الحرب
(قصة قصيرة)
منذ أن ولدتُ وأنا هنا، لم أصدق أن بلادي بعد الجلاء ستدخل في مثل هكذا حرب أهلية قذرة، لكنّها دخلتْ، حزنتُ، وقلتُ بداية أن مدينتي بعيدة عن ذلك، وها هي الآن قد باتتْ في قلب الحدث.
قريتي البعيدة التي لم أسمع باسمها على مدار عقودي السبعة، إلّا على ألسنة أبنائها تتناقل أخبار قصفها أشهر وسائل الإعلام العربية.
أنا القروي العجوز الذي لا أعرف كتابة اسمي، لم أفهم كلّ ما يحدث لأسرتي الكبيرة في وطني، وكذلك لأسرتي الصغيرة في منزلي.
– يا أبي علينا أن نغادر المكان… حياتنا يتهدّدها الخطر، وعلينا أن نخرج من هنا، كما فعل معظم سكان القرية.
لم يعلم ابني الوحيد الذي يعمل في المدينة أنّني لا أسكن المكان فقط، بل أتنفسه ويسكنني أيضاً، ولا يمكنني الابتعاد عنه.
– يا بني.. أنا سمكة صغيرة في هذا العالم، لكنّ هذه القرية بحري وأغلى ما عندي…
حاول مراراً وتكراراً ثنيي عن قراري بالبقاء، إلّا أنّه لم يفلح بذلك، واضطر للخروج دوني مع زوجته الطيبة وابنتيه الجميلتين وأبنائه الصغار الثلاثة.
منذ أن تزوج لم أشعر به طفلاً إلّا في تلك اللحظات التي ودعني فيها.. قَبَّل وجهي ورأسي ويدي، ثم ألقى برأسه المهموم على جذع صدري، وأجهش بالبكاء.. ضممتُه إلى عشّ حضني بقوة… ومسحت بكفي على رأسه بحنو، تصنعتُ الصلابة وطلبت منه الهدوء والاتزان والإيمان بالقضاء والقدر، وأن يعدني بالعودة إن لم يكن لي فللقرية.
ابتعدوا عند أول الليل… وفي ساعات الصباح، استيقظ المكان ومن تبقى فيه على مقبرة وعجوز يغطّ بالحزن والدموع أمام قبر زوجته، التي غادرتْه قبل أعوام حيث سنوات الخير، وتركتْه من بعدها لكلّ هذه الوحدة والحرب.
أحمدأبوحليوة