“فورين بوليسي”: الوهم والحقيقة في خطط السعودية للإصلاح الاقتصادي

عروبة الإخباري – أفادت مجلة فورين بوليسي أنه رغم خطط الإصلاح الاقتصادي الطموحة التي طرحتها السعودية، إلا أن النخبة في المملكة، مثلها مثل المستثمرين الغربيين، غير متأكدة مما يعنيه النظام الجديد لاقتصاد البلاد.

فقد خلقت القيادة السعودية الجديدة فرصا جديدة، لكن العديد من العوائق الهيكلية العميقة أمام التنويع لم تتغير. على سبيل المثال، فلا يزال الجزء الأكبر من القطاع العام متخما بالعمالة من خلال التوظيف القائم على الواسطة والمحسوبية. وما زالت العمالة الأجنبية الرخيصة تهيمن على القطاع الخاص.

ولا يزال النشاط الاقتصادي في القطاع الخاص يعتمد بشكل كبير على الإنفاق الحكومي.

وكتب ستيفن هيرتوغ في مجلة فورين بوليسي أن التصدي لهذه التحديات يمكن أن يستغرق جيلاً كاملا؛ حيث سيتطلب الأمر صبرا وإبداعا وتقديرا جيدا للأولويات. وفي السنوات الثلاث الماضية، شهدت السعودية عملية إعادة تشكيل كاملة لنخبة حاكمة جديدة.

وبينما اعتاد الأخوة من آل سعود إدارة الحكم بشكل جماعي، أصبحت عملية صنع القرار مركزية الآن تحت رجل واحد. ومن خلال التعديلات الوزارية وشن حملة مفاجئة ضد الفساد، صدمت القيادة الجديدة العائلة الحاكمة وقطاع رجال الأعمال بقسوتها واستعدادها لتحمل المخاطر بشكل جذري على خلاف الثقافة السياسية الحذرة لآل سعود.

تحديات هيكلية

وبحسب مقال فورين بوليسي الذي نشر في الخليج الجديد، ربما تساعد سياسات السعودية في الوصول إلى الحد الأدنى، لكن الاقتصاد السعودي يواجه تحديات هيكلية عميقة بما في ذلك عجز مالي كبير بسبب انخفاض أسعار النفط والقطاع الخاص اليائس أمام قضية التنويع. وفي ظل القيادة الجديدة، تعاملت السعودية مع الإصلاحات المالية بشكل أكثر قوة مما توقع معظم المراقبين المحليين والدوليين. إذ تم إدخال تدابير غير مسبوقة على الضرائب وأسعار الطاقة، بما في ذلك فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 بالمائة، وضرائب جديدة على العمال الأجانب، وزيادة أسعار الكهرباء ووقود النقل.

ومن خلال تخفيف الضوابط الدينية على المجال العام، تسعى السعودية لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وتنويع الاستثمارات عبر قطاعي السياحة والترفيه. لكن الحكومة لم تضع إستراتيجية للقضايا الاقتصادية الرئيسية الأخرى حتى الآن، وأحد القيود القوية على ذلك هو افتقار البلاد للخبرة الإدارية.

وجراء ذلك، لم تنفذ الحكومة سوى جزء صغير من 543 مبادرة في برنامج التحول الوطني 2016-2020، الذي كان من المفترض أن يكون حجر الزاوية في الإصلاحات الاقتصادية. وغالبًا ما تبدو الشركات الخاصة والتكنوقراط مرتبكين بشأن أولويات الحكومة؛ حيث يتم الإعلان عن سياسات وبرامج جديدة باستمرار. في حين أن البيروقراطية السعودية البطيئة لا تزال متخلفة، وتظل الدولة السعودية بمثابة ماكينة كبيرة بطيئة الحركة، ويبدو أن الحكومة لا تملك إستراتيجية واضحة لإصلاح هذه البيروقراطية.

وعلاوة على ذلك، يعتمد كل النشاط الاقتصادي في المملكة تقريبًا على الدولة. فعلى مدى عقود، وفرت العائلة المالكة عوائد الطاقة للشركات والأسر كأداة لتقاسم الثروة، وبالتالي خلقت صناعات غير فعالة تعتمد على الدعم.

ويخشى المستشارون الاقتصاديون المحليون أن تخسر غالبية شركات البتروكيماويات الخاصة -التي تعد الجزء الأكثر تطوراً في الصناعة السعودية- الأموال إذا ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي إلى المستويات الأمريكية.

والأهم من ذلك، أن التوظيف في القطاع الحكومي لا يزال هو الوسيلة الرئيسية لتوفير الدخل للمواطنين السعوديين؛ خاصة أن العمالة الأجنبية الرخيصة تهيمن على القطاع الخاص. وتمثل أجور القطاع الحكومي ما يقرب من نصف إجمالي إنفاق الدولة، وهي نسبة من بين الأعلى في العالم.

وتم تجميد التوظيف الحكومي إلى حد كبير منذ عام 2015، لكن هذا الخلل في التوازن سيستغرق عقودا من الزمن لإصلاحه، حتى لو تمكنت الحكومة من خلق وظائف خاصة للسعوديين بوتيرة غير مسبوقة.

معضلة التوظيف الحكومي

ومع تزايد القيود على التوظيف الحكومي، لن يكون أمام الشباب السعودي خيار سوى البحث عن وظائف خاصة، لكنهم سيواجهون منافسة شديدة في سوق العمل الخاص؛ حيث اعتاد أرباب العمل على توظيف عمالة متدنية الأجر من البلدان العربية والآسيوية الفقيرة.

ووفقا لبيانات المسح الرسمية، فإن متوسط الأجور الخاصة للسعوديين حوالي 2700 دولار في الشهر، في حين أن الأجانب يكسبون في المتوسط 1000 دولار فقط. وأدى الاعتماد على العمالة الأجنبية غير الماهرة إلى انخفاض الناتج لكل عامل، إضافة إلى التدريب المحدود للقوى العاملة، والاستخدام المنخفض للتكنولوجيا المتقدمة في معظم القطاعات.

إن معظم المنتجات السعودية غير متطورة، ومع ذلك فإن تكاليف الإنتاج في المملكة -وهي بلد يتمتع بمستوى معيشي مرتفع إلى حد ما- هي أعلى مما هي عليه في الاقتصادات الناشئة الأخرى التي تنتج السلع الأساسية.

وهذا يجعل من الصعب على السعودية المنافسة في الأسواق الدولية؛ ونتيجة لذلك تكون الصادرات غير النفطية خارج قطاع الصناعات الأساسية محدودة للغاية. كما أن لدى العديد من السعوديين في القطاع الخاص توقعات أعلى فيما يتعلق بالأجور وفي ظروف عمل أفضل مقارنة بالأجانب ذوي التكلفة المنخفضة.

وستتجه مطالب الأجور السعودية اضطراريا إلى مزيد من الانخفاض إذا كان خلق الوظائف الخاصة بديلاً عن ضمان التوظيف الحكومي السابق. وفي الوقت الحالي، توقفت عملية خلق الوظائف الخاصة ؛ حيث واصلت الحكومة التقشف منذ 2015 استجابة للعجز وانخفاض أسعار النفط.

وفي حين أن أجور القطاع الخاص للأجانب المهرة تكاد تكون كبيرة مثل الأجور العامة للمواطنين، فإن العمال الأجانب يحولون معظم هذا الدخل إلى الخارج؛ لذلك لا يعزز ذلك الاقتصاد المحلي.

وتعتمد العديد من الشركات أيضا على عقود الدولة، وعندما أخرت الحكومة المدفوعات لهم؛ سبب ذلك أزمة في قطاع البناء والتعاقد في 2016، مبينة ما يمكن أن يحدث للاقتصاد عندما تكون الدولة هي مصدر الطلب الرئيسي.

وتبدو الحكومة السعودية متفائلة بشأن قدرتها على زيادة الإيرادات الضريبية بسرعة دون الإضرار بالقطاع الخاص. لكن إذا أرادت العائلة المالكة تجنب تكرار فترات الركود في العامين الماضيين؛ فستحتاج إلى تخفيف طموحاتها في فرض الضرائب على الأسر والشركات.

وطالما بقيت أسعار النفط أقل من 70 دولارا للبرميل، فإن الميزانية المتوازنة ستسبب ألما للشركات، وتحد من خلق الوظائف الخاصة. وسيشكل هذا تحديًا سياسيًا كبيرًا في الوقت الذي يدخل فيه ما يقدر بنحو 200 ألف سعودي إلى سوق العمل كل عام.

نتائج عكسية

ويحتاج اقتصاد السعودية إلى التكيف، لكن الوعود بشأن التنويع السريع والنمو يمكن أن تأتي بنتائج عكسية. وسيكون من الحكمة للغاية إعداد المواطنين والشركات برفق لفترة التكيف الصعبة والممتدة، والتركيز على عدد أقل من الأولويات.

وتعد الإصلاحات الحكومية في أسعار الطاقة، التي تعوض الأسر من خلال منح نقدية مباشرة، طريقة مجربة، ووسيلة جيدة للبدء. وتفيد المنح العائلات الأكثر فقرا، وهذه سياسة اقتصادية جيدة؛ حيث ينفق الفقراء حصة أعلى من المال، وبالتالي يحفزون طلب المستهلكين. ويمكن للحكومة معالجة العمالة العامة بطريقة مماثلة.

وتتمثل إحدى الأفكار في تقديم دخل أساسي غير مشروط تدريجيا للمواطنين السعوديين البالغين خارج الحكومة، بتمويل من المدخرات الناتجة عن زيادة أسعار الطاقة وتقلص التوظيف العام.

ويمكن للسعوديين الاستفادة من هذا الدخل لزيادة أرباح القطاع الخاص، وبالتالي القدرة على العيش بأجور أقل، والتنافس مع الأجانب على نحو أكثر فعالية دون فرض تكاليف مرتفعة على الأجور على الشركات المحلية وتقويض قدرتها التنافسية.

إن الدخل الأساسي لن يضمن فقط توفير سبل العيش الأساسية لجميع المواطنين، بل سيعمل أيضًا كبادرة سياسية كبرى يمكن أن تبرر إصلاحات القطاع العام الصعبة.

ومن شأن نظام تقاسم الثروة أن يجعل من السهل تجميد التوظيف الحكومي وإرسال إشارة واضحة مفادها أنه من الآن فصاعدا يتعين على السعوديين السعي إلى اكتساب المهارات اللازمة للتوظيف الخاص وريادة الأعمال.

ويمكن للحكومة أن تكمل هذا المخطط من خلال فرض رسوم على الشركات التي توظف الأجانب، بينما تدعم الأجور للمواطنين من أجل سد فجوة الأجور.

قد يكون التركيز على مثل هذه الأساسيات أقل إثارة من بناء مدن جديدة في الصحراء أو إطلاق أكبر اكتتاب عام في العالم، لكنه أكثر أهمية للمستقبل الاقتصادي للمملكة؛ فلا يوجد بلد اعتمد على البترول كما اعتمدت السعودية.

وفيما تشكل الإصلاحات الحالية تجربة غير مسبوقة سيكون الانتقال طويلا، وما لم تتعاف أسعار النفط بشكل كبير، سيكون هناك آلام كثيرة.

ويجب أن تكون أولوية النظام السعودي هي توزيع هذه الآلام بطريقة عادلة وأقل تشوهًا من الناحية الاقتصادية.

 

Related posts

القطريون يصوتون على التعديلات الدستورية

الفايز يلتقي السفير السعودي لدى المملكة

20 شركة غذائية أردنية تشارك بمعرض الخليج الصناعي