1-عيد الاستقلال
ليس هناك من يوم احب إلى الإنسان من يوم استقلال بلده التي تمثل بالنسبه له كل شيء. تمثل الماضي والحاضر والمستقبل، وتمثل الامل الدائم الذي لا تنطفئ شعلته، ومعقد الجهد والعمل الذي لا يخبو نوره رغم الظلمات. ولكن الاستقلال ليس يوما مضى قبل 72 عاما ونحن نحتفل اليوم بذكراه. إذ إن الاستقلال سيرورة دائمة ومسيرة مستمرة، وعملية متصاعدة من العمل والجهد والمثابرة للمحافظة على سلامة وحيوية الاستقلال، وجذوة من الاخلاص والابداع والمحبة والتسامح، لدفعه إلى مستويات أعلى من التقدم والانتاج والازدهار.
نعم تمر بلادنا في ظروف صعبة للغاية، وخاصة في المسارين السياسي والاقتصادي، وما ينِشأ عنهما من تفاعلات مجتمعية معقدة، ولكن الوطنية والإخلاص للإستقلال وعبقرية الشعوب لا تتجلى إلا عند قبول التحديات والإستجابة لها، والعمل رغم الصعاب والخروج إلى النجاح والبناء. ولأن يوم الاستقلال، بقدر ما هو يوم عزة و كرامة، إلا أنه أيضا يوم مصارحة وتذكير، لنعرف أين نقف اليوم، وأين ينبغي أن نكون في العيد القادم.
ومع هذا، يشعر المواطن أننا لا زلنا مترددين في الاصلاح السياسي العميق والقائم على الديموقراطية والمشاركة الفاعلة لمنظمات المجتمع المدني وللقوى السياسية ممثلة بالأحزاب. ولا زلنا متأرجحين في الفكر والعمل الاقتصادي، ومترددين بتغيير النهج الذي أثبت عقمه على مدى الخمس والعشرين سنة الماضية، والذي قام على الإنفتاح المفرط حتى تجاوز العجز التجاري 9 مليارات دينار، وانسحاب الدولة من القيادة والمشاركة، والخصخصة المتسرعة، والتركيز على المالي دون الإقتصادي وإغفال الإقتصاد الاجتماعي، وتجاهل الثورات الصناعية وتناسي ضرورة تصنيع الإقتصاد الوطني ،والاتكال على الضرائب عند كل أزمة.
نتقدم خطوة، ونراوح ثلاثة، ونرجع خطوتين. فيتراجع الاستثمار الإنتاجي، ويبتعد المستثمرون، وترتفع المديونية ويعاني المواطن أكثر فأكثر، وتنكمش الطبقة الوسطى إلى أقل من 20% من السكان.
كان مهاتير محمد قبل سنوات نموذجا لرجل الدولة وقائد الامة، الذي نجح هو وحزبه وخبراؤه و مساعدوه في نقل ماليزيا من حالة التخلف والفقر، لتصبح في طليعة النمور الاسيوية وتتحول إلى دولة ناهضة يزيد دخل الفرد فيها عن 12 ألف دولار، وهو أعلى من المتوسط العالمي، مقابل أقل من نصف هذا الدخل في بلادنا وغيرها من البلاد العربية. ويترك مهاتير محمد السياسة والادارة ليعود اليها بالانتخاب من خلال حزبه بعد سنوات، وقد بلغ عمره 92 سنة وفي نهاية عمره كما يقول.
وخلال أقل من أسبوع حول المتهمين بالفساد إلى القضاء، وبدأ عملية اصلاح سياسية، وبرامج تنشيط اقتصادية شاملة يجدد فيهما شباب ماليزيا، ويحافظ على استقلالها السياسي والاقتصادي، ويزيح الظلم الذي أنزله السياسيون المتكسبون وأصحاب المصالح بالناس.لماذا ؟لأن الماليزيين شعروا أن استقلال بلادهم في خطر.
ونحن احوج ما نكون وفي هذه الظروف المعقدة أن نحافظ على استقلالنا من خلال الإعتماد على الذات والنزاهة الحقيقية، والعمل الدؤوب، والقرار الصحيح،. من خلال تثبيت المستثمرين الاردنيين اولا وليس اهمالهم، ومن خلال المشاريع الإنتاجية بدلا من الإستغراق في البنية التحتية، ومن خلال شبكة سكة حديد وطنية تشغل آلاف الايدي العاملة بدلا من محطة نووية مكلفة ولا لزوم لها حائرة بين موسكو وبكين، ومن خلال تنمية فعلية للمحافظات بدلا من التغني بجمالها، ومن خلال تطوير المواقع السياحية وتمويلها من خلال شركات اجتماعية يساهم فيها المواطنون بدلا من بيعها للاخرين، ومن خلال إنهاء التنفيع والتكسيب على حساب الوطن.
نحب بلادنا ونعتز باستقلالها، والإستقلال ليس الماضي وإنما هو الحاضر والمستقبل. فهل نجعل عيد الإستقلال يوما سنويا لقياس إنجازاتنا الفعلية في كل قطاع؟ وهل تتولى الحكومة قيادة هذه العملية.؟
2-العمل الشعبي
يوم بعد يوم، يزداد تغول اسرائيل على المنطقة العربية، وخاصة في الأراضي الفلسطينية. وبالتقاء دونالد ترمب بميكافيليته الشنيعة، وبنيامين نتنياهو بأطماعه وأحقاده غير المحدودة، أصبحت فلسطين في خطر داهم، والمنطقة العربية مهددة بمزيد من التفكيك بعد أن أصبحت المنطقة جاذبة للتدخلات الدولية، ومسرحا لقوى التطرف والعنف والإرهاب والصراعات الطائفية. ذلك أن نتنياهو واليمين الصهيوني يريان في دونالد ترمب الحصان الذهبي الذي يمكن أن يحقق الحلم الصهيوني، أن تكون إسرائيل دولة قوية كبرى بين دول ضعيفة مفتتة. فموقف ترمب من القدس، ونقل السفارة، والانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران، وشرعنة الإحتلال، والموقف الإبتزازي الضاغط على الدول العربية، ضمن لترمب كامل تأييد اللوبي الصهيوني من دون منازع بما لديه من اعلام واموال واتصالات، في حين ضمن نتنياهو أن لا احد يستطيع مقاومة جرائمه في غزة والضفة وارتكاب جيشه ومستوطنيه ابشع الجرائم ضد الاطفال والنساء والأرض. وكلا الشريكين نتنياهو وترمب يخططان للنجاح في الانتخابات القادمة بأي ثمن، وهذا هو مطلب كل منهما.
ما الذي يمكن أن يفعله العرب، ويمكن أن يفعله الفلسطينيون إزاء كل ذلك؟ الأردن يقدم أقصى ما يستطيع، والحكومات العربية تصدر بيانات الشجب والاستنكار، وتصدر قرارات الادانة والرفض في اسطنبول وغيرها من العواصم، والأحزاب تفعل الشيء المشابه تقريبا: الاستنكار والشجب والرفض. ولكن شيئا على الأرض لا يتغير. بل إن العلاقات بين اسرائيل والدول العربية تتسع بشكل غير رسمي، والضعف ٍالعربي يتفاقم يوما بعد يوم. وكلما امعن العرب في الضعف ازدادوا اعتماداً على الولايات المتحدة الامريكية، وزادت هي في ضغطها عليهم لقبول اسرائيل، والتصالح معها دبلوماسيا والارتباط بها اقتصاديا. والجميع لا يستطيع قول لا في وجه العراب الامريكي.
اين الشعوب؟ واين الابواب التي تفتحها تلك الشعوب وتعجز عنها الحكومات ؟. اين المقاطعة الجماهيرية الكاملة للمنتجات الاسرائيلية؟. لا احد يريد العنف، ولا احد يريد الخروج على القانون، وإنما من حق الشعوب أن تقاطع من يغتصب حقوقها، وذلك اقرته الشرعية الدولية. وهنا يأتي دور الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ورجال الفكر والثقافة. فعلى هذه المؤسسات أن تتوقف عن الشجب والاستنكار، وتعمل على تدعيم حركة جماهيرية تقاطع كل ما هو اسرائيلي، حتى لو كان قطعة من ورق.
بالأمس وزعت اسرائيل صورة مفبركة للقدس تم انتزاع المسجد الأقصى وقبة الصخرة منها وترك مكانها فارغاً وتم اهداء هذه الصورة إلى السفارة الامريكية. والصورة التي ستليها هي صورة القدس وفيها مكان المسجد الأقصى والصخرة، هيكل سليمان المزعوم. لا احد يريد الانفعال والصراخ فهذا لا يجدي .. ولكن العمل الشعبي السلمي هو الذي يمكن أن يحدث التغيير. فهل تتحرك الأحزاب العربية ومنظمات المجتمع المدني والسياسيون في هذا الاتجاه؟. تلك هي المسألة.