رفعت قلمي الأحمر لتصحيح أوراق امتحانات طلبتي… ومثلي رفع آلاف الأساتذة الجامعيين أقلامهم في هذا الوقت من العام الدراسي.. وحده ذلك الأستاذ الجليل في غزة الذي رفع قلمه ليكتب تأشيرته التي هزتني وهزت الضمائر الحية من الأعماق، حيث كتب على ورقة طالبه الشهيد – إن شاء الله – «فارس منصور» أحد فرسان غزة وشهـــدائها: «عزيزي الشهيد أعتذر عن تصحيح ورقتك فنحن لا نصحح للشهداء بل هم يصححون لنــا».
صدقت أيها الأستاذ الفاضل حين جزمت بأن الشهيد وصحبه هم وحدهم قادرون على أن يصححوا أخطاء العديد من ساستنا العرب… وهم وحدهم قادرون على زرع الأمل في نفوس شعوبنا المكسورة الخانعة.. وهم من كشفوا تواطؤ وزيف جهود حكومات العالم المتقدم التي تتغنى بآدمية الإنسان وتمعن في الضغط على جراح المستضعفين في غزة والقدس وسوريا وكل بلاد العالم المنكوبة.
جبل أسى وحسرة سيدي الفاضل نشعر بها نحن المواطنين العرب، خصوصاً المخضرمين من أجيالنا… فنحن صدقنا وآمنا طوال حياتنا بأن فلسطين قضيتنا العربية الأولى، وأن الوحدة العربية هي هدفنا، وأن التنمية هي ما تسعى إليه حكوماتنا… ولكننا شهدنا تبدل الحال وانقلاب الأحوال مع مر السنين… فقضيتنا أصبحت مجموعة قضايا، حيث لحقتها سوريا واليمن والعراق وليبيا… وغيرها ممن أحرقتها نيران ثورات الربيع العربي… وأحلامنا وتنميتنا ضاعت تحت أقدام جحافل داعش وغيرهم من الجماعات التي تسمَّت بالدين ونسفت كل معانيه، فاستعر الخلاف والقتال بين عربي وعربي، بين سني وشيعي، وبين إسلامي وليبرالي، وبين مدني وقبلي، فضاعت القضية وضاعت معها القدس وسط صمت عربي ودولي مُطْبِق… إلا من أصوات حرة قليلة تقدمها خطاب أميرنا الذي كرّس حياته مؤمنا بالقضية.
شهيدنا الغالي… أردت أن تصحح بيدك الواقع، فرأينا إمضاءك واضحاً كالشمس، حيث خطه دمك الغالي فوق أعلى شهادة ينالها المرء فلك «الشهادة» والجنة ولنا رب يرأف بحالنا.