الساعدي يقدم كبّه للتبشير بمرحلة وطنية عراقية جديدة

عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب: ظل العراق طوال أربعة عشر سنة على صفيحِ ساخن يحترق في معاناة شديدة أكلت الزرع والضرع، ولكن العراق خرج من الرماد كما العنقاء في الأساطير، وعاد يبث الأمل والبشرى للعراقيين على اختلاف رؤاهم.
أمس كان الدكتور ليث كبّة السياسي الأكاديمي والمفكر يطرح رؤيته على مجموعة عراقية مميزة دعاها للقائه الدكتور ماجد الساعدي رئيس مجلس الأعمال العراقي الذي شكل عمله في المجلس وخارجه رافعة لصعود العراق إلى الخلاص في جانب وهو العلاقات العربية.
الساعدي الذي قدم ضيفه بكلمات منصفة، ظل حذراً في إستقبال تشخيص كبّه للحالة العراقية، ومع إنتهاء المحاضرة تهلل وجه الساعدي بشرى في أن الرجل المتحدث كان منصفاً ومحايداً إلى حد كبير، فقد تحدث من منظور وطني أكثر منه سياسياً أو حتى إقتصادياً، وإن كانت جريمة التشخيص الاقتصادي هي الأبرز في وصفه الدكتور كبّه، فقد حث المحاضر العراقيين في الخارج وخاصة المستثمرين ورجال الاعمال والمثقفين والأكاديمين إلى إعادة توجيه أنظارهم للعراق واهتمامهم بشؤونه والعمل على إسناده، فالدكتور كبّه يراهن على مثل هذه الدعوة حتى وإن جاءت متأخرة أو لم يسبق الاهتمام بها من جانب السياسيين العراقيين في الداخل والذين تناوبوا على السلطة أو كانوا من مكوناتها الأساسية، فقد اشتكى الدكتور الساعدي المضيف حالة التهميش والنظرة الضيقة للعراقيين في الخارج وجرى القفز واهمال فكرته التي كان طرحها على أكثر من مسؤول في أن تكون أصوات العراقيين في الخارج كتلة واحدة للتصويت وأن يحسب حسابها بما تستحق من مقاعد برلمانية لبلوغ هذه الكتلة أكثر من خمسة ملايين يمكنهم من خلال من يمثلهم البرلمان العراقي إحداث تغيرات واسعة وعميقة، بسبب قدراتهم وتميّزهم وأهليتهم، وبسبب أيضاً مشاهدتهم للمشهد العراقي من الخارج بحكم ابتعادهم عن الالتصاق بالاعراض السلبية التي اعترت المسيرة العراقية منذ زمن.
دعى كبّه إلى دعم الرئيس العبادي وقبوله باعتباره شكل اختراقاً ملموساً في الحالة العراقية إن على المستوى الداخلي أو الاقليمي أو مستوى العلاقة تحديداً مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع إيران.
في تشخيصه الموضوع إستفاد الدكتور كبّه من دراسة الهندسة، لإن الهندسة تخطيط وإبداع لمن يلتقط علومها وفلسفتها واستفاد من خبرته في العمل الدولي والخارجي، حين لم يستفز أي طرف عراقي من خلال حالة الاستقطاب الشديدة التي سادت رؤية العراقيين إلى درجة قال أحدهم أن العراق لا يقف على قدميه ولن يعود إلى الحياة إلا بمعجزة إلهية!!
يراهن الدكتور كبّه على عملية التراكم في الإصلاحات والإنجاز ولا يرى طريق غيرها للتغيير وهو يرى في الانتخابات القادمة في العراق محطة لانه يدرك أن الديمقراطية التي يدعو إليها والتي إختبأ وراءها من غزو العراق ليست مجرد إنتخابات وإنما هي أعمق من ذلك، لكن الصناديق والاحتكام إليها هو المدخل الحقيقي الذي لا مدخل سواه، وهو الذي سيتمكن العراقيين على اختلاف رؤاهم ومذاهبهم من إلتقاط الفرصة لإنتشال وطنهم من وضع صعب إلى بداية طريق الخلاص، فالعراق الآن كما يقول الدكتور كبّه بحاجة إلى التأشير وبوعي إلى التحديات الماثلة أمامه وإلى ضرورة الدفع باتجاه التحولات الإيجابية والتصدي للسلبيات الكثيرة التي قامت جراء التدافعات العديدة والواسعة طوال عشر سنوات، وكل هذه المكونات متأثرة بالجيران وغيرهم على المستويات الدولية والمحلية.
يراهن كبّه ويتفق معه كثير من الحاضرين الذين ارتسمت على وجوههم إشارات التوافق على تحولات السنوات الأربع القادمة من خلال البناء على الانتخابات كوسيلة لإدراك بعض الأهداف العراقية ليصل العراق الى حماية شعبه من العوز والفقر والتخلف واللحاق بركب الحضارة القائمة.
ويرى كبّه أن العبادي تغيّر كثيراً وأن لغته القائمة من قناعاته فيها الكثير من الشفافية والوعي وتطابق ما يقوله مع ما يعتقده بعد أن تحرر من كثير من المحبطات، فقد تجاوز العبادي في رؤية كبّه أربع مطبات سردها مع تحليل موضوعي فيه سعة على نحو ألخصه في نقاط أو أبعاد وهي:
1. البعد الاقتصادي، إذ تجنب العبادي في نهجه وقوع كارثة اقتصادية توفرت مكوناتها، وقد كان له في عملية التجاوز هذه التي قادها انصار ومؤيدين وداعمين، وإلا لما استطاع الاختراق ووقف النزف واسعاف الحالة العراقية من انهيار بدأت ملامحه واضحة تماماً، لقد كان العراق كما يرى كبّه محظوظاً في ذلك، ومع ذلك يرى كبّه أن العراق لم يصل بعد إلى العافية في هذا السياق وأنه وإن كان غادر عنق الزجاجة إلا أن الانتكاسة مجدداً ممكنة إن لم تجرِ صيانة الانجاز والبناء عليه بتراكم.
2. أما المطب الثاني أو العقبة الثانية التي تعامل معها العبادي بحسم ورؤية صائبة فهو أزمة كردستان التي لمعت من خلالها شخصية العبادي ودوره وصلابة موقفه أمام الضغوط المحلية والدولية والانحيازات وإعادة الاصطفاف الاقليمي وهو إذ نجح في إدارة الأزمة فإن أعراض هذه الازمة ما زالت ماثلة وإن ابتعدت مخاطرها إلى حد يمكن من خلاله إعادة التوازن وخاصة في مسألة كركوك التي تحتاج إلى عمل سياسي ودبلوماسي وإلى إظهار القدرات العراقية المتلاحمة كثمرة توافق وطني لتكون كركوك في إدارة بغداد بعد أن تأهلت بغداد لذلك وقد نجح العبادي إلى حد كبير في إعادة التوازن إلى هذه المسألة دون سفك دماء، بقدرته على احتواء الأزمة والخروج منها لصالح الدولة العراقية الواحدة ومصالح شعبها، لقد ساند الوضع الاقليمي الدكتور العبادي حين رأه صلباً وجاداً ومتطلعاً إلى اعادة بناء العراق والحرص على ذلك.
لقد بنى العبادي في هذا الاتجاه رغم هشاشة الدولة العراقية ومؤسساتها التي ما زالت بحاجة إلى عمل كبير وتوافقات وطنية ملموسة وإعادة بناء عقيدة وطنية يستند إليها الجميع.
لقد أفلح العبادي في الاستعانة بالمجتمع الدولي وقبول مشاركته والقدرة على جعله يتفهم الحالة العراقية في تطوراتها المختلفة وان يبين لها أسباب التشوهات خاصة وهو يمرر الميزانية العراقية بردود فعل محتواه وبكلفة قليلة!!
يدرك كبّه كما قدم للمستمعين لمحاضرته سخونة الحالة وإمكانية الخروج منها بنتائج إيجابية وان رحلة الألف ميل لتغيير العراق بدأت وأنها بحاجة إلى كل المرتحلين عبرها للتغيير.
3. أما المحطة الثالثة او الاختيار الثالث الذي اجتازه العبادي وسجلت له فيه علامات تفوق، فهو تحرير الموصل والمناطق الغربية، إذ أنه أقدم وسط ضجيجٍ عال ودخان يغطي مساحات التفكير والعمل ولكنه راهن على إرادة العراقيين وعزيمتهم وجوهر حسهم الوطني الجماعي في بقاء الوطن العراقي موحد.
فقد قضى على نواة داعش وطاردها وصفّى مواقعها في اكثر من مكان حساس ليقوم حجم هائل من الخراب حين انقشع احتلالها ومناطق نفوذها، وكان هذا الخراب قد أصاب الحجر والبشر وشرد أكثر من مليون فم يريدون الغذاء والدواء والمأوى، وقد حرموا من أبسط حقوق الرعاية، هذا التحدي ما زال ماثلاً بقوة وما زال يدعو كل من آمن بالعراق الواحد إلى العمل بجد وسرعة وأن توضع البرامج على المدى القريب لتطوير الحالة، وإلى سرعة الانجاز والتخلص من هذه التركة (داعش) التي لم يشهد العراق مثيلاً لها في تاريخه المعاصر.
4. أما المحطة الأخرى التي تعامل معها العبادي ويعمل على تجاوزها وتصحيح أخطائها وإيجاد مكانة متوازنة للعراق فيها، فهي محطة التدافع الأمريكي الإيراني والتناقض الشديد بينهما وأين موقع العراق من ذلك، وكيف له أن يتعامل دون أن يحتوي أو يقع في حالة التماهي مع هذا الطرف أو ذلك، وبالتالي يبقى العراق عراقياً!!
كيف يمكن للعراق كما يقول كبّه أن يبلور موقفه من السياسة الأمريكية وهي سياسة دولة عظمى بعد كل هذه التحولات التي أصابت الموقف الأمريكي بعد غزو العراق!!
ما زالت التجربة الأمريكية ماثلة وهي لم تحطم العراق فقط بل حطمت اقتصاد الولايات المتحدة وأصابت سلم قيمها، فهي لم تأتِ بالديمقراطية جاهزة وإنما بركام يحاول العراق أن يخرج منه وأن يصنع منه تجربته الديمقراطية.
لقد إعترت الولايات المتحدة كُلف وديون طائلة زادت عن تريليون دولار وهو ما قصم ظهر الاقتصاد الامريكي وشكل دروساً جرى إستيعابها من جانب الإدارات اللاحقة التي غيرت أسلوب تعاملها سواء في إدارة أوباما المنسحبة من الحالة العراقية أو إدارة ترامب التي رأت أنها لا تريد أن تدفع أي مبالغ أخرى، وكلاهما أدارتا الظهر كل بطريقته وظهرتا وكأنهما غير معنيتين، ومع ذلك بقي للعراق علاقات خاصة مع الولايات المتحدة يرى كبّه أنها خلقت مشاكل متعددة، فالولايات المتحدة لها حسابات مختلفة في المسألة العراقية وزاوية دخولها تكشفت أنها أمنية عسكرية وليست تنموية ديمقراطية وهذا رتب على العراقيين تبعات هائلة!!
أما الجيران في إيران فهذه قصة أخرى طويلة تركت جرحاً عميقاً نازفاً في نفوس حكام إيران وحاولت قوى عديدة الاستفادة من الفراغ السياسي الذي حصل في العراق وأراد كل أن يملأه بطريقته وحسب مصلحته، وحاولت قوى عديدة تحركت لمسك الفراغ لتشكل تحديات حقيقية بعملها.
العبادي أمسك العصا من المنتصف كما يرى كبّه وركز على استقلال الإرادة العراقية وتحريرها وأعطى أهمية للانتخابات القادمة والرهان عليها، واعتبر أنها يمكن أن تشكل لحظة تاريخية وأياً كانت النتائج فهناك إيجابيات لهذا النهج الذي قاده العبادي من حيث ارتفاع نسبة الوعي الوطني وضرورة إعادة النظر فيه لكيفية العلاقة مع الدولة العراقية، بعيداً عن سياسات التخندق والاستقطاب.
ويرى كبّه أن تفكير العبادي الجديد يخدم هذا النهج ويعيد للعراق البعد الوطني الذي تمزق بفعل تيارات مختلفة دينية وفئوية وغيرها.
وكان لتغير خطاب العبادي والبدء بممارسة هذا الخطاب إنعكاسات إيجابية إلتقت مع الظروف الموضوعية الناشئة في المنطقة والاقليم لإحداث التغيير المأمول.
فالنظرة للمكونات العراقية كلها صغيرة أم كبيرة ووضعها في ميزان الإنصاف وإشراكها يشكل ضرورة فهؤلاء هم العراق والعراق هم، بعد أن تمزقت هذه الكتل ونزفت ليعود العبادي يدعو إلى حمايتها وتمثيلها بشكل يحفظ هوية العراق الواحدة في تنوعها وغناها، كما جاءت الخطوات الجديدة للعبادي لتؤكد على أن العراق لكل العراقيين وعن ضرورة تمكين الدولة العراقية من خلال تمكين مؤسساتها بإعادة البناء.
ويرى كبّه أن السنوات الاخيرة شهدت تحولات ملموسة يجب الاخذ بها ومراكمة العمل لصالحها والخروج من الفراغ الذي فرض على العراق للتحكم في مسيرته.
ويتوقف كبّه بشكل واضح وجاد عند البعد الاقتصادي ويراه المدخل المناسب للتغيير ويدعو إلى بناء مرحلة جديدة من البناء الاقتصادي ونقل الدولة من حالة الاقتصاد الريعي الاستهلاكي الدبق المتكون من رداءة الإدارة وغياب الكفاءات وإستمرار الترهل، إلى اقتصاد نوعي آخر يشكل القطاع الخاص روافع أساسية فيه، ويرى أن ذلك هو ما يخرج العراق من حالته، ويضرب كبّه مثالاً على دور القطاع الخاص وإسهامات العراقيين بنموذج مجلس الاعمال العراقي في الاردن.
يراهن كبّه على المستقبل ويقبل العزاء في أن العراق ليست أول دولة تعيش هذا الظرف القاسي، فقد مرت دول من هذا المعبر وبنت إقتصادياتها وسط ظروف صعبة سياسية وغير سياسية.
يدرك كبّه حجم السلبيات والاخطاء من ترهل وفساد وتشتت الرؤى وإنقسامها، ويدعو للخروج من كل ذلك بإرادة وطنية جامعة، وإلى إصطفاف كل قوى التجديد التي تحمل روح الخبرة والوطنية ويرى أنه لا يجوز اليأس فعجز الدولة العراقية المعاصرة حوالي (90) سنة مرت بظروف صعبة ومكونات قاسية وتغيرات متباينة، ولذا فإنها اليوم بحاجة إلى نظام إنتخابي يشكل وسيلة للتغيير تنخرط فيه كل القوى، لتتوحد عليه، وترى فيه مرجعياتها، فالدولة ليست تكوين نظري، بل هي شعب أيضاً يجب أن يكون هو القضية الأساسية لفك إرتباطه عن الحرمان.
فالجهود لا بد أن تتطور في رؤيته وسلوكه حتى لا يبقى ضعيفاً يجري توظيفه لادوار تخدم الساسة فقط، إذ لا بد من إعادة قراءة المشهد على أسس أخرى تلعب فيها الكفاءات ورجال الاعمال أدواراً أساسية.
لقد حان وقت التغيير كما يرى كبّه، وحتى العملية السياسية يمكن إحداث تحولات فيها حين تكون جزءاً من المشكلة، حتى لا يكون البديل هو العنف والعودة إلى المرجع الأول أو نقطة الصفر الباردة، والخروج من الترهل عند كبّه في إعادة بناء الدولة لا بد أن يأخذ بالاعتبار الابتعاد عن التوظيف واعتماد مبدأ التشغيل وتوفير فرص العمل والحذر من أي انتكاسة، فما زالت المسافة المقطوعة لا تضمن السلامة بالكامل، ولا تعكس المغادرة النهائية عن سلبيات الماضي.
وإذا كانت سنوات عددها أربعة عشر قد مضت، فإن التغيير لا بد أن يحصل الآن وبشكل تراكمي لا قسري، فلا مكان للانقلابات وحرق المراحل والاسقاطات السريعة.
كبّه يدعو للتغيير عن طريق الوعي والتراكم ونشر القناعات الوطنية والالتفاف حولها ولذا جاء إلى المحاضرة التي إلتقط أهمية ما تدعو إليه الدكتور ماجد الساعدي ليقدمها إلى هذه النخبة من العراقيين، علها تثمر فيهم بمزيد من القناعات الايجابية لإستقبال المرحلة القادمة بتفاؤل.


 

Related posts

عقدٌ من الابتكار.. زين تحتفل بمرور 10 أعوام على تأسيس منصّتها للإبداع (ZINC)

مندوبا عن الملك وولي العهد.. العيسوي يعزي عشائر الغويري والمعايطة والعليمات

افتتاح مبنى الفصيل النسائي في قيادة لواء الشيخ محمد بن زايد آل نهيان/التدخل السريع