ثمة عادة أردنية لا تنقطع مع كل تشكيل لحكومة جديدة. ترقب وفضول ورهانات بسقف مرتفع لا نعرف أساسا له، ثم خيبة أمل وسخط على تشكيلة بعد إعلانها.
إن أتى الرئيس المكلف بوزراء جدد يطرح السؤال الاستنكاري ذاته: “من وين جابهم ما حدا بعرفهم بالبلد”، وإن استعاد الوزراء القدامى، تتردد المقولة الشهيرة “نفس الوجوه؟!!”.
حكومة الدكتور عمر الرزاز جمعت النقيضين؛ وجوه شابة وجديدة على المسرح الوزاري، وأخرى قديمة من فريق حكومة الملقي، فواجهت النقد على الوجهين.
كيف حصل ذلك؟
لا أعرف على وجه الدقة، لكنني أظن أن الرئيس المكلف وعند نقطة ما على طريق التشكيل، دخل شارعا فرعيا بالخطأ، وبعد بحث طويل عن مخرج، وجد نفسه وسط تجمع لزملائه السابقين في الحكومة المستقيلة، فاستنجد بهم للوصول إلى محطة التشكيل.
وما فاقم المشكلة أن التغيير الحكومي هذه المرة حدث على وقع احتجاجات شعبية انخرط فيها المحافظون والليبراليون وإن اختلفت أجندتهم. كل تيار كان يريد حكومة على مقاسه وبمواصفاته. لكن التشكيلة جاءت هجينا من التيارين، فلم يرض المحافظون، واحتج الليبراليون.
والحديث هنا، كما قلت، عن تيارات هلامية لا أحزاب سياسية مؤطرة ببرامج، ولهذا اتخذ النقد منحى شخصيا تجاوز في أحيان كثيرة الاعتبارات المهنية وانزلق لمدارك أخلاقية لم نشهد مثلها من قبل؛ تشهير واغتيال شخصية وفبركة اتهامات لا أساس لها من الصحة. وأضحى الهدف تشويه سمعة الجميع في حملة انجر إليها الآلاف من الأشخاص من دون أدنى معرفة بالحقائق والأهداف من ورائها.
بالطبع ليس كل المحتجين على تشكيلة الحكومة من هذا الصنف، فهناك أوساط اجتماعية كانت تأمل بالفعل تغييرا يحمل فريقا وزاريا قادرا على تحمل مسؤوليات المرحلة، والأكيد أن المبالغة في تدوير أسماء من الحكومة السابقة أضر كثيرا بصورة الحكومة الجديدة، وكان ذلك على حساب رصيد الرزاز الشخصي الذي بدا في أعلى مستوياته عند التكليف، ثم هبط بشكل كبير بعد إعلان التشكيلة.
أعتقد أن الرزاز قد فطن لهذه الإشكالية بعد يومين على تشكيل حكومته، فخرج للرأي العام ليعلن مسؤوليته الكاملة والمنفردة عن اختيار الطاقم الوزاري، في خطوة اتسمت بالشجاعة، واعدا بإجراءات عاجلة تستجيب لتوقعات المواطنين التي صاحبت تكليفه.
حرص الرزاز على تذكير الأردنيين بأنه استجاب لمطلبهم باستبعاد “وزراء التأزيم” من حكومته، واختيار فريق اقتصادي جديد كليا، وتطعيم الحكومة بوزراء شباب يمثلون الجيل الغاضب في البلاد.
بيد أن المعركة المحتدمة بين المحافظين والليبراليين لم تترك مجالا للاستماع للحجج، فاستمر السجال على حاله عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين “هاشتاقين”؛ “هاجر يا قتيبة” و”أعطوهم فرصة”؛ الأول حافظ على تفوقه، والثاني ما يزال يقاتل ليحتل موقعا متقدما.
هل خسرت الحكومة جولتها الأولى؟ كثر من يعتقدون ذلك. لكن مع الإقرار بحجم الضرر الذي لحق بصورة الحكومة بعد التشكيل، إلا أنني أعتقد أن الفرصة لم تفت أمامها أبدا.
ما تزال الحكومة قادرة على استدراك الموقف، واستعادة حضورها إذا ما أحسنت التصرف في عديد الملفات، قبل موعد طلب ثقة البرلمان.
المهم أن يسود خطاب جديد، وتتجنب الانقسام بين فريقين؛ ليبرالي ومحافظ.