السلطنة.. كانت مع مصر.. وهي اليوم مع سوريا

عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب: كانت مع مصر حين اشتدت الأزمة عليها وتسابق النظام العربي الى عزلها بعد إتفاقيات كامب ديفيد، لم تكن الخطوات مدروسة ولا نتائج المقاطعة معروفة، ولكن عُمان لم تنسق وراء القرار العربي المنفعل، بل تروت.. ثم حين بدأ الحصار على مصر تقدمت عُمان لفكه وكانت مبادرة السلطان قابوس الذي أصطحب معه الملك الراحل الحسين بن طلال وكانت خطوة فك الحصار عن مصر وتسجيل موقف حريص على وحدة الأمة والوقوف إلى جانب الدولة العربية الكبرى التي قدمت الكثير للقضايا العربية.
لم ينسَ المصريون ذلك ولن ينسوه، فقد استقر ذلك في وجدانهم وأدركوا أن حكمة السلطان جاءت في وقتها وترجمت موقفاً انفردت فيه سلطنة عُمان وتحملت في سبيله نقداً ولوماً ما لبث بعد سنوات من انقشاع المواقف أن سجل لصالح السلطنة وسلطانها الذي اوتي الحكمة، “ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً”.
ففي العام 1977 وحين كان السلطان يرى ما فعله العرب بمصر وما أرادوه من مقاطعتها ومنها نقل الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس وتعليق عضوية مصر وسحب الأرصدة العربية من البنوك المصرية وحل الهيئة العربية للتصنيع المشترك، ومنع دخول الصحف المصرية إلى عواصم عربية وتعليق كافة المساعدات الاقتصادية لمصر، ثم قطع العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية وتناول الايدي العاملة المصرية في البلدان العربية بمثل تلك القرارات، وكل ذلك أدى إلى عزلة مصرية شاملة عن أشقائها العرب.
يومها وقد رأى السلطان قابوس ذلك، ورأى كيف يشتد الخناق على مصر ويُنكر فضلها ويغفل ما قدمت، تقدم السلطان قابوس ليقول شيئاً آخر ويأخذ خطوات أخرى، وقد أعلن بكل شجاعة ودون إلتفات إلى تأييد “أن مصر لا تقاطع ولا تعزل بسبب موقفها وأن لها إجتهاداتها وخياراتها وأن لا يحق لأحد التدخل في سياساتها”.
كانت المقاطعة مستمرة من عام 1979 إلى العام 1989 ولكن سلطنة عُمان كسرت حلقاتها وخرجت عن مواقف الحصار ومدت يد المساعدة ما استطاعت وبتقديم موقف سياسي واضح كانت مصر بحاجة إليه، يومها أكد السلطان وهو يزور العقبة في الأردن ليضع الموقف الأردني إلى جانب موقفه، ثم يزور مصر ويقول: “لقد ثبت عبر مراحل التاريخ المعاصر أن مصر كانت العنصر الأساسي في بناء الكيان والصف العربي وهي لم تتوانَ يوماً في التضحية من أجله والدفاع عن قضايا العرب والإسلام وأنها لجديرة بكل تقدير”.
بعدها كان السلطان في الاسكندرية وقد استقبل استقبالاً يليق به، كانت الجماهير المصرية تصطف لاستقباله عبر كورنيش الاسكندرية من قصر المتنزه إلى قلعة قايتباي وبطول 5 كيلومترات في حشود أعلنت رد الوفاء بالوفاء لزعيم عُمان، ولم يتوقف دعم السلطنة لمصر آنذاك فقد دعم السلطان قابوس الأزهر الشريف من ذلك الحين وإلى اليوم وكذلك مكتبة الأسكندرية الشهيرة في سبيل إحيائها بدعم سخي وظلت السلطنة إلى جانب مصر في كل المنعطفات التي مرت بها ووقف إلى جانب خيارات الشعب المصري وأندب السلطان ممثلاً له للتهنئة بتنصيب الرئيس عبدالفتاح السيسي ورغم كل الظروف الاقتصادية التي مرت بها المنطقة وحتى السلطنة، ظلت السلطنة وبتوجيه من السلطان تدعم وتساند مصر في كل مواقفها.
والموقف من مصر وفلسطين وتسجيل السابقة العربية في رفض عزل أي بلد عربي أو التدخل في شؤونه ظل دائماً عنوان السياسة الخارجية العُمانية وهذا الموقف نراه اليوم يتكرر وبتوجيه من السلطان أيضاً للوقوف إلى جانب سوريا ورفض عزلتها والعمل على إعادتها إلى الصف العربي.
وفي هذا الاطار بادرت سلطنة عُمان وأرسلت وزير الشؤون الخارجية إلى زيارة فلسطين والالتقاء بالقيادة الفلسطينية في رام الله والرد على الخطوات التي اتخذت ضد القدس ورفض عزل القيادة الفلسطينية او التدخل في شؤونها وهذه الخطوة المبادرة والتي سجلت منها سلطنة عُمان السبق تصب في مساعدة الشعب الفلسطيني والوقوف الى جانبه وتأييد قيادته ودعم صمودها فالسلطنة لا تجلس متفرجة على القضايا العربية حين تكون هذه القضايا بحاجة الى المساعدة وهي بالمقابل لا تتدخل في شأن أي بلد عربي وتنأى بنفسها دائماً عن التدخلات السلبية.
وبتوجيه من السلطان وتجسيد من وزير الدولة للشؤون الخارجية يوسف بن علوي، جرى إفتتاح جديد لسفارة سوريا في سلطنة عُمان وبحضور وزير الخارجية السوري وليد المعلم، وتكسر عُمان حلقة عزل سوريا كما فعلت ذات يوم مع مصر، وتخرج عن مواقف الذين عزلوا سوريا وحاصروها، وقد ثبت أن عزلها وحصارها لم يصب في المصلحة العربية، وفي هذا الصدد كان تصريح المسؤول عن الشؤون الخارجية العُماني يوسف بن علوي بن عبدالله “ان الاحتفال بافتتاح المبنى الجديد للسفارة السورية بمسقط يعد إضافة الى العمل الدبلوماسي بين البلدين”.
ويمكن أن نضيف إلى ذلك أن سلطنة عُمان أرسلت رسالة واضحة وجديدة للمجتمع الدولي ولدول الأقليم وخاصة دول مجلس التعاون العربي عن إستقلال قرارها وعن عدم موافقتها على استمرار عزل سوريا وإخراجها من الجامعة العربية، أو قطع العلاقات معها، وتأخذ هذه الخطوة العُمانية أهميتها أيضاً كونها تأتي عشية إنعقاد القمة العربية القادمة في الرياض، لتوحي للمؤتمرين بضرورة إعادة النظر في موقفهم إزاء سوريا بغض النظر عن الملاحظات التي يرونها، وإذا كان ثمة ملاحظات على موقف النظام السوري فإن هذا لا يجوز أن ينسحب على معاقبة سوريا الدولة وسوريا الشعب وسوريا الوطن والتي لا بد أن يجري الوقوف إلى جانبها كما حدث في الموقف من مصر بعد كامب ديفيد.
فالعُمانيون كانوا منذ البداية ضد عزل سوريا وضد مصادرة مقعدها في الجامعة العربية ومع إستمرار فتح الحوار معها خدمة لكل الأطراف ولعل مواقف سلطنة عُمان كانت واضحة دوماً وقد عبّر عنها جلالة السلطان كما عبر الوزير المسؤول عن العلاقات الخارجية في مقابلة مع التلفزيون الأردني أجراها معه الصحفي سلطان الحطاب في 15/5/2013 إذ كان أكد فيها في وقت مبكر على موقف عُمان غير المنحاز وعلى قبول وجهات النظر سواء الرسمية التي كانت ترى تدخلاً في الشأن السوري وكانت متخوفة من تسيس المواقف وتوظيفها، وأيضاً كان الوزير يعتقد بضرورة أن يكون هناك عمل عربي عبر الجامعة وقد شاركت سلطنة عُمان فيه قبل أن تصبح الأزمة السورية مدولة وهذا ما حذر منه بن علوي الذي يعتقد أنه ما لم تتوافق الأطراف الدولية في مجلس الأمن على الحل فإن الأمور ستظل تذهب باتجاه التصعيد وقد تقود إلى حرب أهلية، وهذا ما حدث وكأن بن علوي يقرأ من كتاب حين تحدث لي قبل خمس سنوات عن مآلات الأزمة السورية وتداعياتها وهو لا يرى أن لها حلاً في الأفق دون توافقات دولية حاسمة لان كل طرف سواء الرسمي أو المعارضة ظل يعتقد أنه يمكن أن يحسم الصراع إلى صالحه، ولذا كان على الطرفين أن يدركا أولاً أن هذا الحسم غير ممكن ليظهر أفق الحل.
لقد اثبتت الوقائع وبعد مرور أكثر من ست سنوات على نشوب الأزمة السورية أن القراءة العُمانية كانت سليمة وأن مقدماتها قد أفضت إلى هذه النتائج، ولذا ظل التحذير العُماني قائماً ومن هنا اكتسبت الرؤيا العُمانية صوابية ومصداقية وصبت في مجرى السياسة العُمانية الموصوفة بالحياد لصالح المساعدة غير المشروطة.
لم يخرج العُمانيون في سياستهم إزاء سوريا عن تصورهم المبكر الذي تميّز عن تصور بقية النظام العربي، ولذا فإنهم اليوم وهم يعيدون فتح السفارة السورية عشية انعقاد قمة الرياض فإنهم يجسدون رؤيتهم السابقة التي ظلت متوازنة وتحرص على المصلحة العربية.
مرة أخرى تعكس السياسة العُمانية إزاء سوريا موقفاً متوازناً تحافظ فيه على المصلحة السورية كما فعلت مع مصر ذات يوم، وإذا كان النظام العربي وخاصة الخليجي قد ابتعد عن موقف عُمان في الأزمة السورية فإنه اليوم وإن ظل صامتاً فإنه يقر بصوابية الموقف العُماني وسلامته.


Related posts

القطريون يصوتون على التعديلات الدستورية

الفايز يلتقي السفير السعودي لدى المملكة

20 شركة غذائية أردنية تشارك بمعرض الخليج الصناعي