عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب- أقام دولة الدكتور عبد الكريم الكباريتي إجتماع الهيئة العامة للبنك الأردني الكويتي بعد تأخير مبرر اعتذر عنه وكان سببه تعليمات البنك المركزي المتعلقة بنظام (9)، وفي الهيئة العامة دائما جديد يأتي به الرئيس الكباريتي، والجديد هو التشخيص للحالة الأردنية وخاصة الحالة الاقتصادية من حيث واقعها والتأثيرات التي تشكل طبيعة تفاعلاتها ..
الكباريتي الذي لا يصمت على خطأ ولا يضع رأسه في الرمل لم يقل عن نفسه أيضا أنه “جيفارا” لأنه يدرك كما يقول المتنبي:
” الجود يفقر والأقدام قتال ” ولكنه يتميز دائماً موظفاً خبرته ووعيه ومواطنيته حين لا يبخل بالرأي المسنود بالوقائع ليرى الناس الحقيقة..
فالأردن ليس في وضع مريح، وجملة الإجراءات والممارسات المتخذة لا تأتي من خيارات سليمة ولا من رؤية صائبة، وإنما تخبط خبط عشواء حين تصبح الضريبة جباية لا جلباً للاستثمار، وحين تؤدي إلى تجفيف الزرع والضرع بدل التخصيب ودفع عجلة الإنجاز ..
وفي هذا لدى الكباريتي كلام كثير قال بعضه ولم يقل أكثره، ولعل الضوء الذي علقه “أبو عون” يكمن في التحذير من مغبة استمرار سريان الإجراءات الإقليمية التي يتخذها بعض عرب الجوار والتي تغلق منافذ التنمية عن الأردن، وقد استعمل الكباريتي مصطلحات النشرة الجوية في عبارات عدم الاستقرار “وهبوب” “وموجة” وتوازن وغيرها مسقطاً حالة الجو على حالة الاقتصاد، وها يرى جملة الإجراءات التي تصيب المغتربين والعمالة الأردنية في دول الجوار العربية، وحجم الأعباء الموضوعة عليها، والكباريتي لا يرى في إبعاد الأردنيين عن ساحات العمل العربية سوءاً مطلقاً، فهي كالطلاق في رأيي حين يكون أبغض الحلال، وقد يكون مفيداً في بعض الأحيان، ولذا يرى رئيس مجلس إدارة البنك الأردني الكويتي في إعتقادي أنه يمكن تجويل التحديات إن وقعت في إبعاد العمالة أو المغتربين الأردنيين وإعادتهم لبلدهم يرى في هذه التحديات فرصاً، وهو في هذا لا يأتي بالفكرة من ضرب الودع ، وإنما من نموذج ما جرى حين احتل العراق الكويت وتسبب في هجرة عشرات الآلاف الذين انتقلوا بالأردن بسبب عودتهم إلى حالة من التطور الإداري وإلى إنشاء فرص اقتصادية وتغيرات اجتماعية إيجابية ساهمت في المزيد من التحضر ومدنية الدولة .. فالأردنيون حين يرون حرصاً في إدارة شؤونهم وتسيير أوضاعهم فإنهم لا شك قادرون على اجتياز المصاعب وتحويل التحديات إلى فرص.
ما يواجهه الأردن من مواقف من بعض الأشقاء ليست بريئة، ولذا لا يجوز الاستمرار في النظر إلى تلك المواقف السلبية ببراءة وعدم فهم، أو أخذها على المحمل الحسن في محاولة للهروب من استحقاقات فهمها على حقيقتها ..
الكباريتي في مداخلته الطويلة نسبياً في الكلمة المعتادة منه في اجتماع الهيئة العامة السنوي للبنك ووضع النقاط على الحروف، ولم يهرب من واجب التشخيص وتقديم الوطني من المواقف والرؤية على ما عداه، دون مجاملة، وقد شملت نصائحه إجراءات البنك المركزي الصارمة التي تتصادم أحياناً مع ضرورة إن يبقى للإدارات البنكية والاجتهادات الاقتصادية هامشاً تعبر فيه على مبادراتها .. فالحرص الزائد قد ينقلب إلى إجراءات معطلة وحالة من التضييق ..
الحقيقة أنني في كل اجتماع للهيئة العامة أحرص أن أحضر وأن أستمع إلى خطبة يوم الهيئة وهي مناسبة وحالة اعتقد ان الكثيرين غيري من المساهمين وغيرهم مثلي حريصين على سماعها والإستفادة منها.
فالاقتصاد الأردني ليس بخير ولا يجوز استعمال هذا التعبير الذي يلوكه الكثيرون دون تعليل، لأن الفرق بين من يمارس الجلد وبين من يشخص ليقدم الدواء هو الفرق بين الأم الشرعية والأم غير الشرعية في التنازع حول المولود.
إن لم نقل كلمة الحق الآن بحق بلدنا واقتصادنا وإداراتنا فلا نعتقد أننا سنقولها في وقت لاحق أو أخر، إذ يكون الآمر غير تغير والفرصة قد تأخرت، وهذا ما قصده الرئيس حين تحدث عن الإجراءات التي يرى أن بعضها ليس سليماً في الحفاظ على “مكياج” الدنيار الأردني المكلف والزائد لإبقائه في صورة تحفظ قبوله، وراحة التعامل معه، خاصة أن هذه الكلفة ستستمر إذا ما استمر ربط الدنيار بالدولار، وهو الربط الذي أصبح مكلفاً كلفة الركض الصاعد لرجل متقدم في السن ليبقى في السباق !!!
لا أريد أن أتحدث عن نتائج البنك وأرباحه وقدرته الكبيرة على صد تحديات استثمارات عقارية وشراكات تعثرت، وسدد التزاماته تجاهها، وخصص الكثير لها بصمت وعمل مستمر حتى استشرف الفوز والنجاة، فذلك تضمنه تقرير البنك الموزع اليوم وجاءت إجابات الرئيس الكباريتي الشفافة على أسئلة محترفة لتروي عطش المستمعين ولكنني اردت أن اترك انطباعاً في أن الرئيس الكباريتي يحمل قلقاً على حالة الاقتصاد التي يرتبط بها “الإجتماع” الأردني بقوة تأثير متبادل، وهذا القلق لا يستشعره المتحدث فقط بل الكثيرين من الذين ما زالوا لا يجدون طريقة لتعليق الجرس، وما زالوا في حالة علماء القسطنطينية الذين يناقشون جنس الملائكة أمام تحديات العدو في القدس وتحديات الإقليم التي أضيفت له في انقلاب على الواقع العربي لا يستوعبه العقل وقد يرى فيه حالة من
” السوريالية”.
كلام الكباريتي للذين ما زالوا يعتقدون بقيمة الكلمة هو جزء من الحل وليس المشكلة حين نرى أن الكم المتوفر من التصريحات والإجراءات المتخذة بحق شعبنا من إدارته الداخلية هي جزء من المشكلة، بل هي المشكلة أن جاوزنا التعبير ..
يبقى أن نذكر أن مساهمي البنك وقد رأيتهم فيمن حضروا قد ارتاحوا للنتائج ولأسلوب إدارة المشاكل، وهذا ما توّجه الرئيس بتوزيع ارباح20% على المساهمين.
تصوير أشرف محمد