أسئلة على هامش زيارة بيلوسي لإسرائيل/ د. جيمس زغبي

لقد علمت للتو أنك تترأسين وفدا من أعضاء الكونغرس الديموقراطيين في زيارة لإسرائيل والأردن هذا الأسبوع. آمل أني لم أتأخّر كثيرا في الكتابة لك لتقديم بعض المخاوف التي آمل في أن تكون عونا لك في محادثاتك في المنطقة.
أعرف أن هذا العام يصادف الذكرى السنوية السبعين لتأسيس إسرائيل، وأنك أصدرتِ بالفعل بيانا تهنئين الشعب الإسرائيلي بهذه المناسبة. وأرجو منك أن تتذكري أن هذا التاريخ يمثل بالنسبة إلى الفلسطينيين ذكرى النكبة، حين طُرد 700 ألف من مواطنيهم من ديارهم وما زالوا يعيشون في المنفى على أمل العودة، ولمّ الشمل مع عائلاتهم ومجتمعاتهم المحلية. وانني أحثك على أن تكوني حساسة تجاه هذه المأساة.
ويحتفل مواطنو إسرائيل هذا الأسبوع بـ «يوم الأرض»، في ذكرى مرور 40 عامًا على اليوم الذي خرجوا فيه في تظاهرات وطنية، احتجاجًا على مصادرة إسرائيل أراضيهم، في محاولة «لتهويد الجليل». إن زيارة الناصرة في قلب الجليل ستكون موضع تقدير من قبل 20 في المئة من سكان إسرائيل من العرب الفلسطينيين.
إذا ذهبت إلى الناصرة، فآمل أن تتمكني من زيارة النصب المثير للإعجاب (خيمة هاجر) في وسط المدينة، والذي بناه المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل تخليدا لذكرى عائلاتهم وأصدقائهم الذين يعيشون لاجئين في المنفى.
* * *
قبل 25 سنة فقط، وقفنا معا في حديقة البيت الأبيض للاحتفال بتوقيع اتفاقات أوسلو والأمل في سلام إسرائيلي ــــ فلسطيني. في عام 1996، عقب انتخابه رئيساً للوزراء، دُعي بنيامين نتانياهو إلى مخاطبة جلسة مشتركة للكونغرس. لقد استخدم انتخابه وخطابه للإعلان عن نيته إنهاء عملية أوسلو. وألحقت السياسات التي انتهجها أضرارا كبيرة بفرص السلام وأحبطت الرئيس كلينتون حينها؛ لدرجة أن البيت الأبيض رفض لفترة من الوقت اللقاء معه.
وأذكر أيضا أنني سافرت مع الرئيس كلينتون في عام 1998 عندما تحدث في غزة والقدس وبيت لحم، وأتذكر إحباطه العميق من الزعيم الإسرائيلي. خلال هذه الفترة، توسّعت المستوطنات وزاد القمع، وكذلك عنف المتطرفين الفلسطينيين. كان كل من المتشددين الإسرائيليين والفلسطينيين مصممين على تدمير فرص السلام. ونجحوا إلى حد كبير.
كان هناك بعض الأمل في أن مفاوضات طابا التي أعقبت قمة كامب ديفيد المشؤومة قد تستأنف عملية السلام، لكن عندما خسر إيهود باراك انتخابات عام 2001 أمام آرييل شارون، تلاشت آمال السلام مرة أخرى.
وأعقب ذلك سنوات من العنف المأساوي الذي قتل فيه الكثير من الإسرائيليين والفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، مهد إهمال إدارة بوش الطريق لمزيد من السياسات الإسرائيلية القمعية.
واليوم، في الوقت الذي يتبنّى فيه معظم القادة السياسيين الأميركيين حل الدولتين للصراع الإسرائيلي ــــ الفلسطيني، يصبح من الصعب على نحو متزايد تصوّر كيف يمكن أن يحدث مثل هذا الحل. فهناك الآن 700 ألف مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية مرتبطون بعضهم ببعض ومع إسرائيل عبر شبكة من الطرق المخصصة لليهود فقط، التي تقسم الأراضي الفلسطينية إلى «كانتونات». ويفاقم هذا الوضع المؤسف الجدار الفاصل الذي بنته إسرائيل على الأرض الفلسطينية، والذي يفصل القرى عن مزارعها وبعضها عن بعض.
ثم هناك سياسات اسرائيل لهدم المنازل، والاعتقالات الجماعية من دون تهم، وإهانة المواطنين الفلسطينيين على نقاط التفتيش الداخلية، وعنف المستوطنين المنفلت ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم.
وبالنظر إلى هذا الوضع المحبط، أدعوك الى تخفيف المديح لإسرائيل والاعتراف بأن الائتلاف الحاكم الحالي في إسرائيل تقدم بتشريعات جديدة لضم الضفة الغربية، وتعزيز قبضته على الفلسطينيين، وجعل آفاق التوصل الى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين بعيدة المنال. هذا الوضع لا يمكن ان يحتمل وادعوك للعمل من اجل ضمان التقدم نحو السلام وليس الانزلاق نحو العنف.
ولهذه الغاية، هناك أسئلة أعتقد أن من المناسب طرحها مع القادة الإسرائيليين:
أولاً – مع تسارع التوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية التي تجعل دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة أمرا مستحيل التحقيق، ما هي الرؤية الإسرائيلية الطويلة الأجل للفلسطينيين؟ يبدو أنهم اختاروا التوجه نحو حل الفصل العنصري من دولة واحدة، حيث يبقى الفلسطينيون أمة أسيرة من دون حقوق.
ثانياً – توثق منظمات حقوق الإنسان نمط إساءة معاملة الأطفال الفلسطينيين في السجون العسكرية الإسرائيلية. لماذا يستمر هذا الاعتداء؟ وما الذي يمكن عمله لوقفه؟
ثالثاً – في الشهر الماضي، علّقت إسرائيل خطة لفرض ضرائب على الممتلكات التي تملكها الكنائس المسيحية في القدس، في أعقاب احتجاجات من المجتمع المسيحي الفلسطيني. هل هناك تأكيدات بأن الخطة لاستهداف الممتلكات المسيحية بصورة غير عادلة تم إلغاؤها بشكل دائم، وليس إرجاء فرضها فقط؟
رابعاً – تستمر الحالة الإنسانية في غزة في التدهور في ظل الحصار الذي تفرضه إسرائيل، مع تحذير الأمم المتحدة بأن غزة قد تصبح «غير قابلة للعيش» في السنوات المقبلة. ألا ينبغي رفع الحصار واستبداله بالوسائل السياسية لحل أزمة غزة من دون معاقبة السكان المدنيين؟
ولأن زيارتك تتزامن مع عيد الفصح، فإننا نشجعك بشدة على زيارة القادة السياسيين والدينيين في الأراضي الفلسطينية ــــ من القدس إلى بيت لحم ــــ لكي تسمعي منهم مباشرة حول الحياة في ظل الاحتلال والتحديات التي يواجهونها.
لقد ظل الكونغرس ومنذ فترة طويلة يشكّل عقبة في طريق تحقيق سلام إسرائيلي ــــ فلسطيني. ويتجاهل الكونغرس باستمرار سلوك إسرائيل السيئ، في حين استهدف بشكل متكرر الفلسطينيين، بتدابير عقابية أو التهديد. قد تزودك هذه الزيارة بفرصة لتغيير ذلك التصور، ودعم قيم حقوق الإنسان والديموقراطية، والمساعدة في إعادة التوازن المطلوب إلى نهج بلدنا تجاه الصراع الإسرائيلي ــــ الفلسطيني.

د. جيمس زغبي*

* رئيس المعهد العربي الأميركي في واشنطن.

شاهد أيضاً

شهدنا الانتخابات بدون أحزاب فكيف بالأحزاب بالشكل الحالي؟* هيلدا عجيلات

عروبة الإخباري – شهدنا الانتخابات بدون أحزاب فكيف بالأحزاب بالشكل الحالي؟!! أعتقد نسبة المشاركة ستبقى …

اترك تعليقاً