكل يقين وهو عنوان المسيرة نحو المستقبل بلا مبالغة، فإذا أرادت الحكومة أن تمضي بشكل جاد في تنفيذ وعودها على ترجمة كتاب التكليف بطريقة صحيحة فلا بد لها من أن تسلك مسلك المصارحة والمكاشفة مع مواطنيها ودافعي الضرائب بلا مواربة، ودون اتباع سياسة التخفي خلف المصطلحات، ودون الاختباء خلف جلالة الملك، ودون اتباع سياسة الاستعلاء الحكومي المصحوب بمنهج الاستلطاخ والاستغباء والاستهبال بشكل مزرٍ لعموم جماهير شعبنا الواعي والصبور.
المعاناة الحقيقية لدى الأردنيين ولدى أغلبية الشعوب العربية على وجه الاجمال تتمثل بتغييب الشعوب عن معرفة الحقيقة ومنعها من الاطلاع على المعلومة الدقيقة التي تتعلق بمصيره وسلطته الحاكمة، وتغييب الحقيقة والمعلومة الصحيحة عن امواله العامة ومقدراته الوطنية وعن كيفية التصرف بها، ويتبع ذلك تغييب الشعوب عن المشاركة في تقرير مصيرها، والمشاركة في اختيار حكوماتها، وتغيبها عما يراد بها في العلاقة مع القوى السياسية الخارجية، وتغيبها عن كثير من الاتفاقات والمعاهدات وملاحقها السرّية.
المصارحة هي مؤشر الديمقراطية الحقيقية، وعندما تغيب المصارحة والمكاشفة بين الحاكم والمحكوم فهي علاقة التسلط والدكتاتورية والظلم والحكم الفردي المطلق الذي كان سائداً في عصور الظلام والإقطاع في العصور الوسطى، ومن هنا فإنه لا صدقية لكل دعاوى الاصلاح دون اتباع سياسة المكاشفة والمصارحة مع الشعوب، وعدم المصارحة يعني بكل بساطة ان هناك ما يتم إخفاؤه من الفساد والظلم والخداع والكذب، ومن كان صادقاً ونزيهاً سوف يسلك حتماً مسلك الاخبار الصادق للشعوب؛ لأنه ليس هناك حاجة للإخفاء والكذب.
المصارحة هي طريق بناء الثقة، ولا طريق لبناء الثقة المفقودة الاّ من خلال المكاشفة الكاملة من أجل وقف التشكيك والطعن والاتهام والتقاذف بالتهم، خاصة إذا علمنا أننا نعاني من فقدان الثقة بين الشعوب وأنظمة الحكم وأصحاب السلطة، وعندما تفقد الثقة فسوف تتعطل مسيرة الاصلاح، وسوف تتوقف مسيرة التقدم والنهوض، لأن الاصلاح والنهوض والتقدم يحتاج إلى تعاون ولا يتحقق التعاون بين السلطة والشعب الاّ عبر بناء الثقة التي لا تفرض بالقوة ولاتأتي عبر الخوف والعصا الغليظة.
الدول المتقدمة التي استطاعت أن تقطع شوطاً بعيداً في مسيرة النهضة الحضارية اتبعت مسلك احترام جمهورها ومواطنيها، ويتجلى هذا الاحترام بالمصارحة والمكاشفة بالمعلومة ومواجهة المواطنين بجرأة صادقة وخطاب مترابط وطرح متكامل يحترم عقولهم ووعيهم، ولا يستطيع صاحب السلطة أن يمضي بأي خطوة تتعلق بمصير شعبه الاّ بموافقتهم وأخذ رأيهم، ولا يجوز لأحد أن يتصرف بمصير الناس بلا إرادتهم، وهناك قاعدة بديهية لا يمارى في صحتها عاقل، أن دافعي الضرائب لهم كامل الحق بمعرفة سبل أنفاق المال المتحصل منهم، ولا يجوز لأولئك الذين يعيشون على المال العام أن يمارسوا سياسة التعمية وإخفاء المعلومة على دافعي الضرائب فيما يتعلق بالتصرف بأموالهم.
إذا سلكت الحكومة مسلك المصارحة والمكاشفة منذ بداية المشوار فسوف يكون مؤشراً حقيقياً على صدق توجهها نحو الاصلاح والتقدم، ويمكن أن تحقق خطوة ايجابية بناءة على طريق بناء الثقة، وعلى طريق النجاح الذي لا طريق لتحقيقه الا من خلال إيجاد التعاون بين الحكومة والسلطة ولن يحقق التعاون في ظل الشك والريبة وانعدام الثقة.