نتائج لافتة خلصت إليها أحد الفرق البحثية في مركز الحسين للسرطان برئاسة الباحث المميز د. حكمت عبد الرازق وبالتعاون مع باحثين من مركز م. د. أندرسون؛ حيث خلصت الدراسة التي أجريت على مائة سيدة مصابة بسرطان الثدي ومصنفة ضمن الفئة الأكثر عرضة للإصابة من حيث عوامل الخطورة وأهمها وجود تاريخ عائلي للإصابة بسرطان الثدي ووجود بعض الخصائص البيولوجية غير المرغوبة في الورم، الى أن نسبة الطفرة الجينية المسماة BRACA1/2 عالية جدا عند هذه الفئة من السيدات؛ حيث بلغت 27 %. وتكمن أهمية هذه النتيجة في توجيه جهود الوقاية والكشف المبكر عن المرض الى السيدات الأكثر عرضة للإصابة به من خلال إجراء الفحوصات الخاصة بالكشف عن هذه الطفرة.
ففي ظل غياب برنامج وطني للكشف المبكر عن سرطان الثدي الذي يعد مسؤولا عن حوالي 40 % من حالات السرطان عند الإناث، يجب أن توجه الموارد المحدودة نحو السيدات الأكثر عرضة للإصابة به وبالتالي يمكن اللجوء الى بعض الإجراءات الوقائية المعروفة عالميا.
جدير بالذكر أن الوراثة مسؤولة عن حوالي 10 % من حالات سرطان الثدي، لذلك من الأهمية بمكان الاتجاه للبحث عن الطفرات الجينية التي تسبب المرض، مما يمكننا من التدخل مبكرا من خلال إجراءات الوقاية والكشف المبكر.
لقد ذاع صيت الطفرة المسببة لبعض حالات سرطان الثدي الوراثي والمعروفة بـBRACA1/2 بعد اكتشاف هذه الطفرة لدن الممثلة الشهيرة أنجيلينا جولي، وأصبحت هذه الطفرة تحمل اسمها شعبيا وإعلاميا، وشهد العالم إقبالا منقطع النظير على إجراء اختبار الكشف عن هذه الطفرة مما يشبه الحمى التي استغلها البعض لغايات تجارية، لكن ما خلصت اليه الدراسة هو ضرورة الاستخدام العقلاني لهذه الفحوصات وتوجيهها الى الأشخاص الأكثر احتمالية للإصابة بها ضمن معايير علمية محددة.
مشكلة سرطان الثدي في منطقتنا أنه يصيب السيدات في سن مبكرة؛ حيث إن معدل سن الإصابة عند سيدات المنطقة يقل بعشرة أعوام عن معدل الإصابة لدى السيدات في مناطق أخرى من العالم، كما أن حوالي ثلث الإصابات تشخص في مراحل متقدمة بعد أن يكون المرض قد استفحل مما يقلل من فرصهن بالشفاء.
لقد كان إقبال السيدات على إجراء الفحص من خلال هذه الدراسة مفاجئا للباحثين؛ حيث وافقت الغالبية العظمى منهن على إجرائه رغم التخوفات التي كانت لدى الباحثين من احتمالية تأثير العوامل الاجتماعية على قرار السيدات بقبول إجراء الفحص من خلال احتمالية وصم العائلة باحتمالية الإصابة بالمرض أو من باب كيف ستتصرف إناث العائلة في حال تبين وجود الطفرة لدى إحداهن، مما يؤشر على تغيير إيجابي في تعامل الأردنيات مع موضوع الكشف المبكر عن المرض.
تشكل هذه الدراسة أرضية مناسبة يمكن أن يبنى عليها مستقبلا لتحديد كيفية تعامل السيدات غير المصابات بالسرطان مع هذه الطفرة وفيما إذا ما كن سيتخذن قرارات وقائية جريئة على غرار أنجيلينا التي قامت بالاستصال الوقائي للثديين والمبيضين.
الأمر الآخر اللافت في هذه الدراسة، هو قبول السيدات اللاتي يحملن هذه الطفرة بالخضوع للعمليات الجراحية التي تقلل من احتمالية إصابتهن بالسرطان مستقبلا، كما قامت معظم السيدات بمشاركة نتائج الفحوصات مع أفراد عائلاتهن، خاصة الإناث منهم، مما يمنح الأخيرات فرصة إجراء الفحوصات المتبعة عالميا للكشف المبكر عن المرض.
رغم الفوائد الكبيرة التي قد تنتج عن إجراء الفحوصات الجينية لكنها ليست بلا مشاكل اجتماعية وأخلاقية، خاصة في الدول النامية من حيث الحفاظ على سرية المعلومات، والوصمة الاجتماعية واحتمالية التمييز في التوظيف والاشتراك في التأمين الصحي، وهي قضايا متعددة الأبعاد وتتطلب الاهتمام بها من قبل صناع القرار.